ربما اكون بطبعي انسان متردد بعض الشيء بأتخاذ القرارات في الامورالحياتيه المختلفة الشيء الذي ممكن ان يكون سلبيا الى حد ما عند البعض رغم ان البعض الآخر يعتبره تأني و تروي او كما يقال: "العد للعشرة" قبل المباشرة بعمل ما ،لكن ترددي بالرد على الرسالة العظيمة التي ارسلها الي الاستاذ العزيز عبد الخالق اسدي كان في مكانه ولم اعد للعشرة فحسب بل استمريت بالعد لبضع ايام وليالي حتى اتخذت القرار ، والسبب الوحيد والمباشر هو : كيف استطيع ان ارتقي الى المستوى الادبي والرقة والجمال الذي تجلى به ابو رامي في رسالته المفتوحة من خلال صحيفة "الاتحاد" بالعدد الصادر بتاريخ 23 – 7 – 2008 في صفحة اسهامات.
وهو الكاتب العبقري الذي يصوغ جمله باسلوب يعجز عنه الكثيرون من الكتاب. وهنا اقتبس مقدمة لرسالة بعثها يشكرني على احيائي حفل متواضع لتكريمه في دير الاسد قبل نحو 6 سنوات تفيظ بالمعاني الرقيقة وقمة الجمال: "حضرة الاخ الغالي الفنان العظيم والحس المرهف والتجاوب السريع والتأقلم البديع مع المفاجأت في الاداء واللحن والغناء... تحيه عطرة، لس فاكر عندما كانت ليلة حبي تلك الليلة التي تعد بالف ليلة وليلة. هل سألت روحك عندما اقبل الليل وكنت انا في انتظارك ولم يحتار دليلي وهل سألت اهل الهوى وكؤوس الطلا وشمس الاصيل فقالوا انساك؟ ده كلام لان جمال الدنيا يحلالي ما دمت معاك واجدد حبي واعيش على الامل في الحب كله والحب كده مهما حكم علينا الهوى ودليلي احتار يرق الحبيب وتغني لي شوي شوي وانا بقول يا ليل يا ليل وانت تقول يا ليل يا ليل واحنا نقول يا ليل يا ليل وان نويت تعشق كل جميل على بلد المحبوب وديني حتى لا اعيش على الاطلال ولا اعرف اروح لمين ومين ينصفني منك؟".
ما رأيك يا عزيزي القارئ بهذا الكلام وهذه النبرة الكلثومية التي تعبق به كلماته المنسابة انسياب موجات النيل التي ارادت بعضها ان تلحق بعضها الاخر لتطولها. الم يكن ترددي في مكانه.
نعم!!! هذا هو الانسان والصديق الغالي الذي عرفته كما عرفت الكثيرين من المعجبين خلال حقبه طويلة من الزمن تربو عن الـ 30 عاما من خلال سهرات الافراح وليالي الانس كنت اشعر بسعادة لا توصف عندما كان يحضر الى فرح احييه مع فرقتي الموسيقية لانه فنان "سميع" صاحب ذوق مميز جدا بعشقه للفن الاصيل والاغاني الطربية ومداعبة الاوتار وكنت اعمل له الف حساب وحيطه ولا ابالغ اذا قلت انه كان يتملكني بعض الخوف من مجرد وجوده بالحفلة ، والخوف هنا بالمعنى الايجابي المحفز لما هو افضل لان الفنان الحقيقي يجب ان يخاف على فنه الذي يقدمه لكي يصل للمستمعين والمشاهدين بمنتهى الاتقان وابهى صوره ، فكم بالحري ان يكون احد المستمعين هؤلاء " ابو الرامي ".
ولكي اطلع القراء الكرام على المستوى الراقي لاحساس هذه السميع المرهف من خلال ما كان يسعد بسماعه في تلك الامسيات الغنائية التي كانت تجمعنا واياه، فهو لا يرضى ان تبدأ الحفلة الا بمقطوعات موسيقية وهابية خالدة مثل: هدية العيد، النهر الخالد، بنت البلد، بلد المحبوب.....
وكذلك المقدمات الموسيقية لاغناني ام كلثوم ذات الايقاعات المتغيرة والمقامات الشرقية الاصيلة: انا بانتظارك، الحب كده، حب ايه، انت عمري، ودارت الايام.... بالاضافة الى الفقرة الغنائية الكلثومية الخاصة به في نهاية الحفلة وبعض التقاسيم المنفردة على العود والكمان وحسب طلبه طبعا.
والتي كانت من خلالها عيناه تشع "بريقا يظمأ الساهر له" وقامته الرشيقة تتراقص طربا وبهجة.
وببساطة كان كله انبساط وغبطة وبطبيعة الحال كان انبساطه يبسطني ويثلج صدري .
فعلا كانت ايام حلوه و"ليالي سمر" لا تنسى وستبقى ذكراها الجميله تلاحقني مدى الحياة.
العزيز الغالي ابو رامي لا اريد ان اخوض في تبيين اسباب ابتعادي عن الساحة الغنائية بالاعراس سيما وانني عشت معك لحظات مع الذكريات الجميلة لتلك الفترة من خلال السطور السابقة واذ اعدك وجميع المحبين والمعارف الكرام ان ابتعادي هو فقط هو من الغناء بالاعراس ، لكني مستمر وبنشاط بالنواحي الموسيقية الاخرى كالتلحين والعزف وقيادة الجوقات والمشاركة في المهرجانات الموسيقية والأطر الثقافية المختلفة ، وكوني معلم موسيقى في المدارس العربية يحتم علي بقائي في هذا المجال.
كذلك يجب ان نفسح المجال للجيل الصاعد واقصد هنا المطربين الشباب ليتابعوا المشوار الذي بدأناه نحن الرعيل الاول من المطربين والذي كان مليء بالمعوقات والصعوبات الجمة من حيث اختيار الاغناني والمقطوعات الموسيقية التي ترضي الجمهور المختلف الاذواق، كذلك التقنيات الموسيقية الصوتية والمرئية التي نعيشها اليوم كانت تنقصنا حيث تطورت تطورا كبيرا ليصبح على سبيل المثال عازف اورغ يقوم بمفرده باداء عمل موسيقي كامل عوضا عن فرقة موسيقية كاملة الآلات والعدة. ولا تنسى يا عزيزي ابو رامي ان الوضع الاقتصادي والمادي للناس هذه الايام هو وضع رديء بمجمله الشيء الذي حدا بالكثيرين ان يتوجهوا" للتكليتان" بدل الفرقة الموسيقية لاحياء افراحهم ليسرة المبلغ المادي الذي يتقاضاه مقارنة مع اجرة الفرقة الموسيقية التي تضم العديد من الاعضاء والعازفين. هذه الاسباب والتي هي جزء من اسباب عديده لا مجال لذكرها في هذه السطور بالاضافة الى ظروف شخصية خاصة حدت بي لاتخاذ مثل هذه القرار، لكن لا بأس ربما تسنح الظروف ونلتقي في مناسبات سعيدة ونسترجع معا تلك الليالي الحلوة والشوق والمحبة التي "طبعا" من زمان والقلب شايلهم عشانك.
اشاركك التوجه لجيل الشباب الموهبين ان يتوخوا اقصى درجات الاهتمام بالسميعة وان يرتقوا الى اعلى درجات الاتقان والاداء والرجوع الى الجذور والاصالة والتراث عند اختيارهم لما يقدمونه لجمهور المستعمين.
اشكرك على ذكرك ومدحك كل العازفين الفنانين الذين رافقوني هذا المشوار الطويل وباسمهم جميعا نحييك وندعو لك بكل الخير وطول العمر والصحة والعافية وان تستمر في رعاية الثقافة والفن في بلادنا الحبيبة.
واخيرا وليس اخرا ومن خلال رسالتي لكم عبر صحيفة "الاتحاد" المحترمة اتوجه بخالص شكري وتقديري وحبي الصادق لكل من عرفني واحبني واعجب بي في مشواري الفني الذي عشته معهم سواءا كان غناءا او تلحينا او عزفا انتم احبابي واعزائي وستبقى محبتكم في قلبي مدى الحياة ولو ابتعدت عنكم في ساحات الافراح ومنصاتها، لكن روحي ستظل ترافقكم دائما.
(كفر مندا)
طه ياسين*
الثلاثاء 5/8/2008