الزمن والسياسة وواقع الحال الفلسطيني ...!!!



الشعب الفلسطيني في صراع مرير مع الزمن، والوجود الفلسطيني في صراع ضارٍ  مع السياسة. الإسرائيليون ماضون بتنفيذ مخططهم الذي بدأوه بمؤتمر بازل في سويسرا عام 1897، وطن قومي لليهود في فلسطين، وشعارهم الصهيوني "ارض أكثر وسكان اقل" على طريق دولة يهودية خالصة وخالية من أصحابها الشرعيين، فمن وعد بلفور (البريطاني)، إلى إقامة دولة إسرائيل عام 1948، إلى وعد بوش، سياسة ينفذها الساسة الإسرائيليون على مراحل  سواء كان حزب العمل، أم حزب الليكود، أم حزب كاديما وباقي الأحزاب اليمينية المتطرفة، كأن التوراة واللاهوت والتلمود تحرضهم على شعبنا بالذبح والإبادة. يتفقون على هدف واحد لكنهم يختلفون في مراحل تحقيق هذا الهدف، يجمعون على ترانسفير الفلسطينيين عن أرضهم، وفي نظرهم الفلسطيني الطيب هو الفلسطيني الميت، وغلاة المتطرفين يرفعون شعارا بسحق الشعب الفلسطيني كالصراصير، لكنهم يختلفون على كيفية سحقه، يتفقون على أكل الدجاجة كلها حتى العظام  لكنهم يختلفون من أين يبدأون أكلها. الإسرائيليون ينفذون مخططهم الاستيطاني التوسعي، ويفرضون يوميا وقائع على الأرض، الاستيطان مستمر، وتجريف ومصادرة الاراضي، واقتلاع الأشجار المعمرة  والزيتون، وإحراق المحاصيل الزراعية، وضم وتهويد القدس وإحاطتها بالمستوطنات وعزلها عن محيطها الفلسطيني، وإقامة الوحدات السكنية، ومحاولة إنهاء جدار الفصل العنصري حتى نهاية 2008 بهذا يكونون قد نفذوا إحدى المراحل الهامة في سياستهم.
 تحويل الشعب الفلسطيني إلى كنتونات وتجمعات سكانية مفصولة بعضها عن بعض، وعدوان اسرائيلى مستمر واعتبار غزة كيانا معاديا، والاستيلاء المتواصل على الضفة الغربية ومياهها الجوفية وإخضاعها كليا للحاجات الأمنية الإسرائيلية حتى لا تتنفس إلا بالهواء الاسرائيلي، وبالبضاعة الإسرائيلية وتحويلها لاقتصاد تابع وملحق، وسوق استهلاكية، ويبحث السياسيون والمتطرفون الإسرائيليون في مراكز بحوثهم الإستراتيجية، وتجمعات مثقفيهم أين وكيف نتخلص من القنبلة الديموغرافية المتصاعدة وخصوصا في قطاع غزة الأكثر توالدا والأكثر ازدحاما مع العلم أنها ليست صناعة إسرائيلية؟ وتحاول أن تبحث عن علاج وقائي لتجنب انفجارها في وجه إسرائيل كونها الجهة المحتلة للأرض والإنسان، وتفجيرها في وجه مصر الشقيقة وصحراء سيناء، يخططون وينفذون لا يهمهم مجلس الأمن ولا  الرأي العام العالمي، ولا المؤتمر الاسلامي بما يمثله من شعوب إسلامية، ولا مؤتمرات القمم العربية وما تمثله من شعوب عربية، ولا يهمهم الاحتجاج الفلسطيني المحلي، ولا الصواريخ محلية الصنع، ويستخدمون المفاوضات كأداة ووسيلة لكسب الوقت والزمن حتى ينهوا مشروعهم الاحتلالى للأرض الفلسطينية، والتخلص من الشعب الفلسطيني ومنعه من إقامة دولته الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس  كما أقرتها قرارات الشرعية الدولية، يتم هذا كله بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، وفى غياب إرادة عربية لمقاومة الزحف الاسرائيلي، وتعطيل أهدافه في السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، وفرض التطبيع نفسه على الأجندة العربية، وتدني فعل قوى الممانعة والتصدي.
ونحن، أين نحن من الزمن والسياسة، لا نعير اهتماما للزمن، وسياسة عقيمة ومصالح سلطوية، وانقلاب على الوطن وانقسام لأول مرة يحدث في التاريخ الفلسطيني، وليست لنا سياسة واحدة محددة واستراتيجية واضحة، فهل الزمن والسياسة هما صناعة محلية؟ نحن نمتلك سياسات متناقضة، وبرامج متصارعة،  ولا نعير اهتماما للمتغيرات الإقليمية والدولية، ونحمل نفس المفاهيم والمصطلحات التي لا تستجيب لحركة الواقع، وكأننا نعيش في كوكب آخر لا تربطنا به أية صلة، مع أن الظواهر مترابطة ومتفاعلة مع بعضها البعض. وإذا كان الفكر هو انعكاس للواقع، فإن فكرنا مشوه لأن واقعنا الفلسطيني مشوه سياسيا وفكريا واقتصاديا واجتماعيا.
ماذا يعنى البراغماتية (الذرائعية) في علم السياسة؟ لماذا تعاطت براغماتية حماس  مع التهدئة بسرعة والتزمت بها، هل لأنها تفتح خيوطا مع الاحتلال الاسرائيلي (شيلنى لأشيلك)؟ ولماذا لم تظهر جدية براغماتيتها من دعوة الرئيس الفلسطيني أبو مازن للحوار الوطني الشامل على قاعدة تنفيذ المبادرة اليمنية رغم أن بعض قادتها تعاطى معها إعلاميا بشكل ايجابي، لكنها لم تتحول لفعل وممارسة على الأرض يلمسها الشارع الفلسطيني. وهل هناك نية لتعطيلها بعد أن حازت حركة حماس على التهدئة (الشرعية) المنقوصة من الاحتلال الاسرائيلي؟؟ أم ستحاول أن تتعاطى معها في سباق مع الزمن لعل وعسى أن تحدث متغيرات جديدة في الأسابيع أو الأشهر القادمة تؤدي إلى فتح ثغرة موهومة في حصارها، لتقطع الطريق على الحوار الوطني الشامل، وتحتفظ بسيطرتها على قطاع غزة، وتستمر في فصله عن الوطن الأم؟ وهل تتوهم حركة حماس بإنهاء الحصار وفتح الطرق للعواصم العربية والدولية لتقيم إمارتها في غزة، وتكريس الانقسام في الشارع الفلسطيني، يساعدها في إحكام قبضتها على المواطنين وقواهم السياسية والوطنية والانقضاض على مفاهيم الدمقراطية والتعددية السياسة وحقوق المواطن.. الخ؟
وإذا كان الاحتلال الاسرائيلي يراهن على عامل الزمن وسياسته الإرهابية، وعلى استمرار الانقسام في الساحة الفلسطينية، وتحويل غزة عبر التهدئة إلى غزة وادعة هادئة مستسلمة للقدر الذي صنعه الاحتلال وصنعناه بأنفسنا، تبحث عن حاجاتها الضرورية من بين تعرجات الأنفاق، وحرف النضال الحقيقي عن معركة الأرض، وإخراج شعب غزة من بؤرة الصراع فعلى ماذا نحن نراهن؟ لا يمكننا المراهنة إلا على وحدة الشعب وقواه الحية وفى مقدمتها جبهة اليسار الفلسطينية الموحدة،  ومكونات المجتمع المدني لإخراج شعبنا من أزمته وإنهاء حالة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية لمواجهة العدوان وتداعياته الخطيرة، فمعركة الزمن والسياسة مصيرية لا تحتمل التأجيل أو التسويف، ولا يمكن لأيّة حركة تحرر وطني أن تغفل عامل الزمن، أو أن تتغاضى عن معرفة سياسة المحتلين كيف يفكرون؟ وكيف ينفذون سياساتهم؟
ولا يمكن  للعقلية المتأسلمة التي لا تتفاعل مع دعوة الرئيس أبو مازن للحوار الشامل أن تحل قضايا المجتمع التحررية والاجتماعية، ومعضلة الثالوث المرعب في التاريخ الفلسطيني من الفقر والبطالة والفراغ السياسي الذي يعتبر أخطر ما يواجه الشعب الفلسطيني لا زالت قائمة مع غياب سلطة شرعية وحكومة شرعية وجيش شرعي.

(غزة- فلسطين)
talat_alsafadi@hotmail.com


* البرجماتية (الذرائعية) يرى أن الحقيقة توجد من خلال الواقع العملي والتجربة الإنسانية، وان صدق قضية ما يكمن في مدى كونها مفيدة للناس (الموسوعة العربية).

طلعت الصفدي
السبت 5/7/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع