خالد المصو صديقي يسكن في بيت جالا بيت لحم، عملنا سوية في المسرح، في القدس ورام الله، سنوات.
خالد من أروع الممثلين الذين عملت معهم على خشبة المسرح، من أهم مميزاته، الهدوء، الوداعة، طيبة القلب واللسان ومتخصص في مسرح الطفل، خالد طفل بريء، وجهه بشوش مستدير ولكنه عميق، مثقف وبالغ الحساسية. اتصلت به منذ ايام لاسمع اخباره، واعبّر عن اشتياقي له، وتعاطفي معه كأحد ابناء هذا الشعب المحاصر خلف جدار العنصرية، والحواجز الاسرائيلية، وخالد أب لطفلين.
حدثني خالد كعهده وصوته يرتجف معبرًا عن اشتياقه لتلك الايام الجميلة التي امضيناها معًا قبل الانتفاضة الاخيرة.. قال.
هل تعرف يا محمد.. قبل ايام حاولت الوصول الى رام الله، كان علي ان اعرض مسرحية للاطفال في بير زيت، وبعد ساعات من الانتظار، طويلة، وعلى حاجز سرده، استوقفني احد الجنود سائلا عن هويتي ومن اكون.
قلت: انا ممثل، اسمي خالد.
قال: أين تمثل؟
قلت: في المسرح.
قال: افتح الشنطة.
فتحتها وكانت تحتوي على ملابس "المهرج" التي استخدمها في المسرحية.
قال: ما هذا؟
قلت: ملابس مهرج.
قال: البسها وهرّج!.
قلت: ماذا؟
قال: البسها وارنا كيف تهرج، لن اسمح لك بالمرور الا اذا نفّذت ما اقوله لك.
قلت: لا. انا لا اهرّج على الحواجز، اذا كنت تود مشاهدتي مهرجًا، تفضل الى قاعة المسرح في بير زيت.
قال: لا. أريد ان اشاهدك هنا امام الناس، لن تمرّ دون ذلك.
قلت: لا. لست مستعدًا.
حاول بطريقة او بأخرى اقناعي ولكني بقيت مصرًا على موقفي، وبعد ان يئس من محاولاته
قال: هل تعرف محمد بكري؟
قلت: طبعا انه صديقي.
قال: وهل شاهدت فيلم "جنين جنين".
قلت: نعم.
قال: طيب. قف هناك.
وقفت وانتظرت وانتظرت وبعد اكثر من ساعتين، استطعت ان امر من الحاجز الى بير زيت.
انهيت مكالمتي مع خالد ولم أصدق ما سمعت، لان خالد هو تجسيد للبراءة والانسانية، وها هو مُهان..
خالد ليس محاربًا، وليس فدائيًا فلسطينيًا، خالد الفنان مهرج في مسرح الاطفال..
وها هو مهان لمجرد انه انسان..
كتبت هذه الحكاية الصغيرة، بعد ان عاث جنود وأفراد شرطة و"يسام" وحرس حدود اسرائيل فسادًا في قريتي الصامدة البعنة، فيوسف تيتي واهله اصحاب البيوت التي هدمت لا يختلفون عن خالد لانهم مواطنون ابرياء، جريمتهم هي انسانيتهم وفلسطينيتهم..
والخزي والعار للسفلة،
وطوبى للانسان.
طوبى لخالد ويوسف واحسان.
(البعنة)
محمد صالح بكري
الجمعة 5/3/2004