حماس تخضع المقاومة والتهدئة لقوانين الحلال والحرام



وأخيرًا، بعد كفاح ودماء ودمار، كللت حماس المسيرة التي "خطفتها" وحظيت بالتهدئة، وامّنت عبر المعابر الطحين والزيت والمازوت وتجوال زعاماتها نهارا جهارا!!
والانتصار الاعظم هو "فرض" التهدئة في الضفة الغربية ايضا، هذه التهدئة لن تخرق الا اذا بدأت اسرائيل بالعدوان.. جلست مع نفسي ساعات نتجاذب اطراف الحديث، ولم يقطع الحوار بيننا الا نشرات اخبار متزاحمة كل نشرة تنطق على هو مالكها.. المهم، من الرابح ومن الخاسر مع هذه التهدئة؟ او، هل كانت اسرائيل تحلم بان يطوي الفلسطينيون شعارات المقاومة ويركنوا الى هدوء يتيح لها رسم حدودها على هواها؟ المستوطنات تزهو وتمتد اطرافها وتغوص جذورها عميقا عميقا، الاقتصاد ينمو والاستثمار من كل الدنيا يجري نحو اسرائيل، والصناعات العسكرية تكثف جهودها لحل مشكلة الصواريخ الفلسطينية وحماس بعد مائة عام من النضال الفلسطيني. تفرض على الشعب المحتل ان يهدأ.. وتكاد لو بعض بقايا خجل تقيم احتفالات مصر "مفرقعة" بنصر التهدئة هذا الذي انتظره الشعب الفلسطيني قبل نكبته وبعدها!! وقد يخرج علينا حمساوي غدا يؤكد وجود نصوص قرآنية تكفر من لا يؤدي التهدئة بكل اركانها، وكل فلسطيني لا يؤمن بالتهدئة تبطل صلاته وقد يصبح مرتدا في لاحق الايام. ولا نستغرب ان يستنبط حمساوي حديثا نبويا يجيز قطع يد حامل صاروخ!!
اصبح كل حديث جائزا في هذا الزمن الذي تفصل فيه الزعامات العربية مصلحة الشعب على مقاسها. قبل ايام فقط، او حتى يومنا هذا، تعيب حماس على فتح مفاوضاتها مع اسرائيل، تتهمها بالتفريط والتخاذل والعمالة رغم ان هذه المفاوضات ما زالت اقرب الى الفشل من أي احتمال آخر.. والمفاوض الفلسطيني لم يفرط حتى اليوم بفتر من ارض، ولم يبع مفتاح بيت لاجئ.. لكن حماس، تبيح لنفسها ان تذهب بعد بكثير في عشق مصالحها مما ذهب اليه أي فصيل فلسطيني.. فهل التفاوض مع اسرائيل يدخل باب المحرمات، والتهدئة معها من اركان الايمان؟!!
في عهد عرفات ورابين.. تفاءل الشعب الفلسطيني وبدأ يحس على جلده بعض الراحة، ويشم نسيم الامن ويرى ولو من بعيد مشاعل الاستقلال. لكن، نفس حماس التهدئة، كانت حماس المقاومة، فلم تترك شارعا في تل ابيب الا وفجرت فيه حافلة. وبالطبع، كان اليمين الاسرائيلي يشمت من رابين، يحرّض على الشعب الفلسطيني ويردد شعارات بان الفلسطينيين كاذبون ولا يريدون سلاما، اما عرفات، فكان يتوسل لحماس، وهو الاقوى حينها ويقول لقادتها.. دعونا نكمل مسيرة السلام، ان اجواء العالم كلها معنا، والشارع الاسرائيلي مع السلام، اهدأوا ولو لبعض الوقت حتى نرى ما تثمره هذه المفاوضات، فقد قطعنا شوطا طويلا في الكفاح المسلح، واتركونا نقطف ثمار التفاوض..  لكن حماس التهدئة اليوم لم تر حينها الا خطر قيام دولة فلسطينية مما يبطل الحاجة اليها، حماس لم تهدأ ولم تنم لحظة، واليمين في اسرائيل لم يغمض له جفن، ذاك وهذا اقسما امام اله لا اعرفه بان يفشلا أي اتفاق سلام، اليمين الاسرائيلي كان سيفشل أي اتفاق يعقده رابين ولو تنازل الفلسطينيون عن حق العودة والقدس وابقوا المستوطنات، وحماس كانت ستفشل الحل ولو كان حسب قرار تقسيم 1947..
كان الطرفان يعملان والقاسم المشترك بينهما هو مصير واحد اما ان نكون او لا نكون!! وكان عرفات ضعيفا، او فلنقل لم يكن رجل دولة، فهو الذي اقترن اسمه وعمله بالمقاومة والتحرير، لم يستطع ان يتحول الى رجل دولة حين اصبح رئيسا للسلطة، لهذا تعامل مع حماس كرجل مقاومة وليس كرجل دولة، وحماس اليوم تعلمت من خطأ عرفات، لأنها في اللحظة التي عقدت اتفاق هدنة او تهدئة مع اسرائيل تحول قادتها الى رجال دولة، واعلنوا بوضوح ان حماس لن تسمح لأي فصيل على اراضي سلطتها بان يتجاوز ما اتفقت عليه مع اسرائيل، ولو فعل عرفات ما تفعله حماس اليوم لكنا الآن في مكان آخر وفي فيلم آخر وفي ظروف مختلفة تماما..
حماس تتصرف في غزة كسلطة مسؤولة لاستقرار حكمها، ولتأمين ظروف الحياة الاساسية للناس، وهذا صحيح من هذا المنظور، لكنه يتناقض تماما مع مشروع حماس المقاوم، المشروع الذي لم يحسب أي حساب لا للشعب ولا للقضية حين كان تيارا معارضا، حماس المقاومة تكذب على نفسها ان هي زعمت بأنها ترجئ الحل العسكري الى عقود قادمة تصبح فيه هي الاقوى، وتكذب على الشعب ان هي زعمت منع اسرائيل من الاجتياحات. لأن اسرائيل خرجت من غزة التي ترغب لو حولتها الى شأن مصري، وهي تتحول الى ذلك رويدا.. لأن اطماع اسرائيل وشهيتها في الضفة الغربية، وتستطيع حماس ان تحكم غزة الف عام لكن مع حدود آمنة كما هو الحال مع الحدود السورية.. هذا هو المفهوم الاسرائيلي والرغبة الاسرائيلية.. ومن يبحث عن تفسيرات عاطفية اخرى فله ذلك. لكن الحقيقة ان حماس ادركت بان سلطتها على شفا الانهيار. وفهمت ذلك من المصريين تماما، وكانت الخيارات امامها واضحة، اما ضياع الحكم او التهدئة.. ولما كانت السلطة تجمع بين الجاه والمال فقد آثرت حماس السلطة لتؤجل المقاومة وثورتها للاجيال القادمة.
مشروع الفصائل الفلسطينية دولة فلسطينية لكن مشروع حماس يختلف تماما، مشروعهم مؤجل دائما الى مئة عام، الف عام.. مشروع مشروعهم اقامة كيان اسلامي في أي مكان.. وليكن هذا الكيان على مساحة قرية في الجزائر او مقاطعة في افغانستان او عشر عشر فلسطين، او عشر العشر من عشر العراق، هذه ايديولوجية احترم اصحابها واتناقض معهم تماما، فهم يبدلون سقف خطابهم مع كل صباح، ويبيعون خطابا جديدا كل مساء، ويصدقهم كثير من الناس في العشى والابكار.. فقد اتقنوا فن الخطابة ومخارج الحروف، وظهروا في الناس على انهم حماة الدين، وهذا اعطاهم دعما اعمى من شرائح واسعة.
هذا الدعم الاعمى يستطيعون به تثبيت مكانتهم مهما غيّروا من مواقف بغير هذا السير الاعمى كيف نفسر تغير مواقف مقتدى الصدر في العراق من مقاومة الاحتلال الامريكي ومن ثم دعم حكومة العراق وبالعكس، وكيف نفسر بغير هذا الفهم موقف جماعة الاخوان المسلمين السورية التي تتحالف مع امريكا لقلب حكم بشار الاسد؟ وكيف نفسر هذا النصر بالتهدئة الذي حققته حماس؟
أنا يا سادتي جئت من أي مكان، ولا افهم شيئا عن صراع اسرائيل – فلسطين، لكن نشرات اخباركم تبث حديثا عن مقاومة او حركة تحرير جهادية تتوسل تهدئة، تطلب تهدئة، ترغب في تهدئة، كيف يمكن ان افهم قيادة شعب تطلب تهدئة من الذي يحتل ارضه؟ قولوا لنا بان هناك مفاوضات، قولوا لنا بان قواتنا العسكرية تطور اسلحتها، ومصانع اسلحة عدونا يكسوها الصدأ!! قولوا لنا بأننا نحاصر عدونا وهو على شفا الاختناق!!
اريد جوابا من حماس، لماذا تطلبون التهدئة؟ هل بعد عشرة اعوام ستكون قوتكم العسكرية افضل من قوة اسرائيل؟ هل تعتقدون بأنكم داخل سجنكم ستطورون سلاحا رهيبا يجعل اسرائيل تناشد مواطنيها حزم حقائبهم والرحيل الى أي مكان آخر؟ أعود واصر للمرة المليون، لماذا تصر حماس التهدئة على نبذ المقاومة؟ هل ملاك الرب وعدها بأمر يصعب على البسطاء منا فهمه ام ان عشق السلطة طاب لها ولرجالها؟
انا شخصيا، وكل فلسطيني في اسرائيل ما زلنا في خطاب صراع مع كل حكومات اسرائيل.. ونحن بما يقارب الاجماع نطالب بدولة فلسطينية في حدود 4 حزيران 1967، لم نطلب التهدئة يوما، ونحن داخل اسرائيل دفعنا ثمنا غاليا لأننا لم نهدأ وما زلنا نكافح من اجل المساواة لأننا لم نهدأ، ولن نهدأ ما دام ظلم في الجو ينغّص عيشنا.
واسمحوا لي ان اقول امرا خطيرا.. وخطيرا جدا قد يفرح به الاعداء، لكن، الى متى نكتم عيوبنا تحت ذريعة نشر الغسيل الوسخ امام العالم والاعداء؟ لماذا ينضح الكتاب والصحفيون الاسرائيليون كل عيوب مجتمعهم من اجل تصحيح المسار، ونحن، نمارس اضطهاد الكلمة وتزييف الحقائق بحجة التمويه!!
لا تمويه ولا بلوط.. الحقيقة ان قيادات شعب فلسطين في غزة والضفة فقدت كل مصداقية بنظر شعبها وامتها والعالم، وكيف يصدق احد قيادات اقسمت على الوحدة في محيط اقدس اقداس المسلمين وتنصلت من قسمها عند اول تجربة في ممارسة ما اقسم عليه الفرقاء؟
على كل حال، ومع كل عيوب هذه الفصائل الفلسطينية بالذات فتح وحماس، وجدت امرا نافعا في تقلباتهما، وجدت ان الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة اكثر صدقا اليوم، واشعر بانتماء اليها لثبات موقفها. واشعر بانتماء اقوى للحزب الشيوعي الذي يواصل التعامل مع الصراع بالموقف الحكيم المسؤول دون أي تزلف لقوة عظمى او انزلاق خلف شعارات جوفاء وليت قيادات التيارات الاسلامية في اسرائيل تدرك حجمها وتستعمله للتأثير على حماس، وتبلغها بوضوح ان فتح اولى بالتهدئة، وان الشعب الفلسطيني اولى بالتهدئة، وان قبول سلطة محمود عباس قضية دمقراطية، وان قمع شرعية رئيس الوطن لا تتناسب وتهدئة مع محتل يجري مفاوضات قاسية مع رئيس الوطن!!
بصراحة، تعبت من الانشغال بحماس واخواتها، هذه حركة مثل اخواتها في العالم العربي، تحرف الآيات والاحاديث والقوانين على هواها، وكل التحريف يسجل بفتاوى، ويصبح ملحقا شرعيا لقوانين الفقه.. ولا تعرف اذا كانت حماس التهدئة مع اسرائيل ستلقي في السجون او تقتل مقاوما فلسطينيا بقانون خيانة الوطن ام الكفر؟!
ولا يسعني في نهاية الامر الا تقديم عظيم التهنئة لايهود باراك – الذي فهم كل رسائل حماس – هم وعدوه بوقف المقاومة ووعدهم بان لا يسقط حكمهم، هنيئا يا شعب فلسطين!! اخرجوا الى الشوارع واحتفلوا بيوم استقلالكم، يوم التهدئة، يوم استقلال حماس في غزة.

غازي ابو ريا
السبت 5/7/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع