من الخطورة أن نراهن عما يجول في الأروقة العسكرية الإسرائيلية في هذه الأيام من سيناريوهات في مسألة التعامل الإسرائيلي مع إيران، خاصة على ضوء الأنباء التي تتوارد حول استعدادات ونوايا إسرائيلية لمهاجمة إيران في غضون أشهر، مقابل حسابات الربح والخسارة الاستراتيجية في هجوم كهذا.
إلا أن كثرة انشغال الإعلام العالمي في هذه القضية، وما ينجم عنها من انعكاسات سياسية على المستوى العالمي، وأيضا في أسواق النفط، يستدعي تسليط الضوء على الحسابات الإسرائيلية، ولكن أيضا الإلتفات إلى احتمال ان من خلف هذا النشر توجد حرب "عالمية" متسترة، تستهدف أسواق النفط.
بداية وبناء على أحد أهم المبادئ الذي يوجه السياسة الإسرائيلية، وهو الحفاظ على تفوق عسكري في المنطقة، ومنافسة قوى عالمية، فإنه لا شك في أن إسرائيل قلقة من تعاظم القوة العسكرية الإيرانية، على الأقل حسب ما نسمعه حول هذه القوة، من تقارير إيران ذاتها وأيضا تقارير عالمية، لتضاف إليها قوة نووية عسكرية، لا يمكن الرهان على صدقها اعتمادا على تقارير إسرائيلية وأميركية.
وفي المقابل فإن إسرائيل تعرف أن العالم تغيّر كثيرا في السنوات السبع والعشرين الأخيرة، منذ أن قصفت إسرائيل المفاعل النووي العراقي، دون أن يكون هناك رد، والحساب الأكبر في إسرائيل اليوم هو أن أي هجوم على إيران لن يبقى من دون رد إيراني، وحتى في المؤسسة الإسرائيلية من يراهن على انضمام حزب الله اللبناني، لتكون بداية حرب إقليمية قد تشمل عدة دول إقليميا وعالميا.
ولهذا فإن قادة إسرائيل يكثرون في ترديد مقولة أن ما يسمى "بالتهديد الإيراني" لا يمس بإسرائيل وحدها بل العالم، وفي محاولة لتجنيد رأي عام عالمي ضد إيران في هذه المرحلة، سعيا نحو إقامة تحالف عسكري عالمي لضرب إيران.
كذلك فإن إسرائيل تسعى إلى اتباع نموذج التعامل العالمي مع العراق في العقد الأخير من القرن الماضي، وحتى العام 2003، بمعنى أن تتصاعد العقوبات على إيران إلى مستوى فرض حصار شديد لضرب المقومات الإيرانية الداخلية، ولكن هذا سيؤدي حتما إلى تراجع في كميات النفط المتدفقة على الأسواق العالمية مما سيزيد من أزمة النفط القائمة حاليا.
إلى ذلك فإن هناك سؤالا من الضروري طرحه بشأن هجوم إسرائيلي على إيران، متعلق بمدى جاهزية الرأي العام الإسرائيلي، وأيضا المؤسسة الإسرائيلية بشقيها العسكري والسياسي. فما يجدر توضيحه، هو أن هجوما كهذا لا يمكن أن يكون منحصرا في اعتبارات حزبية لهذه الحكومة أو تلك، أو لهذا الزعيم وغيره، فالقرار سيكون منحصرا بالدرجة الأولى، وعلى الأغلب كليا في المؤسسة العسكرية، وبتنسيق وثيق وكامل مع الإدارة الأميركية ومؤسستها العسكرية.
ومن يتابع الأجواء العامة في الشارع الإسرائيلي لا يمكنه أن يلحظ تلك الحماسة الزائدة لشن حرب على إيران، أو حتى غيرها، خاصة وأن الشارع الإسرائيلي لم ينس بعد صدمته في الحرب على لبنان.
أضف إلى هذا أن الشارع الإسرائيلي يتلقى باستمرار تقارير حول شكل الرد الإيراني المحتمل على هجوم إسرائيلي، أو حتى عالمي، مقابل تقارير ترهيب حول مدى "خطورة التهديد الإيراني على الكيان الإسرائيلي"، كما تعرضه المؤسسة الإسرائيلية، وهذا بحد ذاته يعكس طبيعة النقاش الدائرة في الأروقة الإسرائيلية ذات الشأن، وبالتالي فإنه يخلق بلبلة من الشارع الإسرائيلي، تنعكس في استطلاعات الرأي التي لا تعطي جوابا حازما بشأن مدى القبول بهجوم على إيران، إذ أن نسبة المؤيدين تتراوح بين 30% إلى أقل من 40%.
واعتمادا على تقارير "الخطورة الإيرانية"، فإن الحكومة الإسرائيلية، وخاصة وزارة الحرب فيها، ملزمة بالقيام بخطوات في الجبهة الداخلية قبل هجوم كهذا، والواجهة العريضة لهذا الاستعداد هي توزيع جديد للكمامات (الأقنعة) الواقية من الغازات، والمشهد الملازم للاستعدادات الإسرائيلية لحروب إقليمية، وبدأ في العام 1991 وتكرر ثلاث مرات، وتحرك كهذا يحتاج أسابيع طويلة، وحتى بضعة أشهر، وهذا ما لا نشهده في هذه الأيام، بل العكس فإن عملية جمع الكمامات من المواطنين، ما تزال متواصلة في هذه المرحلة.
ولكن للنشر العالمي حول هجوم إسرائيلي محتمل على إيران قد تكون أهداف أبعد من مجرد حسابات عسكرية لهذا الجانب أو غيره في العالم، والمقصود هنا أسواق النفط، والجهات المعنية بضرب أسعار النفط ورفعها في الأسواق العالمية، ولهذه الفرضية ما يساندها من تطورات في الشهرين الماضيين.
فقد شهدنا أنه في أعقاب تصريح كل "حربجي" لأي مسؤول إسرائيلي طرأ ارتفاع على سعر برميل النفط في غضون ساعات وبشكل غير طبيعي، ومن أبرز هذه التصريحات، ما ادلى به وزير المواصلات الإسرائيلي شاؤول موفاز، قبل نحو شهر، وهو من كان قائدا لأركان جيش الاحتلال ووزيرا للحرب، فقد قال في حينه ما معناه أنه ما من مفر من توجيه ضربة إلى إيران، ليقفز في حينه سعر برميل النفط من تحت مستوى 130 دولارا للبرميل إلى 138 دولارا في يوم واحد، وحتى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية أطلقت على ذلك "قفزة موفاز" في أسعار النفط.
وبعد أيام بدأ سعر البرميل يتراجع شيئا فشيئا، إلى أن تم الكشف عن مناورات عسكرية إسرائيلية فوق الجزر اليونانية، وقيل على لسان مصادر الكشف الأميركية، أن الهدف منها هو الاستعداد لضرب إيران، وحينها عاد سعر البرميل ليقفز متجاوزا حاجز 140 دولارا.
وبعد أيام سجل سعر البرميل تراجعا آخر، إلى أن ظهرت تصريحات لمصادر رفيعة في البنتاغون في الأيام الأخيرة، تدعي أن إسرائيل قد تهاجم إسرائيل قبل نهاية العام الحالي، والآن بتنا نشهد أن سعر برميل النفط يقترب من حاجز 150 دولارا.
وكما أنه من غير الممكن استبعاد أن تهاجم إسرائيل إيران على الرغم من الثمن الذي قد تدفعه، فإنه من الممكن أيضا عدم استبعاد فرضية أن النشر يستهدف بالأساس أسواق النفط وسعر البرميل، ولا يمكن إلا أن تكون إسرائيل مستفيدة من قريب وبعيد من السيناريوهين معا، خاصة على ضوء سياسة الصمت الرسمي التي تتبعها بعد كل نشر كهذا.
عن "الغد" الأردنية
برهوم جرايسي
الأحد 6/7/2008