شتائيات(12)
نعم للإضراب في الـ 30 من آذار

(ذكرى يوم الأرض الخالد الـ 28)

مع أنني لا أنوي إبتلاء "شتوياتي" بالبكاء واستحضار الماضي.. بكل قساوته وتعاسته.. فمن كثرة بكائنا على الأطلال اعتادت حكومات هذه البلاد الظالمة على إدمان الهدم وتخريب بيوت الناس لكي نبقى نبكي على الأطلال.. فقفا لا نبكِ!
"في شهر آذار ندخل اول حب
وندخل أول سجن
وتنبلج الذكريات عشاء من اللغة العربية:
قال لي الحب يومًا: دخلت الى الحلم وحدي فضعت.
وضاع بي الحلم قلت: تكاثر! تَرَ النهر يمشي إليك
وفي شهر آذار تكشف الأرض أنهارها"
محمود درويش قصيدة "الأرض" ديوان أعراس ص 86 - 87)
و "سيدتي الأرض!
أي نشيد شيمشي على بطنك المتموج بعدي؟
وأي نشيد يلائم هذا الندى والبخور"

و "- أين حفيداتك الذاهبات الى حبهن الجديد؟
- ذهبن ليقطفن الحجارة -
قالت خديخة
وهي تحت الندى خلفهن"
و "أنا ولد الكلمات البسيطة
     رأيت الحصى أجنحة
رأيت الندى أسلحة"

و "عكا تروح مع الموج، وابتعدا في التداعي
    مالت خديجة نحو الندى، فاحترقت خديخة لا
     تُغلقي الباب"
(محمود درويش ديوان "أعراس" من قصيدة "الأرض")

هكذا كان وما سيكون.. و"الأرض ليست فقط مصدر رزق.. انها وطن، وخيرًا تفعل لجنة المتابعة بأن تعلن الإضراب العام والشامل في "يوم الأرض" 30 آذار احتجاجًا على سياسة مصادرة الأراضي ومحاولات الاقتلاع لكل عربي فلسطيني صاحب هذه البلاد في كل مكان من الجليل الأشم الى المثلث الصامد حتى النقب الصعب، واحتجاجًا على أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها جماهيرنا، وعنوان الشعار لاحتجاجنا وتضامنًا مع إخواننا الفلسطينيين في المناطق المحتلة أن ارفعوا ايديكم عن شعبنا الفلسطيني الصامد البطل" وكفى لسياسة القتل والاغتيالات والتدمير، والانسحاب من جميع المناطق المحتلة هو طريق السلام وإحقاق حق تقرير المصير لشعبنا في دولة مستقلة كاملة السيادة عاصمتها القدس وعودة اللاجئين  هي الحل! وبالافراج عن المعتقلين بتهم باطلة وظالمة وملفقة، من القيادات السياسية لجماهيرنا من الحركة الاسلامية الشيخ رائد صلاح واصدقائه والأخ محمد كناعنة (أبو أسعد) ورفاقه من حركة أبناء البلد. وكفى لسياسة النهب والمصادرة والتهويد وعلى رأسها النقب..
واما قبلْ...
فيوم الأرض هو يوم الانتفاضة الوطنية العارمة التي تفجرت في 30/3/1976 على شكل إضراب شامل ومظاهرات شعبية في جميع القرى والمدن والتجمعات العربية في الجليل والمثلث، احتجاجًا على سياسة التمييز العنصري ومصادرة الاراضي وعُسف المؤسسة الصهيونية الظالمة، فقد مارست هذه المؤسسة ضد أبناء شعبنا الصامدين على أرض الوطن سياسة الاقتلاع من أراضيهم وتمزيقهم الى مجموعات صغيرة منعزلة وبالتضييق عليهم بمختلف الوسائل والأساليب القمعية.
وقد شارك في أحداث يوم الأرض الشعب العربي الفلسطيني في المناطق المحتلة 1967، وبذلك أصبح يوم الارض مناسبة وطنية فلسطينية وعربية ورمزًا لوحدة الشعب العربي الفلسطيني التي لم تنل منها كل عوامل القهر وسنوات الغربة والتمزق. والسبب المباشر لاحداث يوم الأرض كان إقدام السلطات الاسرائيلية يوم  19/2/1976 على مصادرة نحو 21 الف دونم من أراضي عدد من القرى العربية في الجليل الاوسط منها عرابة، وسخنين، ودير حنا وعرب السواعد وغيرها لتخصيصها لاقامة المزيد من المستعمرات الصهيونية في نطاق سياسة تهويد الجليل ومحاولة إفراغه من سكانه العرب الذين يشكلون نحو نصف مجموع السكان هناك. وكانت السلطات الاسرائيلية قد صادرت بين سنة 1948 و1972 اكثر من مليون دونم من أراضي القرى العربية الفلسطينية في الجليل والمثلث بالاضافة الى ملايين الدونمات الاخرى من الاراضي العربية "التي اضطر اصحابها للهجرة خارج فلسطين المحتلة عام 1948 نتيجة العدوان الصهيوني".
وقد جاءت أحداث يوم الأرض تتويجًا لتحركات ونضالات جماهيرية طويلة تكشفت بشكل خاص في الشهور التسعة التي سبقت ذلك اليوم:
- ففي 29/7/1975 عقد اجتماع في حيفا حضره مبادرون لتنظيم حملة الاحتجاج على مصادرة الاراضي العربية بعد أن اعلنت سلطات "الكيان الصهيوني" عزمها على مصادرة  21 الف دونم من أراضي نحو 12 قرية عربية. وقد ضم الاجتماع عددًا من رؤساء المجالس المحلية العربية وشخصيات وطنية من محامين وأطباء ومثقفين ورجال دين وفلاحين، وتقرر في هذا الاجتماع تشكيل لجنة الدفاع عن الاراضي العربية، وقد دعت اللجنة الى عقد اجتماع شعبي موسع في الناصرة بتاريخ 15/8/1975 وتقرر فيه الدعوة الى مؤتمر شعبي عام للمطالبة بوقف مصادرة الأراضي. وصدر عن الاجتماع نداء موجه الى الرأي العام يدعوه الى المشاركة في الحملة ضد سياسة مصادرة الأراضي. ووقع على هذا النداء آلاف المواطنين وجميع الهيئات الشعبية والمجالس المحلية. وعقدت لجنة الدفاع عن الأراضي العربية بعد ذلك عشرات الاجتماعات الشعبية في الجليل والمثلث. وكان المؤتمر الشعبي العام الذي عُقد في الناصرة بتاريخ 18/10/1975 اكبر مؤتمر شعبي يعقد للجماهير العربية في البلاد حتى ذلك الحين، وفي هذا المؤتمر تقرر إعلان الاضراب العام وتنظيم مظاهرات امام الكنيست اذا لم تتراجع الحكومة الاسرائيلية عن مخططات مصادرة الاراضي العربية وتهويدها. ولم تتراجع الحكومة واستمرت في تماديها وتنفيذ مصادرتها، لقرارها بمصادرة 21 الف دونم، دعت اللجنة القطرية لرؤساء المجالس المحلية العربية الى اجتماع موسّع عقد في الناصرة بتاريخ 6/3/1976 وحضره اكثر من 70 مندوبًا يمثلون مختلف القرى والتجمعات العربية في المثلث والجليل. وفي هذا الاجتماع اتخذ القرار التاريخي باعلان الاضراب العام في 30 آذار عام 1976. ولكن السلطات الاسرائيلية استمرت في تنفيذ مخططها. ففي يوم 19/3/1976 أصدر وزير المالية الاسرائيلي - استنادًا الى قوانين الطوارئ لعام 1945 وقرار الحكومة الاسرائيلية الصادر في 29/2/1976 - أمر مصادرة الأراضي. وحاولت الحكومة الاسرائيلية بكل ما في وسعها من وسائل الترهيب والترغيب والخداع شق الاجماع العربي وكسر الإضراب، فأوعزت بعقد اجتماع في شفاعمرو يوم 25/3/1976 لبعض رؤساء المجالس المحلية المقربين منها فاتخذ هؤلاء قرارًا بتأجيل الاضراب لكن قرار الشعب كان "الاضراب" كما اطلقها صرخة "مدوية" ومشهورة الفارس الراحل الشاعر توفيق زيّاد "مؤكدًا صدق هذا الموقف الذي وقفه توفيق زيّاد وعدد من الرؤساء الوطنيين في اجتماع "المؤامرة" في شفاعمرو 25/3/1976 وتتواصل المهرجانات والاجتماعات الشعبية، حيث لم تتخلف أية قرية او مدينة عن ركب الشعب، وفي كل مكان إصرار على تأييد الإضراب وأهدافه. وتتواصل حملات السلطة وتهديداتها، من خلال التواجد المكثف لرجال البوليس، او لزيارات المسؤولين، او المقالات في الصحف، حتى الهستدروت بدأت بتهديد العمال العرب، بعدم الدفاع عنهم في حال فصلهم من عملهم نتيجة الإضراب. لجنة الدفاع القطرية تستنكر تشويه السلطات الاضراب السلمي وتحتج على التحريض الدموي وتتوجه الى الرأي العام اليهودي للتضامن مع هذا النضال والتصدي لإرهاب العرب وتهديدهم وتحذّر من استفزازات البوليس وتدعو المسؤولين الى لجم التحريض الأرعن. ردًا على حملة التهديد والتشويه والتحريض الذي لجأت اليه السلطة أصدرت سكرتارية اللجنة القطرية للدفاع عن الاراضي العربية بيانًا جاء فيه ان اهداف الاضراب هي الاحتجاج على سياسة المصادرة والمطالبة بالغائها ومن أجل تحقيق المساواة للسكان العرب. وأكد المسؤولون في اللجنة القطرية بأن الاضراب هو اضراب سلمي وانهم يستنكرون بشدة المحاولات المتعمدة التي يقوم بها الرسميون لتشويه مضمون الاضراب، خصوصًا الزعم بأنه بتوجيه خارجي، او بتوجيه حزب من الأحزاب (أي الحزب الشيوعي) فالاجتماعات الشعبية الضخمة في طول البلاد وعرضها، والمؤتمرات الكبيرة باشتراك رؤساء سلطات محلية عربية وقادة الهيئات العربية ورجال دين من مختلف الطوائف قد قررت جميعها اتخاذ الاضراب وسيلة للتعبير عن معارضتها بل رفضها لسياسة سلب الأراضي وسياسة التمييز ضد السكان العرب التي طالت زهاء 3 عقود".
(زاهي كركبي في الذكرى الـ 25 لـ "يوم الارض" كراس)
وفي يوم الثلاثين من آذار أضربت مدن وقرى الجليل والمثلث العربية عن بكرة أبيها.. وحاولت السلطات الاسرائيلية كسر الاضراب بالقوة فأدى ذلك الى الصدام بينها وبين المواطنين العرب، وكانت أعنفها في سخنين وعرابة ودير حنا وبدت وكأنها (الاصطدامات) عملية احتلال اسرائيلي مجددة للمناطق العربية. وشمل الاضراب والمظاهرات كذلك القرى التي عارض رؤساء مجالسها المحلية الاضرب مثل الطيبة والطيرة، في المثلث وطمرة في الجليل، وسقط ستة شهداء أبرار رووا بدمائهم الطاهرة أرض الآباء والأجداد وسقطوا دفاعًا عن أرضهم وحقهم، بالاضافة الى حوالي 49 جريحًا ونحو 300 معتقل. وجرح أيضًا 20 شرطيًا، والشهداء هم: خير أحمد ياسين (من عرابة)، وخديجة قاسم شواهنة (من سخنين) ورجا حسين أبو ريا (من سخنين) وخضر عبد خلايلة (من سخنين) ومحسن يوسف طه (من كفركنا) ورأفت علي زهيري (من مخيم نور شمس).
إن يوم الأرض شكل إضافة نوعية الى نضال الجماهير العربية الفلسطينية في بلادنا، وكان هزة عنيفة تلقاها المجتمع "الاستيطاني" الاسرائيلي وسلطته الصهيونية واختبارًا لعنفوان وصحوة وتمسك جماهيرنا بطريق العزة والكرامة والكفاح من أجل العيش الحر الكريم فوق هذا التراب الطاهر.
ان هذا التمرد الغاضب الصادق.. غيّر وجه مجتمعنا وطمر الى غير رجعة سلطة "الوجهاء". ويبقى يوم الأرض.. أيقونة المستحيل.. فبأي نشيد سنلقاه هذه السنة:
"أرض العروبة للعرب       صهيوني شيًل وارحلي..
ولو هبطت سابع سما         عن أرضنا ما بنرحلي.."
وأما بعد..
وانطلاقًا من أملي أن لا أقضي بقية عمري متلفعًا الهزيمة.. أملي أن أنقلكم معي الى "ربيعيات" جديدة، علها تكون فاتحة انتصارات وفاتحة تحوّل وعهد جديد، وبيع شعوب جديد عربي حقيقي وليس امريكيًا..
ليتجدد فيه فضاء تاريخنا ويُفتتح بالانتصارات والانجارات:
ولأن الشتاء والصيف لا يجتمعان ولا يلتقيان تحت مظلة هذا الزمن.. وانطلاقًا من نزعتنا "كأمة وسط" حتى وُصمنا بنزعة "الوسطية" فسأتوسط الشتاء والصيف وسآخذكم معي نحو "الربيعيات" مُنهيًا وترحيبًا بتحية الشاعر البحتري:
أتاك الربيعُ الطلقُ يختال ضاحكًا    من الحسن حتى كاد أن يتكلما..
و "لليلٍ يحزم حقائبه الأخيرة
    ويمضي خاسرًا الى منتهاه
أمدُ يدًا من غيوم
أصافح بردَ الشتاء مطلع العام
لنجمة تسطع فوق صدر الريح
أتلو صلاتي وحيدًا
أقول الوداع ومرحى معًا"

وكل ربيعٍ جديد ونحن شعبٌ منتصرْ..

(عبلين)


يوسف حيدر
السبت 20/3/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع