درويش والتريو



    سمعت موسيقى "تريو جبران" أكثر من غيرها، وكان لرعشات أوتار العود بتراقص أصابعهم عليها، كان لها صوت أزاح من رأسي جميع الأصوات الأخرى فترة، وسمح لبعضها بالرجوع مع الاعتراف بيسادة موسيقاهم عليها، وكلامي هذا يشمل، فيما يشمل، الأصوات الأنثوية.
    شاهدتهم أيضا يعزفون، واكتشفت أن المشاهدة السمع-بصرية للموسيقى، في حال التريو جبران، تضيف رعشة أخرى إلى أوتار العود. في تماهي الأخوة الثلاثة أبناء الناصرة: سمير، وسام، وعدنان، كلٌّ مع عوده ومع الآخر وبالتالي كلٌّ مع ثلاثة أعواد، كانوا كعملاق يعزف على عود بـ 18 وتر تقريبا.
    كانوا كفوئين تماما بموسيقاهم أنْ عَلَتْ في تحليقها مع قصائد عملاق كمحمود درويش.
    قرأت أيضا قصائد درويش أكثر من غيرها، وكان بكل سطر يرسم فلسطين كما أحبُّ أن أراها، فيمحي السطر ليأتي بآخر تزهو فيه فلسطين أكثر، ويمحي ويأتي بآخر، فيمحيه ليأتي بآخر، إلى أن يُنهي القصيدة، فيأتي بغيرها، هو يكتب، وأنا أقرأ، وفلسطين تكبر وتجمُلُ فيّ أكثر.
    سمعته وشاهدته يلقي قصائده، واكتشفت أيضا بأن المشاهدة السمع-بصرية، في حال درويش، تضيف إيقاعا آخر إلى أسطر القصيدة. صوت درويش بنبرته وتواتره وارتفاعاته وانخفاضاته وتمثّل التراجيديا الإغريقية بعناصرها فيه، يجعلني كمن يكتشف جبلا أو سهلا آخر في فلسطين، أو حتى قرية نسي الاحتلال محوها.
    شاهدتهما معا، درويش وجبران، للمرة الأولى في أمسية حيفا التاريخية، ومرة أخرى في رام الله قبل أيام، وفقط عبر التلفزيون. وزاد يقيني في المرتين بفكرتي أنّ التألق يتّضح أكثر على ملامح درويش حين يكون في حضرة فلسطين وجمهورها.. وموسيقاها. يوما ما قد أحضر له أمسية أكون فيها فردا من "الجمهور الفلسطيني" في مكان ما في الوطن، وهو ما لم أكنه من قبل، كحال بقية اللاجئين.
    برغم انشغالات كل من محمود درويش والتريو جبران، بمشاريعه من شعر وموسيقى، أقول: ماذا لو انعمل على مشروع جديد: تسجيل لقصائد درويشية مصحوبة بموسيقى جبرانية. روعة الحوار بين قصيدة "تمارين أولى على جيتارة إسبانية" ومقطوعة "شجن" في أمسيتي حيفا ورام الله، هي ما أثارت الفكرة لدي وألحّت على البوح بها.
    أي خسارة ستهبّ على الألق الفلسطيني والإنساني لو أن اسطوانة كهذه لم تر النور.
    وإن طمعتُ قليلا/كثيرا لتكلمت عن DVD مشترك، تصويرا للقصائد والموسيقى من أمسيات مختلفة، ولكن إلى حينه سننتظر المزيد من أمسياتهما المشتركة. ننتظر، ولكن إلى حينه، سنرضى باسطوانة نسمع فيها القصائد بدرويشية عالية، والموسيقى بجبرانية عالية كذلك.


كاتب فلسطيني / الإمارات
www.horria.org

سليم البيك
الجمعة 25/7/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع