ثلاثة كتب في مجلّد واحد تحمل توقيع غابرييل غارسيا ماركيز. ليست قصصا أو روايات لصاحب «مائة عام من العزلة»، بل تكشف جانبا آخر من اهتمامات هذا الروائي الفذّ. هنا، سنتعرف إلى ماركيز كاتب السيناريو. قد لا يعلم القراء أنّ «غابو» أشرف في فترة من حياته على إدارة «ورشة لكتابة السيناريو» في مدينة مكسيكو. هكذا سنتعرف في «كيف تُحكى حكاية ـ نزوة القصّ المباركة ـ بائعة الأحلام» على المطبخ السّري لكتابة فيلم من فكرة عارية. في هذه الورشة، كان ماركيز يقوم بدور المايسترو الذي يضبط إيقاع فريق العمل، ويطرح الأفكار الجديدة، ونقاط الانطلاق في كتابة السيناريو، ويصحّح مسار الحكايات الواقعية والخيالية التي تختلط بالأحلام.
في المجلّد الذي عرّبه صالح علماني عن الإسبانية (دار المدى)، نكتشف عن كثب كيف تتحوّل فكرة صغيرة اقترحها أحد أعضاء الورشة إلى سيناريو مكتمل وجاهز للتصوير. يقول ماركيز «ليس هناك إبداع حقيقي من دون مجازفة، وبالتالي من دون مقدار من الارتياب». من هذا الباب تحديدا، كانت الفكرة العارية تتجوّل ذهابا وإيابا بين أكثر من مشارك في الورشة إلى أن تكتسي بحلة مقنعة. كان ماركيز هو من يضع بصمته النهائية عليها لتعيش حياتها خارج الأدراج وتكسر قشرة البيضة. وهنا يصرخ صاحب نوبل «يا للّعنة، لقد صدّقوها! لقد ابتلعوا الأكذوبة».
ويوضح خلال العمل على فكرة سيناريو، ضرورة الإمساك فجأة باللحظة الدقيقة التي تنبثق منها فكرة «مثل الصياد الذي يكتشف فجأة، خلال منظار بندقيته، اللحظة التي يقفز فيها الأرنب». ويعترف ماركيز بأنّ القصة تُولد ولا تُصنع، كما أنّ الموهبة وحدها لا تكفي بالطبع. المهم أنّ تتعلم كيف تروي الحكاية بخبرة وحب ومن دون ضجر، خلال تسعين دقيقة هي مدة الفيلم. يشبّه ماركيز العمل في ورشة السيناريو بحرب العصابات «عليها أن تضبط خطواتها على إيقاع خطوات أبطأ شخص فيها ثم تفتح النار».
لا تخلو نقاشات الورشة من كتابة ومحو، إضافة وإلغاء. وقبل ذلك كله وجود «المخطط» أو النخاع الشوكي الحقيقي للإبداع، حسب ما يطلق عليه ماركيز، فهو الدليل والموجه لتطور السيناريو «من أجل إعادة أعضاء الورشة إلى رشدهم عندما يسقطون في هذيان الإبداع الساحر، من دون لجم نزوات المخيّلة».
لكن ما هي مواصفات كاتب السيناريو الجيد؟ يجيب ماركيز باطمئنان «أن لا يخشى شيئا»، ويضيف «أكثر ما يهمني في هذا العالم هو عملية الإبداع. أي سرّ هو هذا الذي يجعل مجرد الرغبة في رواية القصص تتحوّل إلى هوى يمكن لكائن بشري أن يموت من أجله، أن يموت جوعا، أو بردا، لمجرد عمل هذا الشيء الذي لا يمكن رؤيته أو لمسه، وهو شيء في نهاية المطاف، إذا ما أمعنا النظر، لا ينفع في أي شيء، ولكنه يتحول إلى إدمان».
خليل صويلح
السبت 5/7/2008