بقلوب دامعة نودّع الشاعر الكوني محمود درويش، الصائغ الأمهر، والمبدع الإستثنائي.. صاحب النشيد الهوميري، على هذه الأرض... الذي منح بلادنا فضاء الحياة... فأينعت كلماته على ترابنا سياقاً معرفياً تجاوز الأقاصي والأمداء... ليحمل صوت شعبنا إلى حيث يكون العدل والحرية والإبداع....
بسيرته ومسيرته.. استحق محمود درويش وسام الشعرية الفلسطينية باقتدار.. واستحق كذلك أن يكون المنشد الأعتى من بين الأصوات الشعرية العربية.. محققاً بذلك انتصاراً لقضيتنا العادلة ووجع البلاد العميم في حمل قضيتنا الوطنية إلى الكون...إذ كيف للوداع أن يكون له بلاغة المراثي وقد ترجل الحرف عن صهوة المعنى.. فارتفع النشيج إلى سماوة البكاء والنزف... وارتفع الرثاء إلى سقف النحيب.
لاعب النرد.. الذي رأى موته مراراً... وحاوره وداوره، بعناد الشاعر وبصيرة الرائي الفذّ والبليغ الكفّ.. ليؤكد قوة الإبداع في منازلة الطاغي الرجيم- الموت الناهب.. ولكنها لحظة الغياب والسفر في مرايا البياض... اقتران البداية وشتول الربيع الطافحة بالخضرة.. بالنهاية وتساقط الورق الأصفر من شجرة العمر.. لكنها البذور النداهة بالغد ووعد الشعر وما فيه من خير أرض القصيدة التي ترفع الأرواح الكسيرة... وتمنح الصغار ترداد ما تركه الشاعر من طاقة القول واجتراح الغناء الصلب في الزمن الصعب.
كيف نودّع الشاعر الكبير وقد قال كلمته الأخيرة مدركاً أن ما ينفع الناس يمكث في الأرض... وعلى هذه الارض ما يستحق الحياة.
فطوبى للشاعر الذي كابد وعاند وشفّ وشاف..
وطوبى لكلامه العالي بحجم البلاد
وطوبى له وقد كان رأسمالنا المعرفي..
الأحد 10/8/2008