*المؤتمر الخامس عشر للحزب الشيوعي وما بعده واستخلاص العبر* عملت اللجنة المركزية وجميع الرفاق الذين لهم علاقات مع رفاق من منطقة تل ابيب من أجل رأب الصدع* كانت البيانات التي قدمت من قبل ميكونس وسنيه كلمات مليئة بالتحريض السافر على الشيوعيين اليهود والعرب وعلى حركة التحرر القومي العربية* اتوجه الى جميع الرفاق والاصدقاء الى اعادة قراءة مواد المؤتمر الخامس عشر للحزب الشيوعي الاسرائيلي والذي يعتبر وبحق وثيقة تاريخية هامة* أدعو الى الحذر من بعض الاصوات الغريبة التي تتساءل عن عدد الأصوات التي نحصل عليها في الشارع اليهودي*
بعد البحث الواسع والمستفيض اتخذ هذا الاجتماع عدة قرارات هامة واولها قرار تأييد ودعم لقرار اللجنة المركزية الذي اتخذته والداعي الى بذل اقصى الجهود الممكنة من اجل المحافظة على وحدة الحزب الاممية ومحاولة انقاذ الرفاق الذين غرر بهم في مواقف لا تتلاءم مع اصول الاخلاق الشيوعية، وفي هذا الاجتماع اتخذت ايضا عدة قرارات اخرى منها العمل الجاد من اجل التحضير الواسع في كوادر وفروع الحزب في المنطقة من اجل الانتخابات القادمة للهستدروت وللكنيست والتي ستجرى في الاشهر القليلة المقبلة من نفس السنة في تلك الفترة.
وبالفعل عملت اللجنة المركزية وجميع الرفاق الذين لهم علاقات مع رفاق من منطقة تل ابيب من أجل رأب الصدع وتحقيق قرار اللجنة المركزية الذي اتخذ في تاريخ 23.6.1965. وقد واظب الرفاق على العمل في هذا الاتجاه ما يقارب شهرًا ونصف الشهر، ولكن كل هذا لم يحقق النتائج المرجوة، وعلى اساس هذا الواقع كانت اللجنة المركزية مضطرة الى اصدار بيان جديد بتاريخ 1.8.1965 اعلنت فيه انها بذلت جهودا كبيرة من اجل تسوية الخلافات السياسية والفكرية والتنطيمية في داخل الحزب ومن اجل الوصول الى اتفاق من اجل عقد مؤتمر موحَّد وموحِّد للحزب، ولكن وبكل اسف فان هذه الجهود كلها لم تتكلل بالنجاح ولم تتوفر الامكانية المطلوبة من اجل عقد المؤتمر الخامس عشر للحزب الشيوعي موحدًا وبناء على هذا الواقع سوف يجرى المؤتمر الخامس عشر للحزب الشيوعي يوم الجمعة بتاريخ 6.8.1965 في تل ابيب. وكانت الفئة المنشقة بقيادة ميكونس وسنيه قد أعلنت عن عقد مؤتمرها بتاريخ 4.8.1965. وقد عقد مؤتمر هذه المجموعة المنشقة في سينما مغربي وبحضور مندوبين يهود فقط وبدون اشتراك أي رفيق عربي في هذا الاجتماع وكانت البيانات التي قدمت من قبل ميكونس وسنيه كلمات مليئة بالتحريض السافر على الشيوعيين اليهود والعرب وعلى حركة التحرر القومي العربية. هذا كان جوهر كلمات هؤلاء المنشقين. ومقابل هذا الاجتماع للمنشقين عقد المؤتمر الخامس عشر للحزب الشيوعي الاسرائيلي الحقيقي للشيوعيين اليهود والعرب في اسرائيل بتاريخ 6.8.1965، واستمر حتى الثامن من ذلك الشهر، في قاعة سينما "إيلات" في يافا، وكان الافتتاح مهيبا برزت فيه المظاهر الكبرى لوحدة الحزب والاخوة اليهودية العربية الحقيقية التي ارادوا ضربها، وفي الواقع فإنّ هذا المؤتمر كان رمزًا للوحدة الاممية الصادقة والصحيحة ولم يكن فقط ردًّا على تآمر المنشقين بل ايضا على المحرضين من اعداء الشيوعية وعلى اجهزة السلطة التي تعاونت جميعها بشكل واضح بهدف ضرب وحدة الحزب الشيوعي اليهودية العربية. وقد كتبت "الاتحاد" في افتتاحيتها بتاريخ 2.8.1965: "على الرغم من العملية الجراحية القاسية والتي على ما يظهر لم يكن مناص منها، فقد حافظنا على تركيب حزبنا اليهودي العربي المبني على سياسة أممية صحيحة وبذلك حافظنا على المشعل الوضاء الذي ينير سبيل اليهود والعرب في ليل التحريض القومي والتآمر العدواني الاستعماري".
في الحقيقة لا زلت اذكر نقاش الرفاق اليهود والعرب في ذلك المؤتمر كيف كانوا جميعا حريصين على وحدة الحزب الشيوعي الأممية واذكر بشكل خاص الرفيق أهرون براخا الذي كان يعمل في البناء حيث قال في كلمته جملا بسيطة ولكنها معبرة عن الفهم الطبقي الصادق والموقف الاممي الواضح حيث قال: "ماذا يريدون منا هؤلاء المنشقون؟ لقد عملنا في مكان عملنا كثيرا حتى وصلنا الى درجة "أ" في العمل كيف يريدون هؤلاء ارجاعنا الى درجة "ب"؟ نحن نريد ان نعمل اكثر من اجل التقدم الى الامام والوصول الى درجة "أ- أ""، عندها دوى في القاعة تصفيق حاد من قبل مندوبي المؤتمر بعد سماعهم هذا الكلام الذي رأوا فيه الصدق والاخلاص المتناهي للمبادئ الاممية للحزب من قبل رفيق عامل بسيط صادق وفي الواقع كان يقصد فيه موقف المجموعة المنشقة والذي نشر في صحف الحزب تحت عنوان الموقف "ب" أي موقف الاقلية في هيئات الحزب المركزية بشكل خاص وفي الحزب بشكل عام.
كذلك لا زلت أذكر ان عددا من الرفاق اليهود الذين كانوا مندوبين في مؤتمر الفئة المنشقة كانوا قد انتقلوا من هناك بعد سماعهم لكلمات قادة هذه المجموعة التحريضية والإنتهازية لحضور مؤتمرنا وأعلنوا فيه أنهم في البداية ضللوا وأنهم كانوا في المكان الخطأ وان هذا الحزب هو حزبهم الحزب الشيوعي اليهودي العربي.
ولكن الواقع المؤلم الذي يجب رؤيته هو ان عمل هؤلاء المنشقين كان قد ادى الى انقسام مؤلم جدا في الحزب الشيوعي الاسرائيلي وفي الوقت نفسه فان هذا العمل كان خدمة كبرى للقوى الحاكمة وللحركة الصهيونية داخل اسرائيل، وكذلك ضربة مؤلمة لتاريخ هذا الحزب المشرف والعريق.
في الواقع ان تآمر هؤلاء لم يكن فقط على وحدة الحزب الاممية اليهودية العربية بل حتى على امكانية استمراريته وتطوره المستقبلي وعلى هذا الاساس كان على الحزب بعد المؤتمر ان يواجه تآمر هؤلاء المنشقين على املاك الحزب حيث استولوا بالقوة على جميع النوادي وعلى دار اللجنة المركزية في تل ابيب وكذلك على صندوق الحزب المالي، وفي مثل هذا الوضع الصعب والقاسي عمل الحزب على تخطي هذه الازمة السياسية والتنظيمية والمالية التي واجهها الحزب الشيوعي الاسرائيلي، وبالرغم من هذا الواقع المر والصعب ومن هذه الضربة الموجعة الا ان الحزب استطاع ان يلملم جراحه ويتخطى كل هذه المصاعب التي واجهته وان يسير الى الامام وبخطى ثابتة واثقة حتى يومنا هذا الذي تحضر فيه قيادة الحزب وكادره من اجل الاحتفال واحياء الذكرى التسعين لتأسيس هذا الحزب العريق في تاريخه ونضاله المثابر والدائم.
وهنا اود ان اقول وبصراحة رفاقية ان هذا الحدث الانقسامي والتآمري في داخل الحزب قد أثر علي كثيرا من الناحية الشخصية ولكن ليس من ناحية قناعاتي الفكرية والمبدئية في طريقنا الصادق والواضح، انما لأنّه كان هناك عدد غير قليل من الرفاق اليهود الطيبين الذين كانت تربطني بهم بالاضافة للعلاقات الرفاقية ايضا علاقات صداقة حميمة خاصة وقوية، قد انحازوا الى جانب المنشقين، لانهم استطاعوا ان يغرروا بهم، ولكن وللحقيقة والتاريخ من الضروري ايضا ان نذكر ان قسما منهم قد عاد الى صفوف الحزب بعد فترة قصيرة، وبعد ان اكتشفوا ان مكانهم ليس هناك بل في داخل صفوف الحزب الشيوعي اليهودي العربي، وليس في حزب صاحب توجه قومي، وعلى هذا الاساس اتوجه الى جميع الرفاق والاصدقاء الى اعادة قراءة مواد المؤتمر الخامس عشر للحزب الشيوعي الاسرائيلي والذي يعتبر وبحق وثيقة تاريخية هامة في حياة شعبي هذه البلاد وفي حياة الشيوعيين في داخل اسرائيل.
لماذا اطلب هذا الطلب؟ ان الهدف من هذا هو أخذ العبر والدروس من هذا الحدث المأساوي الذي حدث في ذلك الوقت لحزبنا الشيوعي، ولأنني ارى اليوم ان حزبنا لا يتحمل ضربات أخرى لأن أيّة ضربه مهما كانت صغيرة سوف تؤثر على مستقبل الحزب ومستقبل الجبهة ايضا، صحيح ان الحزب قد حافظ حتى الآن على مواقفه المبدئية وعلى وحدته الاممية اليهودية العربية، ولكن الوضع العالمي الجديد وتأثير العولمة حتى علينا قد تؤدي الى مواقف غريبة عنا ولذلك هذا الواقع لا يحصننا من المحاولات التي تجري لاختراق الحزب والجبهة.
ومن هنا فإنني ادعو الى الحذر من بعض الاصوات الغريبة التي تتساءل عن عدد الأصوات التي نحصل عليها في الشارع اليهودي. إنّ هذه الاصوات في رأيي لا تختلف عن تلك الاصوات التي قالت في عز الازمة داخل الحزب سنة 1965 عن "الوزن النوعي" للرفيق اليهودي والعربي. ومن هذا المنطلق ادعو وبصدق جميع الرفاق في قيادة الحزب جميع اعضاء المكتب السياسي والسكرتارية وجميع اعضاء اللجنة المركزية وبشكل خاص اعضاء لجنة المراقبة المركزية للحزب وجميع قيادات الفروع والكوادر الحزبية الى اليقظة وتحمل المسؤولية التاريخية في المحافظة على وحدة الحزب الاممية اليهودية العربية بالافعال وليس بالاقوال فقط. ربما سيقول بعض الرفاق ان الرفيق توفيق يبالغ في هذا الامر، وان حزبنا محصن من أي انحراف مهما كان، ولكني اقول لجميع الرفاق بصدق وبمحبة اننا بالرغم من كل الثقة بأنفسنا الا اننا من الواجب ومن الضروري جدا وبشكل خاص لقيادة الحزب ان تكون يقظة، ولا اقول ان تكون "مسرسبة"، وهذا ليس لمصلحة الحزب فقط بل عمليا لمصلحة جماهيرنا كلها.. لمصلحة شعبي هذه البلاد، لأنه إذا فشلت تجربة العمل المشترك اليهودي العربي فشلنا نحن وفشلت معها امكانية تحقيق السلام العادل والثابت بين شعبي هذه البلاد.
ان حزبنا الشيوعي اليهودي العربي وبقيادته التاريخية وقيادته الحالية كان وما زال القوة السياسية الوحيدة التي تضع الحل الصحيح والقابل للتحقيق في قضية الصراع القائم في هذه المنطقة، أمّا جميع الاحزاب التي تعمل على الساحة السياسية الاسرائيلية اليهودية والعربية فانها تضع الحلول من منطلقاتها القومية والتي لا يمكن ان تكون مقبولة لدى الشعب العربي الفلسطيني الذي ذاق جميع انواع الويلات والمآسي منذ نكبته في سنة 1948 حتى يومنا هذا. صحيح اننا ما زلنا قوة ليست كبيرة حتى الآن على الساحة السياسية الاسرائيلية ولكننا القوة الاكثر دينامية والاكثر مثابرة على مواقفنا المبدئية.
وفي الوقت نفسه أحذر من الاتهامات لبعضنا البعض بتهم لا تليق بنا كحزب شيوعي لان مثل هذه الاتهامات تسيء لقيادة الحزب وللحزب نفسه. إنّ النقاش واختلاف الرأي هو شيء طبيعي وصحي في حياة كل حزب شيوعي لانه بدون نقاش لا يوجد اتفاق، ولكن بعد النقاش الرفاقي يجب في النهاية اتخاذ القرار الذي يجب ان يتبناه الجميع ويعمل بكل اخلاص على تنفيذه. انني اقول هذا ليس من باب الوعظ، بل من وجهة نظر رفاقية لرفيق عاش وما زال يعيش في هذا البيت الدافئ لأكثر من خمسين عاما، واقول ايضا ان النقاش الداخلي يجب ان يبقى داخليًّا وان تسريب النقاش يشكل في كثير من الحالات اساءة للحزب ولتاريخه المجيد، ولذلك اقول ايضا لمثل هؤلاء الرفاق الذين يسربون النقاش الى الخارج عن قصد او غير قصد، ارحموا تاريخ هذا الحزب، ارحموا الرفاق في الكوادر الحزبية الذين يعملون بكل اخلاص وبشكل دائم من اجل تقدم وتطور الحزب بدون اهداف شخصية او ذاتية، انني اشعر احيانا ان هناك البعض يعمل بروح الانتقام، فهذه الروح غريبة جدا علينا، وعلى الرفاق نبذ هذا الاسلوب الدخيل، وادعوا الجميع الى التعلم من دروس سنة 1965 ومن المؤتمر الخامس عشر لحزبنا الشيوعي، وارجو المعذرة من جميع الرفاق.
توفيق كناعنة
السبت 5/7/2008