أقدمت الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح هذا الأسبوع بناءً على ما كان قد شاع وراج في أم الفحم وخارجها من قبل فأطاحت برئيس بلديتها هاشم عبد الرحمن وحالت دون استمراره في إدارتها لفترة ثانية. رسميا أعلنت الحركة أن استبدال عبد الرحمن بزميله، الذي لا نعرفه ولا ندعي قدرة الحكم عليه وقدراته الإدارية والقيادية ترجمة لقرار مجلس الشورى التابع لها. بيد أن غلاف الرسمية لا يحجب رؤية الحقيقة بأن هذه ليست سوى عملية انقلاب وإطاحة برئيس بلدية قادر على تسيير شؤون المدينة بنجاح ونظافة يد لولاية جديدة تماما كما تم في ولايته الأولى. دأبت الحركة قبل تسمية مرشحيها لرئاسة بلدية أم الفحم وغيرها على تغليب معايير موضوعية في الاختيار تستند لمشاورات وتقييمات واستطلاع رأي الجمهور الواسع بعدة طرق وصولا للرجل المناسب. هذه المرة حصل عكس ذلك ولأسباب تبتعد كثيراً عن الموضوعية والمصلحة العامة، وتدخل من غير مواربة في دائرة التضحية بالشيخ هاشم عقابا على مواقف وموسيقى يسمعها لا تروق لها رغم التزامه الفعلي بثوابتها. في تقاليدها المعلنة تحرص الحركة على القول إن الترشيح لمثل هذا المقام هو بمثابة تكليف لا تشريف وإن القرار الأخير ينضج ثمرة لمشورة ودراسة معمقتين، ولكن كيف يمكن أن يكون ذلك شورى والقرار غير منسجم مع أوساط واسعة من أهالي أم الفحم ومريدي الحركة الإسلامية؟ وكيف يعقل أن لا يستشار الشخص المعني، رئيس البلدية الحالي وهو القيادي المنتخب الأعلى درجة في الحركة الإسلامية الشمالية؟ في إقصاء هاشم عبد الرحمن من البلدية في السنوات الخمس المقبلة اتخذت الحركة الإسلامية قرارا عجولا، ظالما له ولها بل يضر بالمجتمع العربي برمته، فطيلة سنوات شكّل عبد الرحمن نموذجا طيبا للحكم المحلي الصالح من ناحية الإدارة والنزاهة والتعامل والنظافة والانفتاح على الآخر وشعرة معاوية بين أنامله دوما. هذا النموذج جدير بالاقتداء والتشجيع والتعميم سيما وحكمنا المحلي، بشكل عام، يقاسي اليوم أزمة كبيرة حولته لشجرة يابسة فكيف وبأي حق تقوم الحركة بقطع واحد من الأغصان اليانعة القليلة فيها، غير آبهة بالمصلحة العامة التي تهمها وتعمل من أجلها لجانب مصلحتها الحركية الحزبية؟ إزاء ما حدث يتضاعف الضرر، فبدلا من تكريس نموذج يحتذى به قلما نجده في المدن والقرى العربية تقوم الحركة بقطع الطريق عليه قبل استكمال مسيرته والإتيان بكامل ثماره، بقرار مريب يستبطن رسالة سلبية مفادها الصالح والطالح سيان! هذا الأسبوع دفع هاشم عبد الرحمن ثمنا لوفائه لرؤيته في الإدارة ولقناعته بضرورة الالتزام بحرية حركة وهامش مناورة وبمواقف براغماتية يوجبها موقعه في إدارة البلدية دون تفريط بالمبادئ المعتمدة من قبله وحركته فما بالك حينما تحتاج الحركة الأم لقسط منها في الظروف السياسية المعقدة اليوم. بالتأكيد كان بوسع الحركة الإسلامية الشمالية التنفس في لحظات الأزمة من رئة أمثال هاشم عبد الرحمن والإفادة من رؤيته خاصة أن استبداله يستبطن مقولة سياسية واضحة للعالم ربما تضيق من هامش مناورة الحركة الضيق أصلا. في بيانه الذي أعلن فيه التزامه بقرار مجلس الشورى وضع حدا للتساؤلات مستبقا نشوء حالة محتملة من البلبلة والحرج أثبت عبد الرحمن مرة أخرى عقلانيته وطيب دوافعه ونواياه رغم أن بيان الحركة أقحم قصة صحته محاولا التستر بها سببا لعدم ترشيحه،وهذه إساءة إضافية له. من عول على موضوع الناحية الصحية للشيخ هاشم في البيان المذكور حاول الالتفاف على الحقيقة وسط استغلال دماثة خلقه وقصر لسانه عند الحديث عن حقوقه أو بأمور تتعلق بشخصه فما جرى يعني استبعاد الرجل واضطراره لابتلاع "حبة" الإطاحة به حرصا على صحته. كما أن المراهنة على رفضه تكذيب زملائه ببيان رسمي مضاد عبر الإيحاء بأن "عوائق طبية" أيضا تحول دون ترشيحه تشكل محاولة تضليل للرأي العام برمته فالبلدية بنهاية المطاف تنظيم ينشد خدمة الناس ومن حق هؤلاء معرفة الحقيقة المتعلقة بإقصاء رئيسه المؤتمن على تقديم مختلف الخدمات لهم، لذا كانت هذه "غزة" مؤذية لهاشم ولأم الفحم وللحركة الإسلامية أيضا. بعد عقود من ولادتها من غير المعقول أن تبقى الحركة الإسلامية على هذا القدر الموجع من التشدد والانغلاق على التعددية والاجتهاد بالرأي فتجربتها هي تدلّل على مخاطر الانقسام جراء هذه المواقف المتعصبة في المستويين القطري والمحلي. ومثل هذه المخاطر تعصف بحركة الإخوان المسلمين في الأردن اليوم جراء أسباب متشابهة تختزل بالتعصب وبقاء الشورى حكرا على بعض القيادات فقط ممن يهندسون كل شيء قبل إخراجه قرارا مغلفا بثوب الشورى الحريري الجميل. رغم مضي ثلاثة عقود على انطلاقتها ما زالت الحركة الإسلامية ترفض الشفافية وتصر في عصر الانفتاح والشفافية على تنظيم كافة مؤتمراتها وفعالياتها الداخلية بسرية وباب موصد للصحافة بخلاف أحزاب عربية أخرى. وفي قضية بحجم استبعاد الشيخ هاشم من بلدية أم الفحم لن يستطيع رئيس الحركة ونائبه الشيخان رائد صلاح وكمال خطيب الزعم بأن هذه هي قرارات مجلس الشورى ولا دخل لهما بها. ولنا في المقابل عتب على الشيخ هاشم، فباب السياسة واسع ودوراته كثيرة ولا يمكن أن يقف أي كان فوق الحق والحقيقة مهما ادعى من رفعة مثلما لا يجوز المرور على ذلك كأن شيئا لم يحدث. وإذا كانت الإطاحة بك على غير وجه حق فإن استمرارك في السكوت عن ما يحصل ضدك هو إمعان بالسكوت عن التجاوزات ضدك وضد مصلحة أهالي أم الفحم الذين ائتمونك لسنوات طويلة على مصالحهم العامة، فهل تهدر مصالحهم كي لا ترمى بتهمة طلب التكليف؟ وفاء لرؤيتك وتوجهاتك وللثقة الممنوحة لك من قبل الفحماويين لم يكن مجديا أبدا الوقوف على السياج وانتظار الفراغ من تدبير الأمور والإطاحة بك داخل مجلس الشورى بدلا من التحرك دفاعا عن الخط لا عن الشخص فيك عندما بدأت تنتشر رائحة استبدالك قبل حين سيما وأن " الغزة" ليست لهاشم وحده.