حزبنا الشيوعي يُحيي 90 عامًا من النضال:
ذكريات خِتيار لم تمُتْ أجياله (28)



*عرضت عليّ قيادة الحزب والشبيبة في منطقة الناصرة السفر للتعلم لمدة سنتين في الاتحاد السوفييتي* كان المعهد الذي سوف يستضيفنا هو معهد "العلوم الاجتماعية" المسمى على اسم "لينين"* كنت عندما عرفت أنه تقرر بشكل نهائي أننا سنسافر الى الاتحاد السوفييتي قد اشتريت كتابا لتعلم اللغة الروسية* في اليوم الاول من وصولنا الى موسكو طلبنا ان نرى الكرملين والساحة الحمراء*

 

بعد ان امضيت ما يقارب السنة والنصف في التفرغ الكامل للعمل الحزبي وبشكل خاص العمل في فروع الشبيبة الشيوعية والعمل بين الشباب بشكل عام، شعرت بأهمية هذا العمل وهذا الدور الخاص الذي يجب ان نقوم به وضرورة تعميقه وتطوره لأن الشباب هم المستقبل لكل شعب وللحزب الذي يريد ان يخدم بصدق قضية شعبه ووطنه. وعلى هذا الاساس بدأت العمل بشكل مثابر اكثر من اجل ان اطلع اكثر على الفكر الماركسي اللينيني. وبناء على ذلك بدأت في وضع برنامج خاص للقراءة الذاتية ليس فقط الكتب الماركسية بل أيضا قراءة كتب أدبية وكتب اخرى لمفكرين من أمثال مارون عبود وحنا مينه وغيرهم من الأدباء العرب والأجانب وخلال نشاطي هذا وتفكيري في هذا الاتجاه لزيادة التثقيف الذاتي.
واذ بقيادة الحزب والشبيبة في منطقة الناصرة تعرض علي عرضا مغريا وهو السفر الى الاتحاد السوفييتي لدراسة السياسة لمدة سنتين في احد المعاهد في مدينة موسكو عاصمة الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت. وطبعا قبلت هذا العرض بحماس شديد، من دون أن أستشير أحدا من اهلي أو رفاقي في عرابة ولكن عندما ابلغت سكرتير الحزب في عرابة الرفيق ابراهيم شمشوم، بارك هذه الخطوط وشجعني عليها. وقبل أيام من السفر أبلغت والدي ووالدتي واخواني بقراري هذا لكنهم  حاولوا إقناعي أن أبقى في البلاد، وأن لا أسافر لأن والدي، الذي كان قد تخطى الثمانين من عمره، قد بدأت تظهر عليه علامات المرض ولكن في النهاية وافق معي ورافقني هو ووالدتي الى المطار حيث خرجنا في أواخر شهر اب من سنة 1966 أنا مع مجموعة من الرفاق  اليهود والعرب الى الاتحاد السوفييتي، وبالذات الى موسكو العاصمة السوفييتية التي كانت في ذلك الوقت قبله القوى التقدمية في العالم أجمع.
وكان المعهد الذي سوف يستضيفنا هو معهد "العلوم الاجتماعية" المسمى على اسم
"لينين". في الحقيقة فإنّ هذه الفرصة كانت من فرص العمر التي يحلم بها اي انسان  في ذلك الوقت. الواقع انني لم احلم بمثل هذا الشيء العظيم ولكنني لا شك كنت قد حلمت بزيارة الاتحاد السوفييتي زيارة خاصة لأتطلع أكثر على هذا البلد العظيم بلد ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى، ولكن جاء بالاضافة لهذا الحلم شيء أكبر وأعظم الا وهو الإقامة هناك لمدة سنتين ودراسة سياسية وفكرية ودراسة الفكر الماركسي اللينيني والتعمق أكثر فأكثر في هذا الفكر الانساني العظيم.
 كنت عندما عرفت أنه تقرر بشكل نهائي أننا سنسافر الى الاتحاد السوفييتي قد اشتريت كتابا لتعلم اللغة الروسية. وفي الحقيقة إنني استفدت كثيرًا من هذا الكتاب حيث عرفت أحرف اللغة الروسية وحفظت عددًا ليس بقليل من الكلمات الروسية الامر الذي ساعدني كثيرًا هناك. وأذكر انه عندما كنت أسافر في القطار الأرضي كنت أنجح في قراءة أسماء المحطات التي أريد السفر اليها باللغة الروسية.
لقد خرجنا في ذلك الوقت مجموعة من الرفاق اليهود والعرب بقيادة طيبي الذكر الرفيقان عبد الحميد أبو عطية من الطيبة وتسيلا عيرم من حيفا وكنا مجموعتان، مجموعة للدراسة لمدة ستة أشهر ومجموعة اخرى مكونة من الرفيقة اوديت نمر وأنا للدراسة لمدة سنتين. وكانت محطتنا الاولى هي مدينة فيينا عاصمة النمسا حيث بتنا هناك ليلة واحدة. ولكننا لم نفوت الفرصة على انفسنا ولذلك طلبنا من مسؤولي الفندق الذي نزلنا فيه ان يرتبوا لنا حضور حفلة لحضور ليلة من ليالي الأنس في فيينا كما تقوله المطربة الشهيرة أسمهان. وبالفعل كانت بالنسبة لنا كليالي الأنس الجميلة جدا التي تمتعنا فيها كثيرا وفي اليوم التالي أقلتنا الطائرة السوفييتية الى موسكو، وفي مطار موسكو كان في استقبالنا وفد من معهد العلوم الاجتماعية على اسم لينين مع مترجم  إلى اللغة العربية ومترجم آخر إلى اللغة العبرية. ومن هناك لم يأخذونا الى المعهد بل أخذونا الى احد القصور الذي كان يملكه أحد الأمراء في العهد القيصري والذي اصبح فيما بعد مصحا للعمال في عهد الثورة الاشتراكية.
وفي هذا المكان الجميل كان في استقبالنا طاقم طبي كامل أجرى لنا مختلف الفحوصات الطبية الضرورية، من اجل التأكد من سلامتنا الصحية، وكان هناك بعض الرفاق الذين نقلوا الى المستشفى لتلقي العلاج الضروري قبل أن نبدأ في الدراسة، وهناك أيضا التقينا بمجموعة من الرفاق اللبنانيين الذين جاؤوا لنفس الغرض وهناك بقينا عدة أيام أمضيناها في الفحوصات الطبية وفي الوقت نفسه كان هناك مجال أكثر للتسلية الذهنية والقيام بنشاطات رياضية.
وفي الواقع توفّرت في هذا المكان كل وسائل الراحة والتسلية الذهنية والرياضية. وبعد عدة ايام تمّ نقلنا الى مدينة موسكو وتحديدًا الى معهد العلوم الاجتماعية الذي يقع بين محطتي قطار الأنفاق ومحطتي "سوكل وأيروبيت". وهذا المعهد هو من الناحية الفعلية هو المدرسة الحزبية التي يؤمها الرفاق من مختلف الأحزاب الشيوعية في العالم الرأسمالي من آسيا وأوروبا وأمريكا وأفريقيا والأمريكيتين الشمالية والجنوبية واستراليا، وجميع هؤلاء الرفاق من هذه القارات والأقطار يأتون لتعميق فهمهم الفكري ومن اجل نقل هذا الفهم الى الشباب والناس في بلدانهم.
في اليوم الاول من وصولنا الى موسكو طلبنا ان نرى الكرملين والساحة الحمراء، وسوف آتي فيما بعد عن اهمية هذه الأمكنة التاريخية وعن الاحتفالات الي تجري هناك بشكل خاص في مناسبتين هامتين وهي الاول من ايار وثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى التي غيرت وجه التاريخ في ذلك الوقت.
وفي اليوم التالي بدأنا عمليا واقعًا جديدًا حيث بدأنا هناك في المعهد في تعلم اللغة الروسية بشكل بسيط والهدف هو ان نتمكن بمفردنا من إمكانية طلب حاجاتنا البسيطة بأنفسنا بدون مساعدة خاصة أو بالأحرى بدون مترجم مرافق وكان ذلك في البداية خلال أسبوعين فيها فقط تعلمنا اللغة الروسية، ولكننا استمرينا من الناحية العملية في اخذ الدروس في اللغة الروسية خلال سنة كاملة مرتين في الأسبوع.
في الأسبوع الثالث بدأنا برنامجنا الدراسي في المعهد، وكان وفدنا وقد قسمنا إلى عدة صفوف، الرفاق الذين جاءوا للدراسة لستة أشهر قسموا على ما أذكر الى صفين، الرفاق الذين يتعلمون اللغة العربية في صف والرفاق الذين يتكلمون اللغة العبرية في صف آخر، ونحن الرفاق اوديت نمر وانا كنا في صف آخر لوحدنا ولكن وبعد فترة قصيرة انضم الينا الرفيق ابراهيم زكريا من الحزب الشيوعي السوداني وكان عضوا في المكتب السياسي للحزب. وقد اصبح فيما بعد سكرتيرا عاما لاتحاد النقابات العالمي والذي كان مقره الدائم في مدينة براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا وبقي في منصبه هذا حتى وفاته في أوائل التسعينيات.
وهكذا أصبحنا مجموعة مكونة من ثلاثة رفاق في هذا الصف الدراسي.
وفي الحقيقة انه خلال فترة قصيرة جدًا تعرفنا على طباع بعضنا البعض وأصبحنا مجموعة منسجمة جدا حيث توثقت بيننا العلاقات الرفاقية الطبية والتي اصبحت أيضا علاقات صداقة شخصية متينة بيننا. ولكن منذ ان افترقنا عن بعضنا لم التق بالرفيق ابراهيم زكريا الا بعد عشرين عاما حيث زرته في مقره في مدينة براغ وكان لقاء حارًا بيننا.
كانت المواضيع التي بدأنا بدراستها مواضيع هامة جدا مثل الفلسفة الماركسية اللينينية، وبعض الفلسفات البرجوازية وكذلك الاقتصاد السياسي، وتاريخ الحركة الشيوعية العالمية، بالإضافة الى تاريخ الحزب الشيوعي السوفييتي، ولا شك انها مواضيع هامة وصعبة بالنسبة لي، ولكن كان من الواجب علينا ان نتغلب على جميع الصعوبات التي تواجهنا، خاصة وان الفرصة والجو العام هناك يعطي كل الامكانيات للتغلب على الصعوبات التي يمكن أن تنشأ خاصة وان المكتبة العامة الموجودة في المعهد غنية جدا وتحتوي على كل ما تريده وتطلبه من المصادر العلمية الدراسية الموجودة بمختلف اللغات العالمية واذا تعذر وجود مصدر ما فبإمكانك ايجاده في "مكتبة لينين" (إحدى أضخم المكتبات في العالم) وهذا الواقع يعطي المجال الكبير للدراسة الهادئة والهادفة في الوقت نفسه.
ان هذا الجو كان قد فرض علينا أن نتعامل مع الواقع الذي نعيشه وأن نكون طلابا بكل معنى الكلمة، حيث كان يفرض علينا أداء وظائف يجب على كل منا أن يحضرها بشكل جيد، وكان المعلم أيضا يعطينا المصادر التي يجب قراءتها من اجل تحضير المادة كما يجب وتقديمها أمام المعلم المختص في الموضوع حيث كان لكل موضوع مدرسه الخاص. وبالإضافة الى المدرس كان دائما مترجم يجيد اللغة العربية لأن دراستنا كانت باللغة العربية وكل وفد كان يدرس بلغة الام ولا شك إن هذا الامر هون علينا كثيرا وأعطانا كل إمكانيات النجاح في مهامنا الدراسية.

(يتبع)

توفيق كناعنة
السبت 19/7/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع