تُحِبُّ حيفا أهلها وتعزُّ من يعِزُّها فهي عزيزة وكريمة وطاهرة وهذا بفضل بحرها الذي يغسل قدميْها كلّ يوم خميس منذ أن احتفل المُخلّص بخميس الأسرار في عشائه السّرّي، حيث يحفظ كرملها أسرار أهلها في رموش عينيه وجفونها، هذا الكرمل الذي يطلّ على مرج ابن عامر ويطلّ على السّهل السّاحليّ من رأس النّاقورة شمالاً وحتّى قيسارية جنوبًا مرورًا بمضيق بريٍّ، عند خضر ابو العبّاس ومار الياس، عين حيفا السّاهرة التي أخذتها غفوة العام ثمانية وأربعين مرةً، على حين غرّة، لكنّها صحت صحوةً مُذّاك، ولم يعرف جفنها طعم النّوم مليون مرّة.
وما أحلى وما أجمل صباح حيفا حين يكون عزيزُها الرّفيق بنيامين غونين.
فقد قلَّد مجلس حيفا البلدي، بتوجيهٍ من نائب رئيس بلديّتها المربّي الجبهويّ اسكندر عمل ورفيقنا الطّبيب الطَّيِّب عيسى نيقولا، الرّفيقَ بنيامين غونين لقب "عزيز حيفا" للعام 2008، حيث يُعَدُّ هذا نصرًا لجبهة حيفا ولأهلها التوّاقين للعدل والحريّة والدِّيموقراطيّة والمساواة والتّعايش.
بنيامين غونين هو النّقابيّ والعمّاليّ المعروف والأشهر من نارٍ على علم وهو الذي يُشارُ إليه بالبنان واسمه على رؤوس الأشهاد منذ عقود خلت.
فهو الشّيوعي والجبهويّ الثّائر والرّاصد والسّاهر على مصلحة عمّال هذه البلاد
بشعبيها، وهو المُتصدّي والطّلائعي، مع رفاقه، في صفّ الدّفاع الأوّل عن حقوق
الجماهير العربيّة الفلسطينيّة الباقية في وطنها الذي ليس لها وطن سواه منذ نكبته، من أجل حقوقه المدنيّة وعن الجزء الثّاني من شعبنا الرّازح تحت الاحتلال منذ نكسته من أجل كنسه ليعيش بسلام وأمن وطمأنينة كما تعيش باقي شعوب المسكونة المعمورة والعامرة.
لقد وقف الرّفيق بنيامين غونين عام 1965، عام الانقسام، في المؤتمر الخامس عشر
للحزب الشيوعي والذي عُقِد في تل أبيب، حين كان عضوًا في سكرتارية الشّبيبة الشّيوعيّة، كالطّود صامدًا في وجه المدّ القوميّ الصّهيونيّ برئاسة سنيه وميكونيس مُتحَدِيًا هذا الانحراف القومي واليميني ومهنِّئًا الحزب الشّيوعي "الذي حافظ في هذه الفترة القاسية التي مرّت علينا، على الوحدة اليهوديّة العربيّة التي هي بؤبؤ عين حركتنا، وحافظ على الامميّة البروليتاريّة والاخلاص لوطن الشّعبين".
وكذلك وقف في المؤتمر السّادس عشر لحزبنا الشّيوعي، عام 1969، حيث قال: إِنّ أخطر الأمور التي يزرعونها في هذه البلاد هي الشّوفينيّة، الاستعلاء القومي والغطرسة، وأخطر شيءٍ هو بأيّ الطّرق يُسرِّبونها إلى أوساط الشّباب. ويتابع قوله: أعتقد أنّ رئيس لجنة الخارجيّة والأمن في الكنيست دافيد هكوهين هو الذي لخّص الصّهيونيّة، بشكل صحيح، بقوله أنّها، عمليًّا، مثل التّسمّم. وانتبهوا، كيف أنّ جيلاً كاملاً مُسَمَّمٌ بالسّمِّ الشّوفينيّ والصّهيونيّ.
لقد كانت وما تزال مواقفه طلائعيّة وجريئة في الدّفاع والكفاح والذّود عن حقوق الطّبقة العاملة وجماهير الشّعب الكادح، بعربه ويهوده، بعمّاله وفلاحيه، ومثقّفيه الثّوريّين، ضدّ حكومة الاحتلال والاستغلال والموالية للاستعمار وأهدافه والمعادية للسّلام وأخوّة الشّعوب والدّيمقراطيّة.
لقد كنتَ وما زلتَ عزيزَ حيفا، وما هو هذا النّيشان، وإن مُنِحْته متأخِّرًا لكنّه مُتزامِنٌ ومُلازِمٌ لعيد ميلادك الثّمانين، إلا تتويجٌ لما عملته وصنعته يداك وصنعه قلبك وعقلك وخطّه حبرُك وقلمك، خدمةً لشعبَي هذه البلاد بكلّ فئاته الشّعبيّة.
وهل ينسى أهل حيفا العرب وقفتَك ورفاقك معهم في عام النّكبة مانعين
نزوحَهم ومُعيدين السّكّان إلى بيوتهم وطارِدين اللصوص من الهجناة، من بيوت
العرب، أهل البلد الأصليّين ومدافِعين عنهم من مجازر كادت تحصُدهم.
فَلَك كلّ الشّكر والاحترام والتّقدير والمودّة وألف ألف مبروك، فالبيت الذي يقيم فيه أهلٌ، رفاقٌ، كبنيامين غونين لا تأخذه الغلبة ولا يأكله الضّيم.
فنحن أهلُ هذا البيت وأهلٌ لهذا النِّضال ولنَحْمِِ هذا البيت ونَصُن رفاقه ونحفظ لهم تاريخهم ونحافظ على دربهم التي نسير في هَدْيِها كما تُحافظُ مفاصل صخرة على عشب ينبت بينها.
د. خالد تركي
الأحد 29/6/2008