تشكيل حكومة وحدة وطنية في لبنان
الحريري يقتدي بـ»حزب الله« بتفضيل الحلفاء ... والسنيورة شريك ثالث ... وفي اليوم الخامس والأربعين، ولدت الحكومة اللبنانية الثالثة والثمانون، منذ إعلان دولة لبنان الكبير في العام ،١٩٢٦ بتلاقي إرادات وموازين قوى داخلية وإقليمية ودولية، على عدم تأخيرها يوما واحدا، حتى يتسنى للرئيس اللبناني ميشال سليمان أن يقوم بأول زيارة خارجية، اليوم، مستظلا بفيء حكومة الوحدة الوطنية، ترجمة للبند الثاني من بنود اتفاق الدوحة، وليبدأ معها العد العكسي لتنفيذ البند الثالث والأهم، المتعلق بالقانون الانتخابي. ولدت »حكومة الانتخابات«، بأسمائها وحقائبها وتوازناتها وتناقضاتها ومصائبها وفوائدها.. وصلاحيتها الزمنية المحددة بعشرة أشهر غير قابلة للزيادة أو النقصان. ولدت أول حكومة تتسم بتوازنات دقيقة، سياسيا وطائفيا، منذ الطائف حتى الآن، وبدت فيها الكتلتان السياسيتان الأكبر حجما وامتدادا، وهما »حزب الله« و»تيار الحريري«، الأقل تمثيلا فيها لمصلحة حلفائهما، وخاصة المسيحيين، ذلك أن المعركة الانتخابية المقبلة، »ستكون مسيحية بامتياز«. إنها حكومة اتفاق الدوحة، ولو أن الرئيس المكلف وفريقه السياسي قد أداروها بذهنية مختلفة كما قيل في حينه، لأمكن الحد كثيرا من الخسائر، سواء في قضية الحقائب، التي رفض نبيه بري المس بها شيعيا، ما عدا »إهداء« الزراعة لميشال عون، أو من خلال اعطاء »حصة الأسد« لميشال عون، مع أن الأخير ارتكب هفوة غير بسيطة عندما فضّل الاتصالات على العدلية تاركا إياها لـ»القوات اللبنانية« وما أدراك ما هي ملفات هذا التنظيم أمام القضاء اللبناني من قضية اغتيال سمير زينون الى وزير العدل الجديد نفسه... من دون اغفال ما ستكون عليه قضية التشكيلات القضائية الجديدة، في ظل نفس استئثاري بدأت تطل ملامحه في إطار التمهيد لـ»العهد التاريخي الجديد« الزاحف نحو »العدلية«! وإذا كانت الحكومة الأولى للعهد الجديد، تحتاج الى قراءة مستفيضة، فإن القراءة السياسية الأولية تفضي الى الاستنتاجات الآتية: أولا، نجح رئيس الجمهورية، نسبيا في حماية انطلاقة عهده عندما أصر على التسريع في التأليف، قبل سفره الى باريس، وهو جعل الحكومة الجديدة، هدية عرس كريمته، حيث تحلقت من حول أسرته، الأسرة الحكومية الجديدة، وبينها وزيرا الداخلية المحامي الشاب زياد بارود (٣٨ سنة) ووزير الدفاع الياس المر ووزير الدولة جو تقلا، وهي أسماء تبدو »أطيافها« معبرة، عما هو أبعد من القصر الجمهوري! لقد بات رئيس الجمهورية الآتي من المؤسسة العسكرية مُذخرا بصيت القائد والعقيدة الوطنية والحرب ضد الإرهاب ومقاومة الاحتلال والإمساك بقرار الأمن الوطني، المؤتمن الأول على ملف الأمن والعملية الانتخابية التي سيشهدها لبنان في ربيع وصيف العام ٢٠٠٩ والتي ستفرز وقائع سياسية تحدد من هي الأكثرية والأقلية في المرحلة الممتدة حتى العام .٢٠١٣ وإذا كان المأخذ على رئيس الجمهورية، أنه سمح للآخرين أن يسألوا عن حصته، بينما هو لم يدقق ببعض الأسماء ومنها خصوصا وزير العدل الجديد، ما يجعل السؤال المقلق لماذا لم يقدم رئيس الجمهورية على إبلاغ المعنيين رفضه توقيع مرسوم حكومة قررت »القوات« أن تستولي فيها على حقيبة العدلية؟ ثانيا، تمكن الرئيس فؤاد السنيورة من حصد النسبة الأكبر من المقاعد في معسكر الموالاة، حتى صح القول إنها حكومته الأولى فعليا، في ظل تغطية إقليمية ودولية، أكسبته، عدا مقعده، خمسة مقاعد على الأقل ذهبت لكل من مستشاره الدكتور محمد شطح (مالية)، المصرفي اللبناني الكبير ريمون عودة (وزارة المهجرين)، طارق متري (الاعلام)، جان أوغاسبيان (دولة)، عدا عن »خطفه« في الساعات الأخيرة مقعدا وزاريا لمصلحة خالد قباني، لكن على حساب الزميل نهاد المشنوق! فقد أبلغ المشنوق صباحا ومن قبل أكثر من جهة، توزيره عن بيروت، قبل أن يفاجأ لاحقا بما جرى في السرايا الكبيرة، عندما كان الرئيس المكلف مجتمعا بالنائب سعد الحريري الذي دعاه الى تجاوز عقدة توزير القومي علي قانصو، فما كان من السنيورة الا أن أجابه »أقبل بقانصو لكن شرط شطب نهاد المشنوق لمصلحة خالد قباني«! وكانت النتيجة أن الرئيس المكلف، قدّم، عبر هذه الخطوة، »انتصارا« وهميا غير محسوب للمعارضة بفرض قانصو عليه، وفوّت على الحكومة أن تطل على جمهور العاصمة بوجه بيروتي مستقل. وإذا كان السنيورة بارعا في الحسابات والأرقام، فإن إدارته للملف الحكومي، لم تكن موفقة بشهادة معظم فريقه السياسي، بدءا باستدراجه الى لعبة الحقائب والأسماء من جانب ميشال عون، وصولا الى معركة علي قانصو الخاسرة مئة بالمئة. ثالثا، في المقابل، أثبتت المعارضة من خلال إدارة »ملفها«، وخاصة عبر الإدارة الذكية من جانب »حزب الله«، قدرتها على تحقيق إصابات في مرمى الفريق الآخر، ولو أنها ضيّعت وقتا كثيرا (حوالى الأسبوعين بين اقتراح النائب حسن فضل الله وقبوله من جانب العماد عون)! وهكذا أمكن لميشال عون، وعلى قاعدة توازنات فرضها حلفاؤه، وخاصة »حزب الله«، أن يحقق مكاسب مسيحية نوعية بعد معركة تفاوضية صعبة، مع الرئيس المكلف فؤاد السنيورة، لم تقتصر نتائجها الايجابية عليه، بل طالت مفاعيلها تحسين تمثيل مسيحيي الموالاة، الذين نالوا في حكومة السنيورة ـ ،٢٠٠٥ ومن ضمنهم »القوات« و»الكتائب«، نصف ما نالوه في الحكومة الحالية مع أن ميشال عون أقصي عنها وقتذاك لأنه طالب بحقيبة العدلية! رابعا، لقد أثبت النائب سعد الحريري، أنه مفاوض قادر على إدارة ملفه السياسي، بطريقة مختلفة واستثنائية هذه المرة، حيث اعتمد، القاعدة نفسها التي اعتمدها خصمه »حزب الله«، في التعامل مع الحلفاء، ولو أن هناك فارقا بين موقعي الطرفين في مرحلة ما بعد ٧ أيار. فقد بدا أن »الحصة الحريرية« محصورة الى حد كبير بالنائبة بهية الحريري التي باتت تمثل الرئيس الشهيد رفيق الحريري على طاولة مجلس الوزراء، علما أن النائب الحريري كان يرغب منذ اللحظة الأولى بتوسيع دائرة التمثيل السني في الحكومة عبر ضم النائب السابق تمام سلام إليها (ردا على مقولة إقفال البيوتات السياسية التاريخية في العاصمة) وكذلك عبر إدخال »الجماعة الإسلامية« لكنه لم يفلح في ذلك، بسبب ارتفاع سقف مطالب الرئيس المكلف.. وقد سحب هذا الأمر نفسه، تغييبا لتمثيل سنة الأطراف في عكار والمنية والضنية والبقاع الغربي وإقليم الخروب. وما يسري على التمثيل السني، يسري أيضا، على التمثيل المسيحي، حيث قرر الحريري مرغما »التضحية« بأحد أركان فريقه السياسي منذ الرابع عشر من شباط ،٢٠٠٥ النائب السابق غطاس خوري، لمصلحة النائب السابق نسيب لحود الذي شكل توزيره مخرجا لأزمة تفجرت داخل »قرنة شهوان« التي أعيد إحياؤها على عجل »غب التوزير«! خامسا، بينما تمكن »تكتل التغيير والإصلاح« من الفوز بأربع حقائب مهمة (اتصالات وشؤون وطاقة وزراعة عدا عن موقع نيابة رئاسة الحكومة)، فإن مسيحيي الموالاة، بدوا مشتتين وغير قادرين على إنتاج موقف موحد، حتى بلغ بهم الأمر تقاسم الوزير الواحد كما حصل مع ابراهيم نجار (نصفه قواتي ونصفه الآخر كتائبي). وقد افتقد مسيحيو الموالاة للعقل المفكر والمظلة السياسية الجامعة، حيث طغى على أدائهم، منطق الثأر والانتقام ونصب الأفخاخ، فإذا بمنصور غانم البون يتقدم بترشيحه على نائلة معوض، ليقطف من بعدهما نسيب لحود، لحسابات انتخابية متنية شمالية، في ما بدا أنه »جائزة ترضية«... وحسنا فعل لحود أن رفض إسناد وزارة البيئة، ليضيف بذلك الى رصيد »القوات« حقيبة ثانية مع العدلية، بينما حصلت الكتائب على وزارة السياحة وجيّرتها لرئيس إقليم زحلة الماروني إيلي ماروني لاستخدامها زحلياً في المعركة التي ستشهدها زحلة في الانتخابات المقبلة.. سادسا، لقد »تواضع« النائب وليد جنبلاط حكوميا، مكملا منطق التواضع السياسي الذي حكم سلوكه منذ ما بعد السابع من أيار الماضي، فإذا بحصته تتراجع نسبة لما كانت عليه في الحكومة السابقة، لكنه استطاع تعويض خسارة حقيبة الاتصالات بربح معركة حقيبة الأشغال التي كان كثيرون يطمحون إليها في الموالاة والمعارضة، كما استطاع أن يلعب في ملعب المعارضة، سواء بقبوله بترشيح طلال أرسلان للوزارة وإصراره لاحقا على إسناد حقيبة إليه، عن طريق تسمية وائل ابو فاعور وزير دولة، مما حتّم نقل وزارة الشباب والرياضة من علي قانصو الى أرسلان الذي اتصل به وشكره على دعمه له! كما استطاع جنبلاط أن »يزكزك« صديقه الرئيس نبيه بري من خلال تمرير طرحه المتعلق بتوزير ابراهيم شمس الدين على حساب عضو كتلة المستقبل النائب غازي يوسف، وهو الأمر الذي جعله يساهم أيضا في وصول المصرفي الكاثوليكي اللامع ريمون عودة بشكل غير مباشر الى الوزارة من خلال »الفيتو« الذي وضعه على الكاثوليكيين ميشال فرعون وسليم وردة، وذلك ردا على مطالبة الحريري له بسحب نعمة طعمة عن المقعد الكاثوليكي! سابعا، من الواضح أن انجاز تأليف الحكومة الجديدة، قد نقل لبنان عمليا نحو مرحلة سياسية جديدة، يفترض أن تترك تداعياتها الايجابية أيضا على مجمل العلاقات الداخلية، حيث سيكون لبنان بدءا من يوم الاثنين المقبل، على موعد مع أسبوع سياسي حافل عنوانه احتفال لبنان بالعرس الوطني الكبير المتمثل بإطلاق سراح آخر الأسرى اللبنانيين ومئات جثامين المقاومين اللبنانيين والعرب، فضلا عن عشرات الأسرى الفلسطينيين. ولن يكون بمقدور القوى الوازنة مثل »حزب الله« و»تيار المستقبل«، الانخراط في المرحلة الجديدة وإعادة تشكيل المشهد السياسي والاقتصادي، الا عبر مد جسور ثقة، أبرزها بين الأمين العام لـ»حزب الله« السيد حسن نصر الله والنائب سعد الحريري، حيث سيلتقيان على الأرجح في عرس الأسرى، وكذلك عبر دور تستطيع أن تلعبه النائبة بهية الحريري بخطابها وبرنامجها ضمن مجلس الوزراء وخارجه في المرحلة المقبلة. السبت 12/7/2008 |