قلقيلية ‏2004‏
.. على الطفلة نبال الإكتفاء بالمسكـّنات، عبر أسلاك الجدار!

*الجدار الذي يفرضه منطق الاحتلال الاسرائيلي العنيف لا يفلت أحد من شرّه: طالب المدرسة تحت المطر، العامل الذي ينتظر، التاجر، وأيضًا ذلك الوالد القلق على ابنته المريضة وهو يناشد الجندي: "يا اخي إنسى انك جندي وانا عربي، حط حالك محلي وبنتك هيك، شو بتساوي؟" .. وهذا سؤال موجه الى كل المجتمع الاسرائيلي!* عن الارض التي صودرت، الاشجار التي اقتُلعت، المياه التي سُرقت والمدينة التي باتت بمثابة أكبر سجن في العالم، لكنها لم تفقد التحدّي!*

مرضت نبال بنيـّة طيبة، دونما خطط مبيـّتة، أو علم مسبق بخطورة "الاقدام على المرض" في ظل الجدار. مرضها لم يكن مجرد ضربة قضاء وقدر. فارتفاع درجة الحرارة الى ما فوق التسع والثلاثين قد يكون ردة الفعل الطبيعية الوحيدة القادر عليها جسد طفلة في التاسعة من عمرها تُركت مساء 30.11.03 ساعتين ونصف الساعة في العراء بعدما قرر الجنود تأخير فتح البوابة المفضية الى قرية راس طيرة في محافظة قلقيلية، "بسبب مشاكل تقنية"، كما ادعوا.
"انا كنت من البوابة وجوا، استنّى نبال وإمها، البنت كانت تعبانة، مبين عليها، بس الجنود كالعادة مفطنوش يعملو "الترجيل" اللي بتحججو فيه الا وقت فتح البوابه، نبال مَكنَتش لحالها، عشرات الناس انلطعوا في البرد من الشقتين"، قال والد نبال، توفيق يونس محمد مراعبة. وقد تبين له عند فتح البوابة ان ابنته قد اصيبت بالحمى. كان جسد الطفلة يلتهب، وأنفاسها ثقيلة. والدها ايضا كان يحترق لاحتراقها وقرر في اليوم التالي الا ينتظر افتتاح البوابة، فتوجه اليها، في الثانية بعد الظهر، طالبًا من الجنود فتح البوابه لاخراج نبال ومعالجتها، فردوا انهم "لا يملكون اوامر بذلك وان المفتاح ليس معهم".
نبال تذوي.. قالوا ان المفتاح مع الدورية التي في المنطقة. "مرق جيب الدورية اللّي معه المفتاح، صرت ألوّح وانادي عَ الفاضي. موقـّفوش" يقول الوالد. نبال تشتعل "يا أخي إنسى انك جندي وأنا عربي، حط حالك محلي وبنتك هيك، شو بتساوي؟" صرخ الوالد، والجندي يدعي انه لا يملك وسيلة للعمل. مرت دورية ثانية، هي ايضا لم تستجب. الوالد مُهان، ومعذب. اتصل بالطبيب شكري كامل خروب ليأتي الى البوابة من قرية حبلة المجاورة. البوابة مغلقة، الطبيب يصل في الثالثة والنصف، يطلب من نبال ان تفتح فمها، يقذف لوالدها  ميزان الحرارة، ويقول أن التهابًا باللوزتين سبّب الحمى، عليه ان يعطيها حقنة. البوابة مغلقة، حاول حقنها، لكنه فشل عبر الأسلاك الشائكة. على نبال الاكتفاء بالحبوب المسكنة والمضادات الحيوية..

التهمة: رجم الجدار!

راس طيرة، عرب الرماضين، مغارة الضبعة، ابو فردة ووادي رشا هي خمس قرى في محافظة قلقيلية وقد حوصرت بالجدار الفاصل من الجهات الاربع، ولا يوصلها بالعالم الا بوابة واحدة تفتح ثلاث مرات يوميا، ربع ساعة كل مرة. عند هذه البوابة وغيرها من البوابات سُجّلت جرائم تعبّر أكثر شيء عن استهتار الجيش وجنوده بحياة الفلسطينيين وتفننهم باستحداث وسائل جديدة لاهانة واذلال هذا الشعب، وهو ما قد حصل مع ثلاثة وأربعين طالبا من أبناء عرب الرماضين، الذين يضطرون يوميا لعبور البوابة مشيا نحو مدارس قرية حبلة، على بعد سبعة كيلو مترات. فقد تجرأ بعض اولئك الطلاب على رجم الجدار بالحجارة بعدما انهكهم انتظار فتح البوابة في موعدها الرسمي، لكن البوابة لن تفتح قبل الموعد الرسمي.. وبدقّة وصل أحد الجنود وأعلم الطلاب، وهم في أجيال متباينة تتراوح ما بين السابعة والسادسة عشر، انه تقرر معاقبتهم لرجم الجدار، وابقاهم ربع ساعة اضافية تحت المطر، وهو يتفرج.
وقعت هذه الحادثة نهار الخميس 22.1.04 في عز العاصفة الاخيرة وقد أكدها لنا اكثر من مصدر، بينهم أحد أعضاء المجلس البلدي في قرية عرب الرماضين، وقد طلب عدم نشر اسمه لما يتعرض له من مضايقات. لكنه طلب ان ننشر ايضا عن اغلاق الشارع الرئيسي في قريته، اذ اغلقه الاحتلال ومنع استخدامه منذ اقامة الجدار. أصلا، قد فتحت البوابة في منطقة جبلية وعرة يتعذر الوصول اليها في السيارة، ومنع الاحتلال الاهالي من شق طريق نحو البوابة. أما الاشتكاء على تصرفات الجنود فهو غير وارد بالحسبان غالبا، لانعدام الاتصال مع الجهات الاسرائيلية المختلفة. 

على ميعاد مع مسكة المهجّرة!

مع اعلان الجيش الاسرائيلي عن "افتتاح أكبر سجون العالم" عجلت السفر الى قلقيلية، متأكدا انك وبسياقتك الماهرة ستدخلها خلال ثلث ساعة على الاكثر. تخرج من الطيرة، تصل الخط الاخضر، يواجهك "المحسوم" الاول، الهوية حاضرة وكل عدتك الاسرائيلية، تصل الجدار، البوابة المؤدية الى المدينة مفتوحة، لا جن ولا انس انما ثلاث يافطات حمراء مقاتلة تواجهك باللغات الثلاث، تتوعد المواطنين الاسرائيليين الداخلين الى قلقيلية دون اذن عسكري. المخالفة تتجاوز الثلاثة الاف شاقل. مبلغ يستحق الحذر. تغير وجهتك نحو قرية النبي الياس المجاورة، هناك توقف سيارتك وتستقل سيارة اجرة الى المدينة. تتصل بالمحافظة لابلاغهم ان الطريق طالت، طالت كثيرا ولا مفر من التأخير.
الحمير لا تأبه بالجدران، أحدها يركض بما اوتي من قوة وعلى ظهره عجوز اختبأت من المطر بالتلفع بقطعة من النايلون. الحمار يجتاز البوابة ببطولة، وانت مثله في طريقك الى مقر المحافظة.
الجدار الان من خلفك، انت لم تعرف ذلك لأنك اكتفيت بالبحث عن الكتل الاسمنتية ببله، أما هذا الجدار الذي يحيط قلقيلية من الشرق فهو مركب من عدة طبقات، اولها سلك شائك، ثم خندق بعمق مترين وعرض اربعة أمتار، فجدار اسمنتي نصبت فوقه الاسلاك الشائكة والمجسات الالكترونية، فشارع عسكري معد للدوريات فقط، وأسلاك شائكة من جديد.
في الطابق الثاني من المقر يستقبلك أحد الشباب يسألك عن اسمك، يسأل متعجبا "شبيطة؟ معناته قرايب!" فتوضح له انك "من الداخل"، من مهجري قرية مسكة، يفز احد الجالسين: "وانا كمان من قرية مسكة،من دار الاسطة علي" تدهشك المصادفة.
"ترى اهي الدنيا صغيرة، ام شعبي هو الكبير؟"

نهب الارض وسرقة المياه

محافظ قلقيلية، مصطفى المالكي ، يستقبلك بما يليق بابناء الشعب الواحد، فقد كان مشككا على ما يبدو بتمكنك من دخول المدينة فـ "لا أحد يعلم متى يفتحون البوابة ومتى يغلقونها، ولا الاحتلال يعلن للاهالي ذلك مما يصعب التنقل على المواطنين"، وفي حديثه عن المعاناة الناتجة جراء الحبس والعزل خلف الجدران الفاصلة و"بوابات القهر والاذلال" يتطرق أولا الى مصادرة الارض وسرقة المياه: صادر الاحتلال من محافظة قلقيلية وحدها 9800 دونم اقيم الجدار فوقها، كما عزل  32,322 دونما من الاراضي الزراعية الخصبة وابقيت خلف الجدار، ويتطلب الوصول اليها العبور عبر البوابات والحصول على تصاريح خاصة، بهدف انهاك الفلاحين وتيئيسهم، وقد تكبد الفلاحون خسائر جمة نتيجة عدم قدرتهم على الوصول الى ارضهم ورعايهم، اذ اتلف في الموسم المنصرم معظم محصول الجوافه، وهنا يربط المالكي بين عزل هذه الاراضي وبين حرمان الفلسطينيين في اسرائيل من ممتلكاتهم بحجة قانون "الحاضر غائب"،  ويضيف: اذا استمرت الحكومة الاسرائيلية في بناء الجدار حسب المرحلتين الثانية والثالثة فقد يبلغ عدد الدونمات المصادرة 138,000 دونم.
 الباحث الميداني في المحافظة، بلال اسطه علي يضيف انه تم تدمير حوالي 40,000 شجرة، اضافة الى  عزل 137,000 شجرة أخرى.
وعن ابار المياه يوضح المالكي ان قلقيلية تقع فوق الحوض المائي الغربي والذي يعتبر مصدرا هاما للمياه في الضفة كلها، وقد قام الاحتلال بمصادرة 19 بئرا، اضافة الى تدمير كميات كبيرة من شبكات الري، الامر الذي كبد المحافظة خسائر بحوالي 3,800,000 كوب ماء ، ما يشكل ثلث ناتجها. وهنا يوضح رئيس بلدية قلقيلية معروف زهران ان الاحتلال يقوم بحفر ابار باعماق هائلة تصل الى اكثر من مئتي متر مما يمكنه من الوصول الى مخزون المياه الجوفية وضخها الى مستوطنة "كيدوميم".

السوق التي كانت تنبض بالحياة..

جولة واحدة في سوق قلقيلية تختزل كل المعطيات والارقام الجافة، فمن كان يصدق ان سوق قلقيلية والتي شكلت المركز التجاري الاهم لقرى المحافظة والمدن الاسرائيلية المجاورة حتى ما قبل الانتفاضة، ستقضي ايام السبت بالنعاس والتثاؤب، واي سبت؟ تلك التي تسبق عيد الاضحى بأسبوع واحد فقط.
تيسير عودة، تاجر جملة معروف في السوق، ينفي ان تكون المدينة في اي مرحلة، قد افتقرت الى اي من المواد الغذائية الاساسية، بينما افتقرت بعض قرى المحافظة لها، ويقول ان اعتماد السوق الاساسي لم يكن على المستهلك المحلي بقدر الاعتماد على الفلسطينيين في اسرائيل وقرى المحافظة المجاورة، كما ان التجار لم يعانوا فقط من عزل السوق عن الستهلكين انما من الارتفاع الباهظ باسعار المنتوجات والسلع الاساسية.عن اسباب هذا الارتفاع يقول عودة "ان الشاحنة التي تنقل البضائع من نابلس الينا تكلفنا في ظروف عادية حوالي المئتي شاقل، بينما في الظروف الصعبة الحالية ولكثرة الحواجز والتنقيل من شاحنة الى اخرى تكلفنا نفس الشحنة حوالي الالف شاقل، ومن سيتكبد كل هذه المصاريف؟ اليس المستهلك؟" يسأل ساخرا ويضيف " والمستهلك منهك ومحروم من العمل يعتمد غالبا على الكوبونات"!!
في هذا الموضوع يقول المالكي ان هنالك 750 حاجزا عسكريا تجزئ الضفة الغربية وتتحكم بتحركات المواطنين وتصعب عليهم حياتهم. وعن المحافظة المكونة من حوالي تسعين ألف نسمة نصفهم يعيشون في المدينة ونصفهم الاخر في قرى المحافظة البالغ عددها 39 قرية، فيقول انها اليوم فقدت حوالي 90% من قدرتها التجارية, اذ قضي على القوة الشرائية من الفلسطينيين في اسرائيل والقرى المجاورة."رغم ان عشرة كيلومترات فقط تعزل قرية عزون عن قلقيلية، الا ان ابن عزون يتسوق في رام الله ، البعيدة عنه 75 كيلومتر وذلك لسهولة الوصول اليها نسبة الى قلقيلية".
كما ان قلقيلية كانت مقرا لألفي عامل يصلون من كافة أرجاء المناطق المحتلة بهدف العمل فيها او في ضواحيها او في اسرائيل، الا ان فرص العمل هذه كلها انعدمت، اذ اغلق خلال السنوات الاخيرة حوالي 600 محل تجاري اضافة لـ 42 ورشة عمل ومصنع، في المدينة وحدها، بحسب معطيات بلدية قلقيلية، وبذلك وصلت نسبة البطالة الى 75%.

بلدية قلقيلية، قصة صمود وعطاء

في جوف الجدار المنبطح على ارض المدينة من جهاتها الثلاث، ينبض الشعب وقيادته الوطنية بالحياة، دون تنازل عن اي رمق او نفس او طرقة على جدران خزانهم. فبلدية قلقيلية التي أقامت خلال فترة ما قبل الانتفاضة عشرات المشاريع الاقتصادية المربحة، ودمرها الاحتلال، والتي بلغت ديونها على المواطنين أكثر من عشرة ملايين شاقل لا زالت تعاند للقيام بواجبها وتقديم الخدمات الى المواطنين، وفي حديث لرئيس، البلدية معروف زهران أكد ان البلدية الى جانب المحافظة، تهتم ايضا بهموم القرى المجاورة التي تعاني اضعاف ما تعانيه المدن. وبحسب معطياته فقد قامت السلطة بتزويد القرى بصهاريج المياه والعيادات الطبية، كما ان المدينة تزود القرى بكوادر العاملين، خاصة في جهازي الصحة والتعليم، اذ يعمل اربعة وستون مدرسا من قلقيلية في القرى المجاورة، الا ان ذلك لا يجدي نفعا اذ لم يتمكن اولئك المعلمون من مغادرة المدينة الى مدارسهم حوالي ربع الايام الدراسية من مجموع تلك الايام في العام الدراسي السابق، بسبب الحصار ومنع التجول المستمرين.
اما أكثر القضايا الشائكة في المدينة فتتعلق بالاوضاع الصحية، اذ ان مستشفى قلقيلية يعجز عن معالجة الحالات المرضية المستعصية، مما يضطر المرضى الى قصد مستشفى نابلس على بعد 32 كم. ولكن المشكلة تكمن بان الطريق التي تستغرق نصف ساعة قد تستغرق بسبب الحواجز خمس ساعات، مما يعرض حياة المرضى الى الخطر، ففي 31.7.03 لقيت السيدة الحامل ليلى محمد محمود حامد حتفها عند الحاجز بعد انتظار ساعة ونصف في الطريق الى نابلس.
وفي حديثه، يؤكد زهران ان لاستهداف مدينته أهداف استراتيجية خطيرة اذ ان 25% من مستوطني الضفة يقيمون على ارض محافظة قلقيلية في 23 مستوطنة ويبلغ عددهم 54 الفا، كما يؤكد ان الطرق الالتفافية لنهب الاراضي اقيمت حول المدينة في عز العملية السلمية، ويجزم بان الجدار لو كان امنيا لاحاط المدينة من الجهة الغربية، على تخوم الخط الاخضر دون محاصرتها من الجهات الثلاث الاخرى.

"نربي الامل شعبا وقيادة" 

 في السلطة الوطنية، هنالك ادراك تام لضرورة مد الشعب بضروريات الحياة ليتمكن من مواصلة مقاومته، وهي تقوم بذلك رغم شح الموارد وصعوبة الظروف التي تمر بها. رئيس بلدية قلقيلية ركز على ضرورة توثيق عشرات الانتهاكات اليومية بحق المواطنين العزل في المدن المركزية والقرى النائية، وأعلمنا ان البلدية قامت بتوزيع الات تصوير للمواطنين لتوثيق تلك الجرائم، بغرض عرضها على شعوب العالم وفي المحكمة الدولية في لاهاي.
ويحرص المحافظ المالكي، على التاكيد على أهمية التواصل بين ابناء الشعب الواحد وقوى السلام التقدمية في اسرائيل لا سيما الجبهة الديمقراطية وحركة تعايش ويشدد ان من يقتل أكثر في هذا الصراع يخسر أكثر مشيرا الى عزلة اسرائيل في العالم والى ظاهرة رافضي الخدمة العسكرية: "باختصار، اسرائيل لن تتمكن مما تحلم به، فيمكن تلخيص هدف حكومة شارون من هذا الجدار بثلاث كلمات، التطويق، التهجير والتوطين، الا اننا نعتقد ان كل هذه المؤامرات هي محاولة لاشغالنا بالتفاصيل والهائنا عن الهم الاكبر وهو الانسحاب، الانسحاب من كامل الاراضي المحتلة عام 67، واحلال السلام، ليس لخدمة الشعب الفلسطيني فقط وانما لخدمة أبنائنا وابنائهم معا"، وعن تطلعه الى المستقبل "ان التاريخ اثبت ان دولة تقوم بخدمة الدول الرأسمالية الكبرى على حساب شعبها لا بد ان تواجه خطرا داخليا كبيرا سيؤدي حتما الى زوال تلك الدولة، وها هي اسرائيل بدأت تتخبط اجتماعيا مما يعني انها تضر اولا بمواطنيها"، اذ يفاخر المالكي بمقاومة ابناء شعبه للجدار وبوحدته، ويصر "ليس في فلسطين كرزاي ولا الجلبي ولن يفيد الا السلام العادل، وليس السلام الامريكي مع الاحتلال، وقضية فلسطين ليست ملكا لنا او لاسرائيل وحدها فقط وانما للعالم كله، فقد تكون سببا لحرب عالمية جديدة أو لسلام عالمي جديد، في جوف هذا الجيتو مفتاح الحرب ومفتاح السلام".

عقم السد، صمت الرعد

الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر وانت متعب ومنهك، مجرد الفرجة أنهكك. ما أصغرك. انت طبعا لن تنشغل عن قضيتك الصغيرة، فانت هنا مخالف للقانون وعليك الخروج من هذه المدينة دون ان تمسكك دوريات الشرطة المتربصة بأمثالك. التاكسي الاولى، تركب. يخبرك السائق ان هنالك دورية الان عند البوابة، تتركه لتتسكع حوالي النصف ساعة، تركب التاكسي الثانية، يتصل السائق بزملائه ويخبرونه ان الطريق امنة فتتكل على الله نحو النبي الياس. الشمس غائبة. اجتازت الشمس الجدار الغربي دونما مشاكل، اذن لا بد من رفع الجدار اكثر، هذا ما ستقترحه على الجنود ان سألوك. خسارة، هم لن يأخذوا ويعطوا معك كثيرا:
- أين كنت؟.
- في النبي الياس.
- فقط؟
- فقط!!             
يخدعهم صمت الرعد، تقتلهم عقلية النار والحديد. الشمس ذاهبة لتغطس في البحر وغدا ستشرق من جديد، وان "غيمت" في لاهاي. انت الان في بلاد السمن العسل وبحوزتك رسالتان اثنتان بمنتهى العجلة. الاولى لأبي الطيب المتنبي، ستخبره فيها عن حسن حظه بحماه، وان هذا الزمان مليء باشياء أحقر وانذل منها، الى درجة الشفقة عليها، ستطالبه بالاعتذار اليها ورد الاعتبار. أما رسالتك الثانية فسترفعها الى عضو الكنيست محمد بركة. ستطالبه بالنزول عن الشجرة. "شو بدك تشهد تا تشهد يا حسرة؟"، ستسأل.. فهو بحاجة الى الف عام وعام لادلاء شهادته.. تمزق الرسالتين، تنفجر وتصرخ باصقا:
"شلت كفك يا سجان،
افتح باب السجن المقفل.."

.. والمخفي أعظم

بحسب المعطيات الصادرة عن مكتب الرئيس ياسر عرفات والتي أوفانا بها الباحث الميداي عادل الأسطه علي، يمكن تقسيم الجدار الى اربع مراحل، أو "طرق أخرى" كما يحلو للحكومة الشارونية تسميتها:
* طريق آخر أ: تم انجاز هذه المرحلة في 31.7.03 ، ببناء جدار على طول 125 كم امتدادا من قرية سالم، داخل الخط الاخضر وحتى مستوطنة ألكنا، أضافة الى جدار عمق ثانوي يمتد على طول 55 كيلو متر اخر ويعزل المدن الفلسطينية عن بعضها البعض.
تؤثر المرحلة أ على حياة 206 الاف فلسطيني يعيشون في 65 تجمع سكاني، وعلى 214,551 دونم، تم عزل 80,359 دونما منها بين الجدار والخط الاخضر، كما قام الاحتلال بحجة الجدار بتجريف 10,320 شجرة، وتدمير 85 بناية تجارية، 300 دفيئة، 200 خزان مياه، 30 كم من شبكات الري، 147 كم طرق زراعية، تهجير 2,323 مواطنا وعزل 42,097 مواطنا اخرين بين الجدار والخط الاخضر.
* طريق اخر ب: صادقت الحكومة على المرحلة الثانية من الجدار في كانون الثاني 2003 ، اذ يمتد الجدار على طول 45 كم من قرية سالم وحتى قرية تياسير بهدف تغليف مستوطنات جلبوع. وبات العمل في مراحل متقدمة.
* طريق اخر ج: لم يقر بعد جدول زمني للعمل  بالمرحلة الثالثة او الرابعة، رغم مصادقة الحكومة عليهما، ومن المفروض بحسب المرحلة الثالثة ان يقام جدار اخر بطول 141 كم يمتد من مستوطنة الكنا في محافظة سلفيت انتهاء بمعسكر عوفر قرب رام الله، اضافة الى جدار عمق ثانوي بطول 90 كم.
* طريق اخر د: يمتد الجدار على طول 114 كم من مستوطنة هغيلو ولغاية مستوطنة الكرمل جنوب الخليل، اضافة الى جدار عمق ثانوي بطول 23 كم.
* السطر الاخير: اذا ما اضيفت جدران المراحل الاربع الى الجدران المحيطة بمدينة القدس (اذ تم بناء 22.5 كيلومترر من اصل 50 كيلو مترا حسب التخطيط) اضافة الى شبكة الجدران الاخطبوطية في منطقة الاغوار ، بمساحة 1237 كم مربعا فلن يتبقى للدولة الفلسطينية العتيدة أكثر من 45.3% من أراضي الضفة الغربية ، المقطعة والمجزأة- الكنتونات!!


تقرير: أمجد شبيطة
الجمعة 30/1/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع