لقد بورك الشعب الفلسطيني بإنجاب هذا الشاعر النابغة الذي مثل الثقافة الفلسطينية كأجمل لوحة فنية والتي ستبقى خالدة في ذاكرة الأجيال .
فكان أفضل سفير وممثل للصرح الثقافي والحضاري الفلسطيني . محمود درويش استطاع أن يبدع في رسم صورة فلسطين الجميلة التي نحبها.
محمود درويش عاشق فلسطين حمل الرواية الفلسطينية وذاكرة الوطن الجماعية والحلم الفلسطيني إلى العالم كله . جسد الأسطورة الفلسطينية وروى المأساة الفلسطينية بكل فصولها بانتكاساتها وانتصاراتها وبآلامها وأحلامها . رسم أروع اللوحات الفنية ليروي قصة شعبه الفلسطيني للعالم , ولكنه لم يختزل افقه في فلسطين بل تجاوزها وحلق في سماء العالم العربي وتألق نجمه في الشعر العالمي الإنساني .
فهو شاعر فلسطين وشاعر العرب وهو الشاعر الإنساني العالمي .
لم يكن محمود درويش حكرا على البرج العاجي والمثقفين بل دخل قلوب كل الناس ,العامل والطالب,الطفل والشيخ,المرأة والرجل . فهذه الظاهرة الفريدة من نوعها لا نعرف مثيلها في عالمنا المعاصر : أن يملأ شاعر إستاد كرة قدم في القاهرة وفي تونس وان يملأ اكبر القاعات في عمان وفي رام الله وان يملأ اكبر قاعة في حيفا ليبقى الآلاف من محبيه بدون تذاكر هذه الظاهرة فريدة من نوعها وهي أن دلت على شيء فإنما تدل على المكانة التي وصل إليها محمود درويش .
قبل عام , حظينا بسماع محمود درويش في الحدث الثقافي المتميز في حيفا وقد شعرنا ان روحنا تمتزج مع شاعرنا الكبير وتحلق في جمالية ثقافية لا يمكن أن توصف لتخلد لنا هذا الشاعر الكبير بأجمل صورة .
هذه اللوحات الفنية والإبداعات الثقافية الحضارية ستبقى أفضل شاهد على الصرح الثقافي الشامخ للشعب الفلسطيني مقابل آثار القدم الهمجية التي تركها الاحتلال والقمع والدمار ودوس كل ما هو حضاري على هذه البلاد.
وهذا الشاهد الحضاري لا يمكن محوه وسيبقى خالدا.
ابن البروة الذي شرد من بلده وهو ابن السادسة ليمشي بين الغابات إلى لبنان ثم يعود بعد سنة متسللا مع أهله إلى فلسطين ليبقى شاهدا على المأساة ليرويها للعالم لتبقى شاهدا حضاريا ثقافيا في قمة الروعة أمام القدم الهمجية التي تأبى إلا أن تنبش القبور وتعبث بالمقدسات في قرية البروة ليكون متسعا لحظيرة للبقر .
نعم هذا الشاهد الحضاري لا يمكن محوه وسيبقى خالدا..
(الطيبة)
بقلم : د. زهير طيبي
الجمعة 15/8/2008