تحط ُّ هناكَ
عندَ أولِ البدءِ في خارطةِ الغيمِ
تركنُ الصهيلَ إلى زرقةٍ قطـَعْتـَها مرَّتـَيـْن
تربطُ الحنينَ وتشـّدُ الرباط َ
بينَ وتـَدِ البرقِ وبين بابِ البـَيـْن
تمضي في الحضور
بالعدم تشرقُ من الغربِ
تُــربـكُ طلوع الشمس ِ
تعلنُ بدءَ الغيابِ وبدءَ الغروبِ وبدءَ الشحوبِ والبدءُ يومٌ
ويومكَ تاسعٌ والشهر آب تنهشُ الذاكرةُ
بيتُ المقدس ِ في ذات اليوم كانَ خراب
تُغـلَقُ البلادُ تـَستـعيـد ُ أساطيرها تندبُ البلادُ أقدارَها
وصوتـُكَ مـِنَ العلياءِ يقول
جعلناكِ احتمالاً واحتملناكِ، أسفاراً، كـتـَبـْنـاكِ سِـفْراً
سَفَراً قرأنا باسم ربنّا الذي قال اقرأ
قـَرَأناكِ... وانتهينا
إلى ما كُنـّا عليه قبل البدءِ
وها قد أتينا نحـُّطُ
هناكَ عندَ أولِ البدءِ في خارطةِ الغيمِ
نركنُ الأسفارَ على عبثٍ
نـَفـَيـْنـاهُ مرتـَّيـن في الرحيلِ الأولِ
قلـنا لا يـُعقـَلُ لا ليسَ لـنا سوى ما كانَ ولن يكونَ
إلاّ لـنا بابُ بيتنـِا والغيم
في العودةِ الأخيرةِ قـُلنا لا ..
لا يـُعقَلُ ليسَ لــنا سوى ما كانَ ولن يكونَ لــنا إلاّ
بابَ بيتٍ وغيمِ
وعُدنا يا حُبْ عُدْنـا يا حبيبي
مِنْ المنافي ومنَ الشوقِ البعيدِ في حـَلْـقِـنا
صوتُ البلادِ يـُرددُ النشيد
"كانت لـنا أرضُ الكلامِ سلاماً والجهاتُ اختناقات
وكنتَ لـنا زماناً والمكانُ احتمالات
كانت الأرضُ قيثارةً حـُبلى
يـُنـْجـِبُ منها الربُّ عبادا ً
وكنتَ وتـَرها الوحيد
ذَرَفـْنـاكَ في الحنينِ عزفاً
قـطّعناكَ وتراً
تـَوَتـَرْناكَ وانـقَطَعَ النشيد"
وها قد عدتَّ
يا حبيبي مِنْ ماضيكَ إلى
لا زمنَ في عدمٍ أكيدٍ تـَحـُطُّ
هناكَ عندَ أولِ البدءِ في خارطةِ الغيمِ
تركنُ اللغةَ إلى قواعِدِ الريح ِ تُـحَـرِّكُ الساكنَ فيها
تُـعَـدِلُ الأفعالَ مِنْ ماضيكَ تـَجـْعـَلـُها مستقبلاً
وتستريحُ في حاضِـر ٍيـقـتـُلُـكَ مـرّتَيْن
في قـَتـْلِـكَ الأولِ كنتَ
قتيلاً نـَدَبـْنـاكَ نـَعَـفْـنـا تراباً على رؤوسِ الحـِرابِ أعلّــنـاكَ دمـاً وانتقـامـاً وعهداً لـن يكونَ دمكَ هدراً
في قـَتـْلـِكَ الثـاني يـا حـرْقَـةَ الكـَبــِدِ يا حشيشةَ الـقلـبِ قـتَلـناكَ
زادَ فيكَ القـتـْلُ كالعـَنـْقاءِ نـَهَـضـْتَّ
مِـنْ قَـتْـلِكَ تَـقْـتُـلُ
مـِنْ دَمـِكَ مِنْ طـيـنـِكَ مِـنْ جـرحـِكَ مِنْ أهلـِكَ
تـَقْـتُل ابن عمـِكَ أخـيـكَ يـا قـايــين تَـقْـتُـلُ ..
ومـُـتَّ يا حُـبْ مُـتَّ يـا حبيبي مِنَ الـحَسْرَةِ والانـشِطـارِ
مُـتَّ تَـمَزُّقـاً كما لَمْ تـَمـُـتْ
مِنَ العواصمِ الغريبةِ وكـما لَمْ تَمُـتْ
مِنَ الحـصار ِ والانـكِـسار ِ
قَتَـلْنـاكَ ... قَـتَـلْتَـنا
وما زلنا نُقـاتِلُ ونـَقُـتُلُ احـتـِمـالنا
وها أنـتَ تَحُـطُ هـنـاكَ عـنـد أول الـبـدءِ
في خـارطـةِ الغـيمِ تـَركِـنُ ظـِلَـكَ إلى خـاصِـرةِ الـشَمْس
وتَهْمِـسُ في أذُنِ الله سِـرََّكَ وكـُلـُكَ احتراقٌ
دُخـانُكَ غـمـامٌ عـيونُ الله غـيمٌ والـبلادُ شـتاء
مـُتَّ يـا حـبـيبـي وسـرُّكَ اشتـياقٌ
مـَنْ ذا الذي غَـيّرَكَ مـَنْ ذا الذي ألْـبَسَكَ الألقَ
بَعَـثَـكَ قَـلَقـاً مِـنْ أوَلِ عَهدٍ إلى آخِرِ النساء
أرضُ الـبـلادِ وَردٌ تَقْـطِـفُـهُ أيـاديـنا لـِنُـجَمِّلَ الـمَوْتَ
نَحـُطُّ الأكـالـيلَ على مُحـَيـَّاكَ
وأنْـتَ تَحـُطُّ هـنـاكَ عِـنـدَ أوَلِ الـبَـدءِ
في خـارطَةِ الـغَيمِ رَعْدٌ يُرَدِدُ وصـايـاكَ وجِهاتُ الأرضِ
تُـعيـدُ صَـداكَ
"مِـزَقٌ هيَ الـبلادُ وأهلُها قَتَلَتْـنـا الـبـلادُ "
"مِـزَقٌ هيَ الـبلادُ وأهلُها قَتَلَتْـنـا الـبـلادُ "
تَقَدَمْ بــِنـا يـا حـبـيبـي إلى مُـنـْـتَـهـاكَ
تَقَدَمْ أيُـها المُتـعـالي إلى سَماكَ لا معنى للموتِ
لا نكهةَ للقيامةِ وكُــلُ هـذا الـجسـدِ لِبـَـعـض ِ ذاكَ الـتُراب
تَقَدَم أيُـها الـغَريب بـينَ الـرجـالِ تَـشْـتَهـيـكَ الـعـَدمـيـّةُ وتـمـوتُ علـيكَ المـيـتـات
شَرِسَةٌ تَنْهَشُ قَلـبَكَ وَتَـقـطَعُ الشـريـانَ حِكـايَـتُـكَ
شَـغَـفُ الـقَدَرِ لِمـُلاقـاةِ الـحَـياة
تَقَدَم بـِنـا يـا حـبـيبـي إلـى مُـنْـتَهـاك
قـُــل اصـعَدوا على الجَـبَـلِ خَلْـفـي
عـلى صـهـوةِ البـعيـدِ
قـَطـِّعـوا وَتَــرَ الحَـنين ِ
الـبـِسوا ظــلـّي
واصْـعَـدوا عـلى الجَـبَـل ِ
خَلْـفـي رَدِدّوا الـنَـشـيـد
رَدِدّوا الـنَـشـيـد...
10.08.08
بئر السبع فجرا
نداء خوري
السبت 16/8/2008