* "مهداه لأبي ولجميع عمال البناء:سلمت أياديكم ايها العمال المجيدون..".. *
** الحرجاية او الحرجاي هي جيب جلدي متوسط الحجم , يعلق على وسط عامل البناء ليضع به المسامير..ولجانبه حلقه تعلق عليها المطرقه (الشاكوش)....
وسيله بسيطه لتسهيل عمل البناء....
الحرجاية تدل ان العامل هو معلم بناء"طفسان" بلغه اهل الكادح ..وليس مجرد مساعد "عوزير"في عمليه البناء....
الحرجاي شهاده بان البناء هو مهني....وفنان بعمله....
الحرجاية مصدر إعتزاز ..فكل بناء وحرجايته.. الحرجاية المرتبه والجميله والمنسقه هي شهاده إعتزاز تدل على رقي وإبداع وحب لمهنه البناء ...
الحرجاية الممزقة والمهمله ,تشير ان العامل غير مبال بعمله..وتعكس مزاجه اثناء عمله..ربما موقفه السلبي من العمار والبناء, كمهنه صعبه وشاقه...
أبي عامل بناء.. أذكر تميزه بانه أحب مهنته وعمله بشغف.. وإعتز وفخر بانتمائه لجيش عمال البناء والعمار الذين بنوا ويبنون العالم...كان يصحو صباحا بمرح ويعود فرحا رغم التعب....
إهتم ابي بحرجايته جدا...ربما اكثر من اي شيء اخر.."كالشاكوش" و"البصطار" او الطاقيه.. تساءلت دائما لماذا الحرجاية بالذات؟ كانت يحضرها يوميا للبيت مع باقي العدة من مكان عمله لكنها هي الوحيده التي حظيت باهتمام خاص.. كان ينظفها .يتفحصها بدقه..يصلحها..يجربها....وأنا الطفل انظر وافكر ..لماذا هذا الاهتمام بالحرجايه بالذات؟؟ما السر في هده الحرجايه؟؟..
مرت عشرات السنوات...كبرت ..وتعمق في وعيي إحترام كبير للطبقه العامله والعمال..لدرجه انني فتحت حسابي الاول في بنك العمال لمجرد الاسم ..بنك العمال....
يوما بعد يوم.. يزيد أعتزازي بوالدي عامل البناء الذي احب عمله ومهنته واعتبرها فنا وابداعا....
***
احسست احيانا ان حرجايه ابي تدللت اكثر مني في طفولتي..اذ نالت العنايه والمحبه بلطف يوميا ...كان يحضرها لغرفه الصالون..ينظفها يتفحصها....
يطلب من امي ابره كبيره وخيط قوي من القنب.. ليخيط ثقبا تشكل بها بفعل المسامير..او ليثبت جوانبها.. أهتم أبي بحرجايته اهتماما كبيرا..وكانها كانت اهم تحفه عنده ...ربما شكلت له مصدر إعتزاز ومفخره بين زملائه العمال والبنائين.... ...أتخيله عندما يضعها على وسطه كانه سيحرر بها الأرض ويبنيها من جديد..فهي بمثابه سيفه او مسدسه....
لم يقبلها مثقوبه او معجوقه او متسخه.. الحرجايه تعلق على الخصر او حول وسط البناء.. لجانبها حلقه دائريه حديديه لا اعرف كيف يسمونها عمال البناء..وظيفتها إحتواء المطرقه على مقربه من متناول يد البناء. وكانها سلاحه الجاهز ضد أعداء البشريه والمستغلين.. كانها سيفه يستله في وجه من يتهمه بالكسل او بالتطفل....
اتخيل المسامير المستلقيه بداخلها تتسابق.. من سيخرج اولا الى تحت ضربات الشاكوش ليخترق خشبا يابسا يثبت به الجدار الواقي او السقف العالي.. ..لم افهم سر اهتمام ابي بها الا متاخرا... اي بعد سنوات.....
لابي جبروت العامل المخلص ..لا يتكامل الا بحرجايه مهندمه ومنسقه تليق به.. ربما أعطته احساسا بالقوه.. وكانه اقوى و"اشطر" من في الكون.. آمن ابي ان حرجايه جيده تعني معلم عمار جيد,,وبناء افضل..ذو عزه نفس اكبر..وابداع اكبر...
أحسست ان أصابع يدي امي تعبت من تصليحها يوميا ...وتعبت يداها ..وتكسر عدد من الابر الكبيره التي اشترتها لمهمات اخرى مثل شد اللحف..او ترقيع الجاكيتات... حرجايه ابي ما زالت في متحفنا العائلي,,,انها أجمل ما يحتفظ به والدي من ذكريات الشباب والعمل... المجد لابي العامل. والمجد للعمال...والمجد لحرجايه ابي....
وليصن كل منا "حرجايته"...ربما هنا يختبيء اكبر اسرار نجاح الانسان .....
ام الفحم"اب 2008"..
drziad007@hotmail.com
بقلم: د. زياد محاميد
الأحد 3/8/2008