في رثاء المرحوم محمود درويش




زمنٌ يَمَر وذكريات سودُ
ستين عاماً ليس يُزهر لوزنا
يومان عيش الآخَرين وعيشنا
كلُّ الشعوب تنال يومًا حقّها
كلّ الديار لأهلها، ولأهلنا
ضجّ الشتات بنا وطال فراقنا
قَدَرُ المنافي ان تكون نصيبنا
تجد السلاحف مأمنًا لصغارها
سِيَّان نحن بيوتُنا اجسادُنا
نفَق يطول ولا منارةَ بعده

 

قضتِ القضيّة ان تكونَ لسانها
ضيَّعتَ عمرك في المنافي حاملاً
منفىً الى منفىً وكلُّ مسيرةٍ
مُضناك قلبُكَ لم تسايرْ ضعفه
آليْتَ تَحدو الرَّكْبَ يومَ رجوعه
ربَّاهُ لا عَتَبٌ عليك وانّما
اثنان نحن من الورى في عيشنا

 

يا فارس الحرف الشَّرود تسوقه
كالنَّرد تَحكُمه وتُحكِم صَوْغَه
يا لاعب الوَرَق الثلاثِ بحرفه
ما بين وَحْيك والحروف مَشورة
نارٌ حروفُك ان دنوتَ حرقتنا
سحرٌ حروفُك سارحٌ بعقولنا
تأبى الحروف على لسانك زلَّة
الحرف حِرفة مَن حصيلة عمره
والابجدية لا تبوح بسرّها
والضاد تعرف كيف تُكرم شيخها


يا زارع الكلمات تَنبُت ايكةً
فصَّلته ظِلاً أنيقا مثلَها
يخضرُّ حين يزوره عيدٌ لنا
من نُسغ حِسِّكَ تستمدُّ عُروقُها
رَيَّا يداعبها الحنين فتنثني
حَرَّى إذا المحتلُّ جاوز حدَّه
الأيك يكبَر والظلال وريفةٌ

 
يا كاسيَ المعنى البديع إزاره
نقِّ الكلام على مزاجك جُملة
وتصير بين العاشقين رسولَهم
هي جملةٌ والكونُ حاصلُ جملةٍ
والرمز منذ البدء كان مقدَّسًا
يأبى بيانُك ان يكون تَعرِّيًّا
للصيد في البحر العميق مخاطِرٌ


يا صاحب الشعر الجميل فتنْتنا،
وطن الكلام جعلته وطنا لنا
نبني البيوت من الحروف تَعزِّيًّا
في خبز شعرك ما يعوِّض جوعنا
تحكي الرواية انّ قصة حبّنا
تروي الحكاية انّنا في عشقنا
بالشعر تجمعنا وتجمع رأينا
ستزول عنك وعن ترابك نكبةٌ
سقتِ الهواطلُ في ثراك مناضلاً
باقٍ على الأيّام ذكرُك بيننا

فإلامَ يُخلِف يومنا الموعودُ؟
الحُلْمُ يَعبَثُ والعِيانُ يَكيدُ
يومٌ علينا لا يزول مديدُ
أترى سيرجع حقّنا المفقودُ؟
في دارهم لا يستقرّ وجودُ
حارت خُطانا والخلاص بعيد
والشامتون على الدروب حُشودُ
وعلى الحواجز كم يموت وليد!
تؤوي ولكنْ سيُّها مطرود
البَيْن يُزمِن والحصانُ وحيدُ

 

فَنَبا بسُقمك ذلك المجهود
قلبا يذوب من النوى ويَميد
لا يستقِلّ بها الفتى المِرِّيد
حتّى توقَّف خَفْقُهُ المكدودُ
واليومَ تُبكي الرّكب حيث تعود
يشكو اليتيم ويندُبُ المكبودُ
بين المواجع شاهدٌ وشهيدُ

 

طَوْعَ اليَراع كما تشاءُ يَرود
فإذا الكلامُ اساور وعقود
تخفي وتكشف سرها وتجيد
هِمنا بصورتها وغار حسود
وإذا نأيتَ فنورها مشهود
نُبدي بعشق فنونه ونُعيد
أيًّا جمعتَ فجمعها محمود
بين المراجع حكمة وقصيد
إلا لمن ترقَى به وتسود
ملأ الدنى والعالمون شهود
 

من نسج كفِّك ظلُّها الممدود
ما ليس يَبعُد عن مدًى ويَحيد
 ويصير اصفرَ إن جفانا العيدُ
وبقدر حبِّك ظلُّها مقصودُ
سَكْرى وتملكها العيون السُّودُ
هل كان يوما للطغاة حدود؟
والنسغُ يَدْفُقُ والخلود اكيد


والثوب يَسبي العين وهو جديد
يرنو اليها الصَّفُّ والتنضيدُ
ويطير مشدودا اليها العودُ
فالقول بدءٌ والكلام وجودُ
ومع الرموز عبادة ونشيد
تَخفَى فتلعب بالخيال قدود
لا تخبرِ الصيّاد كيف يصيد

 
نحن الرواةُ وقولنا ترديد
لك ما تريد وما تريد نُريد
والظلم يسرقُ ارضنا ويَشيدُ
وبماء شعرك يصدُقُ التعميد
تبقى وانت الشاعر المعدود
في كلِّ بيت قارئٌ ومُريد
ورُؤاك تَهدينا وانت تقود
واللوز يُزهر والحياة تجودُ
وجزاك عنَّا الرحمةَ المعبود
ويظلّ يكبر في العُلى ويزيد

 

(كفر كنا)

جريس دبيات
الجمعة 22/8/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع