المقياس الحقيقي للموقف الايجابي من المقاومة كتجسيد لقوة الحق!!



* الحق بحاجة الى قوة تصونه وتحميه وتسترده من بين انياب المحتلين المفترسة. فالحق يؤخذ ولا يعطى، ولعل تطور القضية الفلسطينية والثورة الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية اكبر مثل ساطع يعكس جدلية العلاقة العضوية بين الحق والقوة *

في هذا العالم المهتوك الذي تتحكم بمصيره وتلف حول رقبته الاحزمة الخانقة التي تضعها ديناصورات وحيتان العولمة الرأسمالية الوحشية ويمسك برسن قيادتها نظام القطب الاوحد الامريكي، في هذا العالم "ان لم تكن ذئبا اكلتك الذئاب"!! فالشعوب والبلدان المقهورة على امرها من جراء العدوان او الاحتلال الامبريالي لا خيار امامها للتخلص من قيود الذل والمهانة الوطنية والعدوان الغادر والاحتلال الغاشم سوى الكفاح المنظم المشحون بعاملين اساسيين، الاول، رص الوحدة الوطنية الكفاحية للشعب المغلوب على امره من خلال رفع مستوى وعيه السياسي الكفاحي ورفع مستوى جاهزيته الجماهيرية لمقاومة الاعداء من مغتصبي حقوقه الوطنية القومية غير القابلة للتصرف، حقه في الحرية والسيادة الوطنية. والعامل الثاني، صياغة وبلورة برنامج كفاحي سياسي – اجتماعي يتضمن الاهداف المركزية لمقاومة المعتدين – الاهداف الاستراتيجية التي يتوخى انجازها وفي مقدمتها تحقيق جلاء المحتل وبناء قواعد الاستقلال الوطني، كما يتضمن هذا البرنامج الوسائل التي تراها المقاومة مناسبة لانجاز الاهداف الاستراتيجية، أي تكتيك المقاومة، وسائل شحذ المقاومة الشعبية السلمية، شحذ المقاومة المسلحة، بلورة خطاب المقاومة لتجنيد الرأي العام العالمي والهيئات والمؤسسات الدولية الى جانب الكفاح العادل للمقاومة.
ما نود تأكيده، ومن خبرة كفاح حركات التحرر القومي الوطنية في العديد من بلدان آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ان عالما تتحكم في مصيره عصابة حيتان العولمة الرأسمالية الهمجية تبقى اذان بلدانه والرأي العام فيها مغلقة ومثل الاطرش في الزفة، لا تسمع انين معاناة شعب ساكت على الضيم والجرائم التي يواجهها من طواغيث الاحتلال، ولا تحرك ساكنا اذا طرحت الضحية قضيتها بلغة شحاذ يتسول يستدر العطف عليه، فلا عطف على فقير متسول هو صاحب حق شرعي مغتصب. الحق بحاجة الى قوة تصونه وتحميه وتسترده من بين انياب المحتلين المفترسة. فالحق يؤخذ ولا يعطى، ولعل تطور القضية الفلسطينية والثورة الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية اكبر مثل ساطع يعكس جدلية العلاقة العضوية بين الحق والقوة، بين حق القوة وقوة الحق، فاعداء الانسانية، اعداء حق الشعوب بالحرية والسيادة الوطنية، التحالف الثلاثي الدنس – الامبريالية والصهيونية العالمية وتواطؤ بعض الانظمة الرجعية معهما، خيل اليهم انهم بتنفيذ مؤامرة النكبة الفلسطينية التي حرمت الشعب العربي الفلسطيني من حقه الوطني الشرعي بالتحرر والاستقلال في اطار دولة سيادية مستقلة حسب قرارات الامم المتحدة القرار 181 – وتحول الشعب الفلسطيني بغالبيته الى شعب من اللاجئين في مخيمات اللجوء القسري خارج حدود وطنه، خيل اليهم انهم بهذا دفنوا والى الابد وطن وهوية وحضارة شعب اصيل كالشعب الفلسطيني!! رئيس وزراء بريطانيا التي كانت يوما عظمى، الرئيس براون، عراب استراتيجية العدوان الامريكي في المنطقة وشريكه في الجرائم المرتكبة في العراق وافغانستان والمناطق الفلسطينية المحتلة، براون هذا في خطاب السجود والولاء للصهيونية الذي القاه في الكنيست (البرلمان) الاسرائيلي بمناسبة ستين سنة على قيام اسرائيل، رسول الامبريالية البريطانية هذا تجاهل الدور السياسي واللا اخلاقي للاستعمار البريطاني ومسؤوليته عن نكبة الشعب العربي الفلسطيني وحرمانه من حقوقه الشرعية، بينما تحدث باسهاب عن دور الاستعمار البريطاني في قيام دولة اسرائيل على ارض فلسطين المستباحة، تحدث عن وعد بلفور المشؤوم في الثاني من تشرين الثانية الف وتسعمئة وستة عشر بضمان قيام وطن قومي لليهود في فلسطين، وكأن ارض فلسطين مشاع استعماري لا يقطنها شعب آخر جذوره اعمق من جذور امبراطورية اللصوص الاستعماريين. براون هذا قدم "ضريبة نظام بوش" اللفظية بالنسبة للحقوق الفلسطينية، التعبير عن امله بقيام دولتين متجاورتين، اسرائيل وفلسطين، وان على اسرائيل تخفيف الاعباء عن الفلسطينيين ووقف الاستيطان! موقف يلفه الضباب، عمومي ويمكن تفسيره في عدة اتجاهات.
ما نود تأكيده في هذا السياق ان الموقف العالمي من القضية الفلسطينية، طابع هذا الموقف يتعلق ومرهون الى حد كبير بموقف ومسلك الفلسطينيين انفسهم من قضيتهم العادلة، كيف يتناولونها وبأيه مواعين وبأي خطاب وبأي منهج ونهج ممارس. فالرأي العام العالمي بدأ يشعر بالغبن التاريخي والسياسي اللاحق بالشعب الفلسطيني ليس منذ اليوم الاول ولا منذ السنوات الاولى للنكبة عندما كانت القضية الفلسطينية سلعة للمساومة في سوق الخصخصة للانظمة العربية، حيث كان كل نظام عربي يسمسر بالقضية الفلسطينية ويغذي مجموعة او تيار فلسطيني يعلفه في حظيرته ليسبح الفلسطيني بحمد هذا النظام العاهر او ذاك. قيام منظمة التحرير الفلسطينية كهوية فلسطينية مستقلة وكممثل وحيد وشرعي للشعب العربي الفلسطيني كانت بداية المنعطف التاريخي الذي مهره الفلسطينيون بكفاح المقاومة الفلسطينية بفصائلها المتعددة. وعندما تسلم الشعب الفلسطيني قضيته بيده واقام بالتنسيق مع منظمة التحرير الفلسطينية الجهة الوطنية في المناطق المحتلة، في الضفة والقطاع والقدس الشرقية المحتلة، فجر انتفاضته الشعبية التي وحدت عمليا وجذبت مختلف فئات وتيارات الشعب الفلسطيني الى معترك الكفاح والمقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي ومن اجل الحرية والاستقلال الوطني. فالوحدة الوطنية الكفاحية للشعب العربي الفلسطيني واستعداده للتضحية وتقديم الشهداء على مذبح الحرية والاستقلال، جذب حتى الاطفال الى انتفاضة الحجارة في السبعة والثمانين من القرن الماضي قد ايقظ الضمير العالمي وتصاعدت النشاطات العالمية التضامنية مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. فالحق الفلسطيني العادل زود بذخيرة القوة الجماهيرية المناضلة وباتساع دائرة التضامن العالمي. وكانت الانتفاضة الاولى حاضنة للدولة الفلسطينية المرتقبة، اذ ان المجلس الوطني الفلسطيني في دورة الجزائر في تشرين الثاني الثمانية والثمانين من القرن الماضي قد يبني عمليا البرنامج السياسي للجبهة الوطنية التي قادت الانتفاضة، ان يكون مبدأ الحل على اساس دولتين للشعبين قرار 181 للامم المتحدة وقيام دولة فلسطينية مستقلة على جميع الاراضي المحتلة منذ الخامس من حزيران السبعة والستين، في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين حسب القرار 194. وحقيقة هي ان عدد الدول التي اعترفت بقيام دولة فلسطينية في الحدود التي اقرها المجلس الوطني الفلسطيني بلغ اكثر من عدد الدول التي تقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل.
لقد كان من نتائج الانتفاضة الاولى السياسية توقيع اتفاقات اوسلو المرحلية بين حكومة اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، التي بموجبها اقيمت السلطة الفلسطينية الوطنية التي تحظى بصلاحية السيادة الكاملة على رقعة لا تؤلف اكثر من عشرة في المئة من مساحة المناطق المحتلة في السبعة والستين، واجريت انتخابات نجح وتسلم من خلالها خالد الذكر الرئيس ياسر عرفات رئاسة الدولة الفلسطينية، رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية.
ان احد المطبات الاساسية التي من الاهمية بمكان اعادة النظر في تقييمها تتمحور حول الموافقة من خلال اطار اتفاقات اوسلو المرحلية على تأجيل التفاوض حول القضايا الجوهرية التي تجسد ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية الشرعية – حدود الدولة، القدس، العودة، الاستيطان، المياه بتأجيل التفاوض حول القضايا الجوهرية للحق الفلسطيني المشروع قد مكن المحتل الاسرائيلي من التضليل الديماغوغي بطرح قضية الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني ليس صراعا بين محتل وضحيته الذي يناضل من اجل التحرر القومي، بل صراع على قضايا محددة، صراع على اراض اقليمية مختلف عليها، صراع لحماية الامن الاسرائيلي من الارهاب الفلسطيني.. تأجيل التفاوض حول القضايا الجوهرية قد مكن المحتل الاسرائيلي من فرض وقائع كولونيالية، جديدة على الارض الفلسطينية، المحتلة مثل بناء جدار العزل والضم العنصري، توسيع رقعة الاستيطان، تكثيف عملية استيطان وتهويد القدس الشرقية، اضافة الى ارتكاب المجازر وجرائم الحرب ضد الفلسطينيين وتحت اليافطة الزائفة "محاربة الارهاب" وخلط الاوراق بين المقاومة والارهاب.
ان تراجع التضامن العالمي مع الكفاح الفلسطيني العادل وحقوقه العادلة يكمن في عاملين اساسيين: - الاول، الركض وراء الوهم ان تسعة وتسعين في المئة من اوراق الحل بأيدي امريكا الحليف، بشكل صارخ الى جانب اسرائيل. فالركض وراء هذا السراب لم يولد سوى مفاوضات "طحن الماء" وفي وقت يواصل فيه المحتل الاسرائيلي جرائمه ضد البشر والشجر والحجر في المناطق المحتلة. والثاني: الانقسام الحاصل بين السلطة في رام الله وحماس في قطاع غزة، وكأنه لا عنوان للتفاوض معه والعمل لابتزاز السلطة وحماس سياسيا، حتى اوباما المرشح الدمقراطي لرئاسة الولايات المتحدة يردد كالببغاء موقف بوش من القضية الفلسطينية.
ان مصلحة الشعب الفلسطيني العليا بالتحرر والاستقلال الوطني تستدعي توظيف قوة الحق الفلسطيني – الوطني المشروع، الاسراع باعادة اللحمة الى وحدة الصف الوطنية الكفاحية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ومهرها ببرنامج كفاحي لا يفرط باي ثابتة من ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية.
فالوحدة والتمسك بثوابت الحقوق الوطنية يتطلبان من فصائل الشعب الفلسطيني المقاوم للاحتلال دفع المهر المطلوب لضمان هزيمة مخطط تصفية الحقوق الوطنية.

د. احمد سعد
السبت 26/7/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع