قرأت في موقع الجبهة نداء مجموعة أصدقاء الشاعر الراحل محمود درويش، التي تطالب بدفنه في الجليل، وهذا نداء له مدلولاته السيايسة والثقافية والنفسية أيضا. دققت في القائمة، وسألت نفسي: هل القائمة هذه تقتصر فقط على الأسماء المدونة؟ أين اسم سميح القاسم؟ ذلك الشاعر الكبير أيضا، هل سألوه ورفض؟ من حقي أن أعرف. وسؤال آخر: من الذي قرر عدد أصدقاء الشاعر؟ لماذا لم يفتحوا المجال لكل أصدقاء الشاعر، الذين عرفوه عن قرب، وأولئك الذين لم يعرفوه عن قرب، انما عرفوه من خلال تواصلهم الانساني، من خلال شغفهم لما هو جديد في جعبته الخارقة؟ أم أننا سنبدأ بمسابقة سوبر ستار: من يحب محمود أكثر؟ وهذه المسابقة بدأت في كل المواقع الأدبية والثقافية، هنا في بلادنا، وفي العالم العربي. لست ضد التعبير عن الفقدان، لست ضد الحزن، الحزن هو شخصي أحيانا، وعام في حالة موت شاعر بقامة محمود درويش. الفجيعة كبيرة، كبيرة جدا. لقد فجع الشعب الفلسطيني بموت المناضل الكبير والأسطوري، ياسر عرفات، لقد بكينا، والنساء مزقت ما عليها من ثياب تسترها، ولكننا بعد موته، وبعد حزننا عليه، لم نجد لتلك النساء ثيابا جديدة لكي تسترها.
محمود درويش لم يمت لكي يعلن عن هذه المسابقة الهزلية التي تكشف العجز السياسي والثقافي، والتي تكشف جوهر أزمتنا. فلنتفق: محمود أنار لكم الطريق، أعاد لكم الألوان التي تغاضيتم عنها في خضم بحثكم عن الشخصي، عن الرفاهية الاسرائيلية، التي أعمتكم، وأعمتني أنا أيضا...محمود في منفاه الاختياري، وأنا الآن أستوعب هذا المعنى للمنفى الاختياري، أراد أن يقول لكم أيها المتباكين على موته: لا تنشغلوا في موتي! نعم! موتي نبهكم للعجز المستشري في داخلكم. لست خاتم الشعراء، ولم أكن نبيا، كل فرد منكم هو نبي. النبوة هي كذبة، أكبر كذبة اخترعها التاريخ الانساني. عجزنا هو الذي يحتاج الى نبوة.
وشيء آخر: الويل لذلك المبدع، الذي يترك أيتاما بسبب رحيله. هذا اتهام، يدل على جريمة ارتكبها الراحل... هل أردت يا محمود أن تترك أيتاما وراءك؟
أعتقد أن الصمت الآن هو أكبر احترام لذلك العملاق...دعوه يرتاح، دعوه يحاور الموت في موته، دعوه ينتصر على الموت مرة أخرى في رحلة رحيله!
ريلض مصاروة
الثلاثاء 12/8/2008