مررت في زيارتي الأخيرة للبلاد، بقرية عربية في الجليل مهجورة، لم يبق من معالمها سوى الأطلال وشجرة تين وحيدة، لا زالت تحمل ثمراً بعد أكثر من خمسين سنة من الهجران، فناشدتها قائلاً:
في بلادٍ غادرَ السعدُ ثراها وملا البؤس سهولها ورباها
وغَدَت أهاليها بدارةٍ غريبةٍ فاستوطن البوم البغيض قُراها
نعق الغرابُ على سطوح بيوتها ناح الحمام مشرّداً بسماها
ورجعت في يومٍ ربيعٍ مشرقٍ نحو البلاد لأستشمّ هواها
ولأستعيد ولو للمحةِ ناظرٍ ذكرى الطفولة لا ولن أنساها
فمررت في سعيي بساحة قريةٍ مهجورة الأحياء مثل سواها
زيتونها صبّارها وحقولها أمست بقايا لا تُرى ذكراها
ذبُلَت كروم التين في أرجائها جفّت عيون الماءِ في ودياها
وأجلتُ من شوقٍ وحرقة حائرٍ طرفي إلى قمم التلال وراها
فرأيت عن بعد خيال شجيرةٍ ثبتت لعصف الريح ما أقواها
ودنوت من لهفٍ إليها سائلا عن أهل بلدتها وماذا عراها
قالت وقد هزّ الحنين غصونها واغرورقت بدموعها عيناها
خمسون عاماً قد مضت وأنا هنا أرجو الأهالي عودةً ألقاها
لا زلت أحمل كل عامٍ موسماً تيناً ليأكل من يزور حماها
كفكفت دمعي ثم قلتُ مهللاً يا تينةً سبحان من سوّاها
أنتِ المناضلة الوحيدة ها هنا مرّ الليالي السود ما أضناها
يا تينةً أنت الشعار لغربتي هل لي أعود لعيشةٍ أهواها
وأكلتُ من تينِ الشجيرة حبّةً لأُعيد ذكرى أمس ما أحلاها
الجش - امريكا
كريم شحادة اسحق*
الأربعاء 9/7/2008