كلمة <<الاتحاد>>
شتّان ما بين التطبيع والتطويع المهين

إنّ تطبيع العلاقات الدبلوماسية السياسية والاقتصادية في الظروف الطبيعية بين مختلف الدول ضرورة موضوعية تحتمها مختلف مظاهر دلائل العولمة على مسار التطور، الثورة العلمية التكنولوجية والمعلوماتية، حركة الرأسمال والتجارة في ظل "فائض الانتاج"، كما تحتمها مسيرة التطور الحضاري للبشرية والمنفعة المتبادلة لمختلف الشعوب والبلدان. هذا في الظروف الطبيعية الغائبة عمليًا عن مسرح التطور والعلاقات الدولية في ظل الطابع الوحشي المفترس للعولمة الرأسمالية ومحاولة القطب الامبريالي الامريكي الهيمنة كونيًا من خلال تطويع الانظمة بأنياب الارهاب المنظم والبلطجة العدوانية العربيدة المباشرة وغير المباشرة خلف قناع التطبيع الذي يلبسه خدام المخططات الاستراتيجية العدوانية الامريكية. وتتبوأ اسرائيل الرسمية، ومن خلال حكوماتها المتعاقبة مكانة  هامة في خدمة استراتيجية الامبريالية لاستعباد واستغلال شعوب وبلدان العالم الثالث، العربية والافريقية والآسيوية والامريكية - الجنوبية. وتكيّف اسرائيل الرسمية دورها في الخدمة بشكل يتلاءم والمتغيرات الحاصلة على ميزان القوى عالميًا ومنطقيًا وعلى الخارطة الجغرافية السياسية عالميًا. فإبان انهيار الامبراطوريات الاستعمارية في الخمسينيات واوائل الستينيات وارتفاع موجة حركة التحرر الوطني الى درجة قيام الدول المستقلة سياسيًا في آسيا وافريقيا وامريكا الجنوبية، قامت اسرائيل بدور جسر العبور لتغلغل الاستعمار الجديد الى هذه الدول الفتية. فالاستعمار الذي طرد من الابواب دخل عبر اسرائيل من الشبابيك الخلفية تحت يافطة "مساعدة اقتصادية" ومساعدة في نقل الخبرة الزراعية  وبناء قوات امنية وعسكرية وخبراء اسرائيليين "مهنيين" وعبر شركات اسرائيلية الاسم ولكنها  مختلطة مع رأسمال اجنبي. وكانت مهمة هذه "المساعدة" الاسرائيلية بناء قاعدة الاستعمار الجديد، بلورة قواعد الثورة المضادة ورشوة الانظمة لتطويعها وجذبها الى حظيرة خدمة مصالح الامبريالية. اما اليوم، وفي ظروف هيمنة القطب الامبريالي الامريكي والردة التراجعية المؤقتة للقوى الثورية والتقدمية كونيا خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه، فقد أصبح دور اسرائيل الرسمية في الاطار الاستراتيجي الامبريالي العمل على تطويع الانظمة المختلفة ومن خلال تطبيع العلاقات معها للزحف على بطونها استعدادًا لخدمة وارضاء السيد الامريكي وتنفيذ املاءاته. فتطبيع العلاقات مع اسرائيل الاحتلال والعدوان أصبح المقياس للردة الوطنية وجواز المرور لارضاء ادارة "البيت الابيض" والمؤشر للخنوع عند اقدام الاملاءات الامريكية والاستعداد للتدجين في حظيرة المخطط الاستراتيجي الامريكي.
ان هرولة بعض الانظمة العربية والاسلامية مثل ليبيا والباكستان وبعض دول الخليج وغيرها لتطبيع العلاقات مع حكومة الاحتلال والاستيطان والجرائم اليمينية الشارونية وفي وقت يواجه فيه الشعب الفلسطيني وأرضه المحتلة المجازر وجرائم الحرب الهمجية لا تخدم ابدًا أية مصلحة وطنية، بل عكس ذلك فانها تساعد على شحذ سكين المجرم الامريكي - الاسرائيلي المسلطة على رقبة القضية الوطنية والمصالح الوطنية الحقيقية للشعوب والبلدان.

("الاتحــــــــــاد")


الأربعاء 21/1/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع