في الخامس والعشرين من حزيران عام الف وتسعمائة وثمانية وتسعين بكت السماء وكان صيفا، تأوهت جبال وسهول هذا الوطن حزنا وصمتت كآبة، لأن قدمي هذا الفارس الذي جال فوقها سنوات وسنوات، لن تطأها ثانية، اشجارها وازهارها وورودها وأشواكها وزواحفها وطيورها كانت تألفه، لأنه أحبها وأعطى سنين ربيع عمره الذي ما انتهى لها.
أخي يوسف، ما أصعب أن أتحدث عنك بضمير الغائب فأنت حاضر في نفسي وذهني وأحاسيسي، لم تغب نصائحك وحكمك عني في ساعات كنت في أمس الحاجة اليها. أفتقدك كلما خطوت خطوة في مظاهرة او محاضرة أو ساحة نضال، فالمبادئ السامية كانت رايتك ونبراسك والتروي والتسامح والصبر على الشدائد كانت من ميزاتك، لم تندحر يوما ولم تتأفف رغم المرض الذي كان يفتت جسدك الذي اعتدنا عليه قويا صلبا شامخا كسنديان الوطن، لكنه فشل في كسر معنوياتك العالية حتى في أحلك الساعات وأقساها.
رحلة الألف ميل في حياتك لم تبدأ بميل بل بأمتار معدودة، لكنك شددت العزم وكافحت دون كلل أو ملل، بعزيمة لا تفل وارادة لا تقهر وافلحت في دراستك الجامعية وأصبحت مربيا قديرا وطنيا تشهد لك ساحات الكرمليت وصفوفها وخريجاتها وخريجوها، ادارتها وراهباتها، معلماتها ومعلموها. أعطيت بسخاء وكرم وحب أبوي عن معالم هذا الوطن وتاريخه وزرعت حبه في قلب كل طالب وطالبة، شرحت بحماس عن كل نبتة وشجرة وزهرة وأعطيت عن كل منها حكاية وقصة تمتع السامع وتحفر في أعماقه حبا لهذه الأرض الغالية، الأرض التي أردت أن تكون قريبا منها كل ساعة وكل دقيقة فبنيت لك ولعائلتك بيتا في مسقط رأسك البقيعة وزرعت أشجارًا وأزهارًا وكانت أمنيتك أن تجني ثمارها، لكن المرض القاسي لم يدعك وشأنك ولم تتمتع بها. وحنت عليك هذه الأرض بعد وفاتك، فها أنت ترقد في ثرى البقيعة الذي أحببت، هذاالثرى الذي كان وسيبقى فخورا بك ابنا عزيزا بارا، لأنك رفعت من شأنه ودافعت وذدت عنه.
عطاؤك العلمي لم يتوقف يوما ولم ينهل منه طلاب وطالبات الكرمليت فقط، فقد عمت فوائده مدارسنا العربية التي اتخذت من مؤلفك في المدنيات مرجعا هاما، وقدرت وزارة المعارف جهودك فأصبحت عضوا في لجنة وضع المناهج لموضوع المدنيات. أذكر بعد حرب أكتوبر عام ألف وتسعمائة وثلاثة وسبعين انجازك لكتاب شامل عن الحرب، لكن لضيق اليد لم يصدر وكان من الممكن أن يكون الأفضل من بين الكتب التي صدرت عن الحرب. في مجال المسارات الجغرافية أنجزت كتابا مزودا بالخرائط قبل مرضك بفترة قصيرة، لكنه لم ير النور.
أخي يوسف، عائلتك التي تركت مرغما أحبتك ولا تزال، زوجة مخلصة تابعت المسيرة مع وجدان وورود وأيمن فسارت بهم في طريق النجاح، وتخرجت وجدان وورود من الجامعات وهما تتابعان رسالتك التربوية والاجتماعية في مجالات تخصصهما، وأيمن يشق طريق النجاح خارج الوطن وسيعود لنا بشهادة الصيدلة محققا كأختيه ما رغبت أن يكونوا.
فاهنأ بهم وارعهم من عليائك.
ستبقى ذكراك خالدة الى الأبد
* نص الكلمة التي القاها نائب رئيس بلدية حيفا المربي اسكندر عمل في اليوم الدراسي الذي خصص للذكرى العاشرة لوفاة المربي يوسف صباغ.
اسكندر عمل
السبت 5/7/2008