يمثل ديوان صلاح محاميد "صواعق من بنفسج" دقا على طبول الذاكرة بما تحمله من رسومات مختلفة الحمولة والدلالة ، تستعين بنوستالجيا الفضاء ، البيضاء خاصة، وما توحي به من مخزون ثقافي وأبعاد إنسانية حركت وجدان الشاعر ودفعته لإهداء قصائده المطولة للمغرب: "تألق الكبرياء"، "لابأس عليك"، "صواعق من بنفسج" بحكم تفاعله الوجداني مع أناسه وفضاءاته. يبدو من خلال هاته القصائد المطولة أن الشاعر يهدف إلى جعل أشعاره قيثارة تعزف على نتوءات الجروح التي خلفها التاريخ واليومي ، وتنفتح على آمال الغد المشرق حيث البسمة ، والغناء ، والرقص. بهذا يحقق صلاح من قصائده ثنائيات ضدية يعكسها العنوان أولا، وتعكسها الصور الإيحائية داخل الديوان . يلم شتات هذه الثنائيات نشدان الشاعر لمحبة الآخر دون مقابلات مادية في زمن قلت فيه العلاقات الإنسانية الحميمة والمثالية، فبدا زمنا فارغا ومتلاشيا. هكذا نرى في قصائد صلاح ثلاثة محددات نحصرها في : 1 -القصيدة فراشة تحلق في سماء المغرب تلتقط صورا فتوغرافية جميلة، ولوحات فنية متألقة تعكس عشق الشاعر للألوان : شقائق النعمان، البنفسج، زرقة البحر،و حمرة الدم... والبياض: بياض قلب الشاعر ، وبياض صفحات الكتابة مما يجعلها بريئة الظاهر لكنها عميقة من حيث الداخل تحقق هارمونية ذات تنشد كبرياء العروبة، و تطمح إلى ترسيخ حضارة الأمة الإسلامية، فلا غرو صدور ذلك من شاعر فلسطيني يعيش اغتصاب وطنه الأم ويتخذ المغرب وطنا ثانيا له، لهذا لا تغيب مسحة الحزن عن قصائده كلما تحدث عن الحرب والسيف والدم. 2-القصيدة تناص: تتفاعل أشعار صلاح محاميد مع مخزونه الثقافي والمعرفي ، فالتاريخ حاضر بين سطور ديوانه: طارق بن زياد، عصر الأنوار ، المرابطين، أسطورة الدياميس...إلخ، يهدف من وراء هذا الاشتغال إلى استحضار الذاكرة والنبش فيها من جهة، ومن جهة ثانية يعكس التوق والحنين إلى الأمجاد العريقة والأمل في أيام منيرة تعبق بصباحات الندى، وبسمات النعناع. هكذا إذن يريد الشاعر أن تكون أيامه الآتية ، ولن يتحقق ذلك إلا عبر القلم والقصيد لكونهما يملآن الدنيا بهاء ، وغناء ، وحبا. 3- محلية القصيدة : بدءا أهدى الشاعر قصائده إلى المغرب ، ولكي يظهر مغربيتها انتقى ألفاظا محلية من الرصيد التواصلي للشعب المغربي في مقاهيه، وشوارعه، وأزقته، من ذلك: واخة، صافي، الله يرحم الوالدين، مزيان ، زنقات...إلخ، وإذا كان جاكبسون يرى أن أدبية النص تتجلى في الخصائص التي تجعل من نص ما أدبا فيمكننا القول إن صلاح محاميد قدم لنا" مغربية" القصيدة ، أي ما يجعل من قصيدة ما "مغربية" ليس فقط من خلال توظيف ألفاظ تواصلية معينة بل عند رصده لبعض العادات والتقاليد في إعداد الحفلات، أو المادية، أو الطعام، أو الشراب. من هنا إذن يمكننا الخلوص إلى أن علاقة الشاعر صلاح محاميد بالمغرب ليست علاقة فرد بفضاء ولكن علاقة إنسان بوجدان تاريخي وحضاري وجغرافي محلي وعربي حرك فيه أوجاعه الأليمة) الاستعمار ، والحروب( واستبشر منه ، في الآن نفسه، الحلم الجميل ، وميلاد غد جديد.