الحياة متلاحقة، متتابعة ، متناقضة ، متصارعة ، تتراكم الأحداث ،والوقائع وتنفى الظواهر بعضها بعضا ، لا شيء يماثل الشيء الآخر ،الشيء هو نفسه وليس نفسه في نفس الوقت ، أنت ليس أنت في نفس اللحظة ، لا تستطيع أن تسبح في النهر مرتين مختلفتين في الزمان والمكان ، وما يجرى في لبنان لا يمكن اعتماده كنسخة كربونية أو فاكسية في فلسطين، ولكن يمكن الاستعانة بالتجربة اللبنانية ، والتكتيك اللبناني، والموقع اللبناني على الخريطة الشرق أوسطية ، والشراكة اللبنانية - الفلسطينية في الدم والمقاومة.
يتمايل ، يترنح الفلسطيني في غزة ، أصيب بالدوار .. وصل الدوار حتى قدميه اللتين عجزتا عن حمل همه الكبير ، لم يعد قادرا الإمساك بوسطه ، فالانقلاب الدموي على الوطن لا زالت تداعياته الخطيرة على الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية ، انسداد الأفق السياسي ، وغزة الآن ليست في رحم الوطن ، الشهداء يرحمهم الباري رغم ألم الفراق ووداع الأمهات والآباء والأبناء والجيران لهم . والأسرى قابعون في زنازين القهر وغياهب المعتقلات الإرهابية ، وجرا فات الاحتلال تسرح وتمرح في الضفة الغربية ، وتهويد القدس ومحاصرتها ، وإقامة جدار الفصل العنصري .
البطالة ، والجوع ، كالطاعون يتغلغل في الجسد الفلسطيني . الاعتقالات والمداهمات والملاحقات مستمرة دون رقيب أو حسيب .. الاستيلاء على المقرات والمؤسسات والنوادي والمراكز الثقافية والتربوية على قدم وساق ، لا يمض يوم دون مداهمة وتكسير عظام الأبواب والاستيلاء على المقرات والمقتنيات والكمبيوترات الخاصة والعامة ، وتحويلها لمراكز للأجهزة غير الشرعية، البنزين بالكوبونة ، والغاز والكاز ، والحملات المسعورة من شركة الكهرباء التي تهدد بقطع التيار الكهربائي رغم انقطاعه المستمر ولا يملك المواطن المسحوق سوى قراءة الفاتحة على الأحياء والأموات ، المرضى بلا علاج ، الطلاب بلا سفر ، والعائلات تقطعت بها سبل الاتصال والتواصل بمعيلهم في الخارج مع انتهاء أقاماتهم في تلك البلدان ،واستمرار الحصار وإغلاق معبر رفح الحدودي ، والتهدئة لم تجلب لهم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي ، وأولئك البدون الذين ينتمون للوطن والشعب ولكنهم بلا هوية ، ومشاكل الخريجين الشباب وأصحاب الشهادات الجامعية ، والتقارير الكيدية لرام الله لقطع رواتب البعض ، وقرارات منع التوظيف لأبناء القطاع ووقف الترقيات ، ومنع المسيرات والمظاهرات وحتى إقامة الأفراح تحتاج لمأذون شرعي وإذن سلطوي بإقامتها ، والبضائع مشوهة كالمجتمع الفلسطيني وقواه السياسية تراها على واجهات المحال التجارية يجرى تهريبها عبر الإنفاق حتى الموبايلات بكافة أنواعها ، ويا خوفنا من تهريب الفتيات والنسوان وربما يجرى التعامل معها عبر الكوبونة وعلى عينك يا تاجر ، وسماسرة العصر يمتشقون السلاح على أبواب الأنفاق للسمسرة وانتزاع المعلوم ، فإذا لم يدفع التجار والصناع والمهربون ،والعاطلون عن العمل للشرطي والضابط والمدير العام والحاكم المزيف فمن يدفع ، وإلا كيف يديرون أمارتهم ؟؟ أليست غزة منكوبة بعد هذا؟؟
أشجار الزيتون والحمضيات والخضار سحقت عن بكرة أبيها وأمها ، وجرفت الاراضى بما عليها وما تحتها ليصبح ثمن كيلو الليمون الغزاوى أكثر من 10 دولارات ، وسكتت بعدها الصواريخ محلية الصنع ، والديون المتراكمة على الموظفين والمزارعين والتجار ، والأبناء والبنات ونتائج الثانوية العامة التي محقت وسحقت ورفعت ، وسبحان مغير الأحوال ، تبحث عن جواز سفر فليس لك سوى صاحبة الجلالة المعظمة ، ولا تسال عن المرافقين ،وزعيق السيارات التي تنهب الأرض والمال والحكم والسلطة ، وهم في غيهم سائرون ، وصوت على بن أبى طالب لا يسمعه سوى الفقراء والضعفاء لكن القهر والرعب يشل تفكيرهم فلا ينفذون والعلم الفلسطيني بألوانه الأربعة على الدوائر المغتصبة مهترىء ، تحول لخرقة من شدة الغضب ، لا احد يعيد الاعتبار ، والانتماء ، والوفاء إليه كأحد رموز الوطن الهامة ، والجندي المجهول ينتظر من يعيد إليه رأسه الشامخ ، فهل يمكن اعتبار غزة منكوبة طبقا للمواصفات العالمية ؟؟
التلوث البيئي يلف كل محافظات الوطن من بيت حانون حتى رفح، ومخلفات الإنسان والحيوان تصب في نهاية مشوارها في بحر غزة باستمرار، ومخلفات المستوطنات من شرقها ، والحيوانات البيئية قد انقرضت في غزة ولم يتبق سوى الضباع الآدمية ، والذئاب البشرية ، وثعالب تجار السلاح والمخدرات وسماسرة الإنفاق وتجار الفتن والسولار تعمل ليلا ونهارا وعلى عين الإسرائيليين والعرب .
ودعوة أبو مازن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية للحوار الوطني الشامل على قاعدة وثيقة الوفاق الوطني واتفاق القاهرة وتنفيذ المبادرة اليمنية منذ أكثر من شهر تراوح في مكانها وزمانها ، تتوقف في صحراء التيه والسراب تبحث عن مغيث من الفلسطينيين أو العرب ، وتحاول جبهة اليسار الفلسطيني أن تقوم بدورها الوطني وتبحث عن توافق لآليات تطبيق المبادرة اليمنية لم تنضج ، ومبادرات هيئة العمل الوطني والقطاع الخاص ، التي ينقصها جميعا حركة جماهيرية وشعبية للضغط على معيقي الحوار الوطني لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية .
غزة دائخة من الوجع ، وتدور في التيار المعاكس ، ضد قوانين التطور والطبيعة ، والجاذبية الأرضية ، ورائحة الكراهية والتعصب صناعة محلية ، فقدت غزة سلطان العقل والتسامح والوحدة الوطنية ، وقواعد التنوير ، فمن يدعى أن الشمس تدور حول الأرض كمن يردد عنزة ولو طارت ، إنهم جزء من اللعبة الدولية والإقليمية يشاغبون في زنزانة غزة إحدى زنازين الكون التي صنعها الامبرياليون والصهيونيون فهل سمحوا لأنفسهم أن يتسلقوا على حيطان الوطن ، ويغتصبوا غزة كما يغتصبها الإسرائيليون ؟ غزة تعيش في مرجل ذرى وحراري ، والانفجار قادم لا محالة ، والعاصفة ستهب في كل الاتجاهات شرقا وغربا شمالا وجنوبا . غزة منكوبة من الداخل والخارج، فمن ينقذها من الدمار و الموت السريرى ؟؟
(غزة- فلسطين)
طلعت الصفدي *
الأربعاء 23/7/2008