قرأت في سياق خبر عن الأمسية التضامنية مع الفنان محمد بكري في الناصرة، أن الشاعر مفلح طبعوني سيلقي كلمة اتحاد الكتاب. وبالطبع، لست ضد أن يلقي الكلمة، فهو أهل لها، ولكن ما استوقفني في الخبر هو اصطلاح" اتحاد الكتاب"فسألت نفسي: هل للكتاب في بلادنا هذه اتحاد؟ أين مقره؟ من هم أعضاؤه؟ ما هو دستوره؟ وما هي نشاطاته، وهل أصدر بيانا نطلع عليه ونباركه؟ أم أنه تنظيم سري، مقاوم، وسيطلب في مرحلة ما أن يناقش استراتيجية دفاعية؟ أين رئيسه؟ هل يختبيء في بونكر ويصدر تعليماته من مخبأه؟ ما هي شروط الانضمام إلى هذا التنظيم؟
فليغفر لي القاريء هذه السخرية الصادرة عن مشهد هزلي، تمتد أحداثه منذ سنوات الثمانين، منذ فكر الكتاب، “ طليعة" هذا المجتمع الموبوء بعدد هائل من ظواهر الطلائعية المهزومة في داخلها. كان الاجتماع التأسيسي لاتحاد الكتاب في المركز الثقافي في الناصرة، وأظهر الكتاب حينها وحدة" وطنية" كان من الممكن أن يحسدنا اللبنانيون عليها...وإذ بعد عدة سنوات ينقسم الاتحاد على نفسه، بعد تأسيس الحركة التقدمية في الناصرة، ومع انضمام عدد لا بأس به من الكتاب " الزعلانين" على الجبهة، وأسموا التنظيم الجديد "رابطة الكتاب الفلسطينيين"، وبذلك أرادوا أن ينزعوا عن أعضاء الاتحاد الذين بقوا في الاتحاد، الهوية الفلسطينية، ومع اندثار الحركة التقدمية، بدأت الرابطة تندثر نتيجة مرض عضال، إلى أن وافتها المنية.
أما اتحاد الكتاب، فقد تحول إلى مكتب سفريات، احتكرته شلة من الكتاب "المخضرمين"، الذين كانوا يتخاصمون فيما بينهم للحصول على تذكرة سفر، لكي يمثلوا المشهد الثقافي خارج البلاد، إلى أن أفلس المكتب، وأفلس أعضاؤه، ودبت النزاعات، وفرط الاتحاد. وكنا نحن المبتدئين، الذين يتحسسون طريقهم الإبداعي، ننظر إلى هذه الشلة باحتقار غير معلن.
هاتفت صديقا نصراويا. سألته عن هذا التنظيم السري، ضحك في البدء، وحكى لي القصة، قال: قبل خمس سنوات دعينا إلى اجتماع في عكا، لكي نؤسس اتحادا وننتخب رئيسا. اقترحت حينها أن نتروى قليلا. علينا في البدء أن ننتخب لجنة تحضيرية، لدراسة الفكرة، ولتحضير مسودة دستور، ثم ندعو الكتاب ليناقشوا الأمر، وننتخب رئيسا.لم يقبل الاقتراح في حينه، وأحدهم زعل مني، وأخذ على خاطره، والمتواجدون انتخبوه رئيسا. سألت الصديق: رئيس على من؟ ضحك الصديق، وقال لي: عف عني! أنا مشغول بما هو أهم.
أعود وأكرر: لست ضد كلمة الصديق الشاعر مفلح طبعوني، ولكن لي عتب عليه: لماذا لم تأخذني معك ولو مرة واحدة لأشارك في العمل السري، وأحظى بتبريكات سماحة الرئيس؟ أم أنني لست أهلا، وعلي أن أمر مراحل عدة تؤهلني، لكي يضع الرئيس يده على رأسي،ويباركني؟
برأيي: ما يحصل هو استخفاف، ومهزلة، وعدم احترام لقطاع لا يستهان به من الكتاب المبدعين، الذين يحاولون أن ينهضوا بالمشهد الثقافي لهذه الأقلية، المبلية بمرض الشرذمة، والمبلية بفئة مهزومة، تبحث لها عن مناصب وهمية، يستعملونها "باسبورتا" لدخول الدوائر الفلسطينية في رام الله، لكي يحظوا بامتيازات، لنشر كتاب يخصهم، أو للحصول على تذكرة سفر، أو على الأقل لالتقاط صورة تذكارية مع الرئيس، أو مع من هو تحت الرئيس.
وظيفة أي اتحاد، أوأي رابطة هي جمع المبدعين في شتى المجالات لتنمية الحوار فيما بينهم، لبحث السبل للخروج من أزمات، لمساعدة المبدعين في نشر انتاجاتهم، لإصدار مجلة، أو دورية لتشجيع الأبحاث الخ....أعرف أنه من الصعب جمع المبدعين لكي يتفقوا على برنامج، على خطة، وهذا الأمر لا يقتصر فقط على الكتاب، إنما يشمل المجالات الأخرى كالمسرح، والموسيقى والفنون التشكيلية. ان أي نجاح لتأسيس اتحاد، أو رابطة، هو أن يتخلى المبدعون المبادرون عن أنانيتهم، ومصالحهم الشخصية، وأن يضعوا المصلحة العامة نصب أعينهم. المبدع الحقيقي لا يركض وراء المناصب، ووراء المتعة الشخصية، ولا يحتاج إلى تنظيمات سرية.
رياض مصاروة
الجمعة 1/8/2008