نعم أيها المحمود فينا . . على هذه الارض ما يستحق الحياة



أنت فينا وان لم تكن الآن، بَعُدت جسدا وروحك تسكن في كل روح منا، في كل أم واغنيتها، في كل شاب وصبية، في كل طفل ورضيع. نعم نحن قاهرو الموت كما انت، الفرق انك انت الذي علمت قهر الموت حتى ولو انتصر شكلا ظاهريا، لُعنت ايها الموت الغادر لعنت، ألمك موجع، والاحاسيس جياشة، والقلب معتصر والروح والكلمات عاجزة عن الافصاح، فاقدة ترجماتها الحقيقية، فيقف الانسان بلحظة ضعف تزيده مرارة على مرارة مستسلما لقبضته الهاصرة، والتحدي شاق وكأنه مناطحة السحاب والامل لا يتزعزع، والعزيمة قوية حتى يتخلص الشعب الجريح من العذاب والطغيان، فالحقائق كما التراث لا يمكن دفنهما او حتى اخفاؤهما عن الناس الى وقت طويل، لان جولة الاكاذيب والظلم قصيرة وسرعان ما تذوب او تنهار امام شمس الحقيقة المتوهجة وارادة المناضلين وعزيمتهم التي لا تلين، وايمانهم الذي يتضاعف ولا ينقص.
 للحزن ثقافته الصادقة وثورته القادمة المنطلقة من قوة الحق الذي لا يرتقي الى لعنة الحقد والنقمة والانتقام، يرتقي بسموه ملامسا اعلى صور شفافية في انسانية الانسان لكي يبقى على هذه الارض ما يستحق الحياة، والامل فينا غرسة غضة يافعة متجذرة في اعماق ارضنا الطيبة، حتى تصبح ثورة عاتية يدفعها الى ذلك ايمان وطيد بان الحياة الكريمة حق لكل انسان.
 وان هذا الانسان ولا شيء سواه هو الذي يقرر مصيره ويصنع قدره، وعلى هذه الارض أمنا جميعا ارض هذا الشعب الخلاق الصابر الصامد، شعب محمود درويش، الذي علم حب الخير والجمال والانسان، علم الارتقاء بالانسانية لكونها كذلك، لا فرق بلون او عرق، علّم الوطنية الصادقة ووصل بحسه المرهف الى الاممية من خلال آلام وآمال شعبه العربي الفلسطيني، فالتحرر ينطلق من الشعب نفسه في كل اتجاه يجد فيه تكبيلا لارادته وحريته، تماما كما ينبجس الماء الزلال من الصخر ويتسرب النور من خلال الظلام.
إن المبادئ الاخلاقية التي ارتقيت اليها وارقيت بها هي اساس كل بناء سليم، والحقيقة الصراح هي جوهر الاخلاق وان التماس تلك الحقيقة لا تتم بالمعرفة وحدها، بل بصبوّ مفعم حبا وبالاصغاء اليقظ الى نداء الوجدان دون وجل من حاكم او ممالأة لظالم، او تهدب من واجب وانسجام مع احساس وهدف.
نعم على هذه الارض ما يستحق الحياة! لم تورد لفظة واحدة لا تشبعها تفكيرا وتمحيصا، او عبارة انطوت على مغالاة مقصودة، او تفصيلا تتوخّى من خلاله الاعجاب، بل كنت مؤهلا لاختبار معاناة الجماهير الكادحة الشعبية والمسحوقة منها وذلك يقتضي من الوقت فسحة متمادية الطول.
على ما يعاني ابناء جلدتنا من اوصاب واوجاع، علمت درسك الابدي بان الذكاء يغدو بغيضا بقدر ما هو يرتضي ان يتعهر فيصبح اداة لحماية الجريمة، هذا الفهم من المقروء السليم لطبيعة النظام الجائر الذي يعيش زبانيته على امتصاص الدماء واستغلال طاقات الانسان
لسنا اول امة تعترضها المصائب في حياتها فالمصائب خير اساتذة الشعوب وهي التي تقوي نهضتها وتقودها الى الامام وتقرب ساعة الخلاص، وكأنما قدر للعبقرية الا تتفتح الا من خلال الآلام والمحن كما تتفتح اكمام الورد في طيات الظلام، فجاء شعرك وأدبك مدرسة بحد ذاتها ستدوم وترقى الى العلو وهي نتاج كشرر الفكر المتوثب الذي ينطوي ابدا على عنفوان الشباب ووقدة الانفعال وحرارة التجربة، مجترحا من النضال المتشعب المسالك ثابتا كما يثبت الصخر في وجه عاتية الرياح.
بسلاسة كما تصوغ النحلة من رحيق المروج والحدائق عسلا سائغا، تلقته جماهير شعبنا وامتنا العربية والعالم كتلهف الارض الجدباء في صمت على قطرة الغيث تحيي مواتها وتنعش آمالها الخضر.
سنلاقيك دائما وابدا في عبق الزعتر وصمود السنديان وتعمير الزيتون، في نسمة بحر عكا وحيفا ويافا الشامخ في زوايا كفر ياسيف التي احتضنتك شاخصا بفكرك وروحك وادبك مشرّفا الانسانية مبرزا كنوز روحها وطاقات سموها، ناشرا الحب والإخاء وقيم الحزمة والفداء والوفاء للحق والصبوّ الى الكمال معلما قدرة التلقي من الحياة قسطا وفيرا من الدروس المريرة حيث يشتد العود، وترتفع الهامة، متمسكين بعدم الاستسلام لعدونا بالغا من البطش والجبروت والعنف ما بلغ وبجهود لا تعرف الكلل والملل...
في هذا السياق وللحق نقول ان ظروف الوطن العربي وابتلائه بالاستبداد والاستعمار القديم منه  والاحتلال الجديد البغيض والتجزئة تحدّ من الانطلاق في اجواء العاطفة الانسانية الرحيبة، والرسالة في حلول القضايا القومية لا بد ان تساير في مراميها الرسالة الانسانية لانها وبالضرورة تدعو الى اقامة العدل واعلاء الحق، ورد الحرية الى وطن هو جزء من الوجود الشامل والى شعب هو عضو في جسد الانسانية، مثل هذه القومية المكافحة ليست جدارا تتحجب به عن الانسانية، ولكنها قمة سامية تشرف من فوقها على آفاق الانسانية الرحيبة. وهل تقتضي الانسانية من المرء ان يتحلل من اواصر الارض ومن وشائج الوطن ومن وجدانية اللحم والدم والانتماء.
فسجّل انا عربي ورقم بطاقتي خمسون الف
نحن وانت منا وفينا روحا وتراثا، شعرا ونثرا وانسانية وحبا مفعما لشعبنا وقضيته العادلة
توّاقون الى الاتحاد والتضامن
الى الاتفاق والتصافح
الى التآزر والتكاتف
الى الاستمرار في المطالبة بحقوقنا، الى اليقظة على قضيتنا، الى مواصلة السعي في دائرة القانون والمقاومة
الى المستقبل المملوء املا ورجاء
الى الحرية والاستقلال التام
فنصيبك وافر في إحياء الشعور، واماتة اليأس وبعث الحياة والقضاء على الموت
نم قرير العين لانك قاهر الموت وغالبه.

(كفر ياسيف)

د. جمال شريف *
الأثنين 1/9/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع