احتفلت جمعية "نساء ضد العنف" قبل فترة قصيرة بمرور 15 عاما على تأسيسها، في لقاء مهيب شاركت فيه النساء والرجال في مهمة واحدة تهدف إلى رفع قضية العنف ضد النساء إلى مستويات أعلى. فالعنف متعدد الاتجاهات ويصل أحيانا إلى القتل ليس فقط بحجة ما يسمى شرف العائلة وإنما بحجج أخرى. ورغم الوعي والتقدم الاجتماعي إلا ان العنف يزداد بشكل عام وضد المرأة بشكل خاص.
حول هذا الموضوع التقت "الاتحاد" أربعة من المشاركين في هذا الاحتفال واجرت معهم الحديث التالي:
فداء طبعوني أبو دبي مديرة وحدة العمل المجتمعي في جمعية نساء ضد العنف تطمح ان تسود العدالة الاجتماعية وتتحقق المساواة بين الجنسين.
* الاتحاد: ما هي طبيعة عملك في الجمعية؟
طبعوني أبو دبي: الجمعية مبنية من ثلاث وحدات عمل: أولا، وحدة الخدمات خدمات للنساء اللواتي يعانين من عنف مثل مأوى مثل خط طوارئ مثل بيت انتقالي للنساء. ثانيا، وحدة المرافعة مرافعة قضايا تخص النساء أمام متخذي القرارات اذا كان في السلطات المحلية او في لجنة المتابعة أو أعضاء كنيست أو وزراء.
أما وحدة العمل المجتمعي التي أركزها فتهدف إلى الطموح والتغير المجتمعي الذي نرنو إليه من خلال وعي في المدارس، من خلال رفع المستويات الى أعلى والخروج بالنساء من الحيز الخاص لرفع مكانة المرأة العربية وبناء مجتمع راق.
*الاتحاد: هل واجهتك صعوبات؟
طبعوني أبو دبي: نعم، على سبيل المثال كنا نقترح، في بداية عملنا، على مدير مدرسة ما، نشاطًا ضد العنف او في مجال الاعتداءات الجنسية.. فكان يرفض بشدة مدعيا أن مثل هذه الأمور غير واردة في مدرسته. أما اليوم فالمدارس تتوجه إلينا للقيام بمثل هذه الفعاليات.
*الاتحاد: إلا تلاحظين بأنكن ترددن كلمة فعاليات اكثر من اللزوم؟
طبعوني أبو دبي: لماذا لا نرددها، اذا كنا في الجمعية، وخلال سنة ونصف من العمل التطوعي، قمنا بـِ1270 فعالية حضرها وشارك فيها 9911 شخصا. ثم ان جمعية نساء ضد العنف بدأت تعمل في بلدتين واليوم تعمل في 45 بلدة، وخلال 15 عاما من العمل تغير الكثير للأفضل.
*الاتحاد: من خلال خط الطوارئ هل يتصل بكم رجال يطلبون المساعدة؟
طبعوني أبو دبي: أحيانا يتصلون للاستشارة بخصوص نسائهم او بناتهم. واود ان انوه إلى ان حضور عدد كبير من الرجال إلى هذه الامسية هو دعم لجمعية نساء ضد العنف ومشاركتهن في مهامهن وهو أمر مبارك.
*الاتحاد: هل يعتبر المجتمع العربي مجتمعًا عنيفًا؟
طبعوني أبو دبي: اولا العنف موجود في كل المجتمعات وليس مقتصرا على دولة معينة، لكننا نعيش في دولة عسكرة ودولة تحتل وتقمع حريات الغير ورأس المال مستشر فيها وكثيرا ما يؤثر سلبا على الحياة الاجتماعية.. ووضعيتنا كنساء فلسطينيات داخل دولة اسرائيل وكأقلية في مجتمع ذكوري يزيد من العنف.
*الاتحاد: هل المرأة غير المتعلمة او العاطلة عن العمل معنفة أكثر من غيرها؟
طبعوني أبو دبي: لا علاقة للعنف بثقافة المرأة أو كونها عاملة او ربة بيت او حتى عاطلة عن العمل فالعنف مسؤولية الرجل، الذي يستخدم العنف، قبل كل شيء.
*الاتحاد: سؤال أخير ما رأيك بما يسمى شرف العائلة؟
طبعوني أبو دبي: القتل، على خلفية هذا الموضوع، أقسى أنواع العنف وكثيرا ما تقتل المرأة لمجرد الظن بسلوكها. 90% ممن قتلن بحجة ما يسمى شرف العائلة ثبت بعد تشريح جثثهن محافظتهن على البكارة. ويطرح السؤال هل الشرف مرتبط بجزء معين من جسد المرأة؟! احد المحققين قال خلال قضية معينة إنّ "العرب يعيشون في عصر الجاهلية فليستمروا في ذلك!"، ونحن كمجتمع عربي فلسطيني له عاداته وتقاليده ليس بالضرورة ان نصبح مجتمعا غربيا لكن المرأة كثيرا ما تكون ضحية هذه الوضعية الاجتماعية.
فتحي مرشود مدير مكتب شتيل في الشمال وخبير في الاستشارة التنظيمية ودعم الجمعيات من اجل التغيير الاجتماعي.
* الاتحاد: لماذا أنت هنا؟
مرشود: قبل 15 عاما جاءت مجموعة صغيرة من النساء والفتيات وقلن إنّ الوقت حان للتعامل مع قضايا مغلقة اسمها قضية العنف ضد المرأة، وضد الإنسان بشكل عام بمنظار آخر. وعَمِلنا سويا حتى خرجت الفكرة إلى مشروع والى جمعية والى تحويل المتطوعات الى مُنَظِمات والى قائدات ومن ثم إلى كيفية تمويل الجمعية ودعمها. واليوم يسعدني أن أشارك بمثل هذه الأمسية، خاصة وقد رافقت الجمعية منذ تأسيسها الى اليوم واعرف الكثير عن نشاطاتها.
*الاتحاد: وما أهم هذه النشاطات؟
مرشود: وضع قضية المرأة على صعيد الأجندة العامة وأمام الجمهور رغم عدم تناول الصحافة للموضوع بشكل ملائم. النساء المعنفات ـ اليوم ـ يجدن إطارا لدعمهن وحل مشاكلهن، والجمعية أخذت قضية المرافعة الجماهيرية ضد السياسة المنتهجة لتغيير سياسة الحكومة نحو قضايانا وقضايا المرأة بشكل عيني ورفع الضيم عنها. وتَحَقق الكثير في هذا المجال، أضف إلى ذلك أن الجمعية أصبحت عنوانًا يتم استشارتها من قِبل بعض الجمعيات في فلسطين وفي الدول العربية وحتى في الشرق الأوسط والقياديات مثل عايدة توما وغيرها أصبحن فعالات في اطر نسائية عالمية.
* الاتحاد: كيف تُعَرِف العنف؟
مرشود: هدف العنف تحجيم وتهميش وتقزيم الآخر وهو غير مقتصر على المرأة فنراه في المدارس وبين الحمائل وينتج عنه العنف الجسدي ويعني الضرب وغيره والعنف الكلامي التوبيخ والصراخ وما الى هذا في اتجاه شخص آخر والعنف النفسي مكونا من كل هذه الامور ووضع انسان ما في الزاوية السماح له بممارسة حياته بشكل لائق.
* الاتحاد: هل هناك عنف من النساء ضد الرجال؟
مرشود: ربما ولكن بنسب قليلة جدا كون مجتمعنا مجتمع رجولي وذكوري.
*الاتحاد: ماذا يعني لك ما يسمى "شرف العائلة"؟
مرشود: لا أومن بكل موضوع شرف العائلة، فهو يفسر ويمارس بشكل فظيع ويجب التصدي له والتخلص منه تماما. بالنسبة لي شرف العائلة يترجم بأن تكون المرأة عاملة ومهتمة بمصدر رزقها وبتعليم أولادها.. فهذا هو الشرف. وليس الشرف اتهام صبية او امرأة بأنها أحبت شخصا ما وتحميل جسد المرأة بهذا الأمر شي خاطئ. أحيانا تقتل المرأة على يد الأخ أو احد أفراد العائلة لمجرد الشكوك بسلوكها الخاص والفردي وحقها على جسدها. جمعية نساء ضد العنف وجمعيات نسوية فلسطينية أخرى تعمل على هذا الموضوع بالاهتمام كبير.
المحامية ناهدة شحادة رئيسة جمعية نساء ضد العنف تحدثت عن معاناة المرأة وإمكانيات مساعدتهن من خلال المرافعة عنهن في المحاكم ولنيل حقوقهن الاجتماعية واستيعابهن في مأوى النساء المعنفات ومن ثم إلى الدار الانتقالية وبعدها الى بيوت مستقلة.. والمحامية شحادة من مؤسسات جمعية نساء ضد العنف وكانت شاهدة على الكثير من الحالات غير الإنسانية الموجهة ضد المرأة. وقالت إنّ "هناك نساء وصلن الينا وهن ينزفن دما نتيجة عنف الزوج وضربه وتعذيبه لها. وهناك من هربن من بيوتهن والخطر يتهدد حياتهن وهن بدون حذاء وبملابس ليلية. وهناك من كن يصلننا عن طريق الشرطة او مكاتب الشؤون الاجتماعية حتى لا يبقين في الشوارع. ولا تنس ان الإحصائيات الرسمية في الدولة تقول ان هناك 200 ألف امرأة مضروبة في المجتمع عامة مع ان الأرقام أكثر بكثير من ذلك، حيث الكثيرات لا يتقدمن بأية شكوى رغم كل معاناة. وهناك من يعتبرون العنف ضد المرأة حقًّا للرجل. وكثيرا ما تستسلم النساء الى هذا الاعتقاد وبدوري انصح كل امرأة ان لا تصمت وعليها ان ترفض بشدة أي نوع من العنف وان تضع للأمر حدا من (أول كف) فهي إنسان مثله وجمعيتنا تقدم خدماتها المجانية بجميع مراحلها لأية امرأة بحاجة الى مساعدة".
وأنهت المحامية شحادة حديثها بالقول: "أود التنويه إلى أن الكثير من الرجال يحترمون زوجاتهم ويعيشون في أسرة سعيدة باحترام ومساواة وعندما نتحدث عن الموضوع فهذا لا يعني، أيضا، أن كل امرأة، هي معنفة".
جعفر فرح مدير مركز مساواة وصحافي
*الاتحاد: لماذا لا يعطي الإعلام موضوع العنف ضد النساء حقه؟
فرح: هناك دور مركزي للإعلام في طرق قضيا يغلق عليها المجتمع وأصبحت ظواهر مقلقة ومنها العنف ضد النساء والتميز ضدهن وتهميش دورهن، ويحاول الإعلام ان يتحاشى هذه القضايا ويخشى طرق مثل هذه المواضيع ويبقيها داخل البيت رغم أهميتها.
*الاتحاد: لماذا؟!
فرح: لأن الإعلام بشكل عام يعتقد ان الموضوع غير جذاب للقراء وكل قضية فيها إشكالية أما أن تقوم الصحافة والإعلام عامة بتجميلها او بتجاهلها.
* الاتحاد: ألا يوجد في هذا الموضوع بينَ بينْ؟
فرح: يوجد مثل هذا، لكن له ثمن حيث المطلوب إجراء تحقيقات صحافية ووضع القضايا المركزية على الطاولة ويتطلب طاقات وكوادر وجرأة وفي كثير من الحالات الإعلام يفضل ان لا يضعها على المحك وفي الوقت نفسه يتناول الاتجاه الاخر من العنف بكل جدية.. فهناك اقتتال داخلي وتكاد لا تخلو قرية او مدينة عربية من هذا العنف وأحيانا تتحول إلى شبه حروب أهلية. ما حدث في المغار وما يحدث في الطيبة والطيرة. في بعض الأمكنة هناك إطلاق نار شبه يومي حتى على خلفيات سياسية، وكثيرا ما تصبح قضية ربما تكون بسيطة الى خبر عاجل.
* الاتحاد: هل تدفع بعض النساء ثمن مثل هذا الواقع؟
فرح: نعم بعض ما تدفعه النساء والعنف ضدهن هو ثمن لبعض هذا الاقتتال الداخلي في المجتمع.
* الاتحاد: هل برأيك الرجل أيضا مسؤول عن ما يسمى بشرف العائلة؟
فرح: شرف المرأة او شرف العائلة هو ليس قضية جسدية وإنما قضية قيمية تحولت بسطحيتها الى قيمة جسدية. الحفاظ على الشرف مهم ولكن ليس بالمعنى الجسدي وإنما بالمعنى الإنساني بمحافظة المرأة على جسدها من الاغتصاب والتنكيل والانتهاك نحن دائما نتحدث عن المرأة لكن المسؤول عن الانتهاك هو الرجل..
بقي أن نقول بأن موضوع العنف ضد المرأة والقتل بحجة ما يسمى شرف العائلة.. يجب ان لا يقتصر على الجمعيات النسائية وإنما واجب الهيئات الرسمية على مستوى الجماهير العربية عموما والمجالس المحلية والجمعيات وغيرها من اطر وضع هذا الأمر على أجندة عملها في سبيل مجتمع راق معافى من كل هذه الشوائب وكطائر لا يطير إلا بجناحيه.
تقرير: مفيد مهنا
السبت 19/7/2008