إذا كان لا يعجبكم العجب!



"شرّف" البلاد هذا الاسبوع سيد فرنسا الاول وسيدتها الاولى، كما اعتدنا ان نصف رؤساء البلاد والعباد، "اللي يسوى واللي ما يسواش"، وبغض النظر عن الطريقة التي يكونون قد وصلوا بها الى حيث هم. وقد اثارت هذه الزيارة، وما صدر خلالها من تصريحات، عواصف سياسية على مستوى المنطقة، وعواصف عاطفية على المستوى الشخصي. فقد راح السركوزي "يكسر ويجبر"، مثل "شبّاك عمل"، يقذف هذا الطرف بحجر، والطرف الآخر بحجر، لكي يظل الصراع مستمرا، ويظل هو يتفرج. اكد هذا الفرنسي ما معناه ان الاستقرار في المنطقة لا يتم بدون سوريا! وان الاستيطان غير شرعي ويجب وقفه وازالة آثاره، وان القدس عاصمة لدولتين، اسرائيل وفلسطين. واكد من القدس غير البعيدة عن ديمونة (ذات المفاعل الذري الاسرائيلي – الفرنسي) ان فرنسا لا تحتمل ايران نووية!!
وبعقلية المستعمر الاستعلائي اشترط على سوريا ثمنا لاعادة علاقاتها الودية مع باريس، ثلاثة شروط: احدها عقد راية الصلح مع اسرائيل (كأن سوريا هي التي ترفض ذلك!)، مقبول. وثانيها فتح سفارة سورية في بيروت! هل اشترط عربي على فرنسا عدم مساعدة اسرائيل في اقامة مفاعلها النووي! عاش سركوزي وعاش سنيورته! اما الشرط الثالث فقد نسيته.
فبماذا يمكن مواجهة عقلية استعمارية كهذه؟ أليس بمثلها، فكان الرئيس شمعون بيرس "قدها وقدود". خاطب هذا الضيف الذي تجرأ على المسّ بعصب القدس الحساس قائلا: "مسيو ساغكوزي (اللثغة واستبدال الراء بالغين من ضرورات التحدث بالفرنسية لليهود، وبالعبرية للعرب إخفاء للهوية العربية)! عليك ان تقول للرئيس بشار الاسد انه اذا كان يريد السلام فعليه ان يأتي الى الكنيست ويلتقي بإيهود اولمرت، كما فعل انور السادات!
وهكذا اصبحت الخيانة الساداتية قدوة ينبغي على كل من لا يريد ان يوصم بالارهاب، ان يتمثل بها!
كأن رئيس دولتنا لم يكبر يوما واحدا! ولم يتوصل الى ما توصلت له وصارحته به، تلك الطفلة ذات الخمسة اعوام. قالت للرئيس بيرس لدى زيارته لروضتها في احد كيبوتسات الجنوب: "لعلنا اذا اعطيناهم جزءا من ارض الدولة، يتوقفون عن اطلاق النار علينا"! (يديعوت هداروم – الجمعة 20/6)، هذه الطفلة لا تعرف كما يبدو ان الغزيين والفلسطينيين عامة، لا يريدون اكثر من قطاعهم وضفتهم، دولة مستقلة خالية من الحواجز والمعابر المقفلة.
اما على المستوى الشخصي، فقد اثارت المحروسة كارلا ساركوزي "تبويزة" حرمنا المصون، حين عرفت ان ثمن جزدان كارلا 1200 دولار. وثمن صندلها 650 دولارا، (لم تتدخل وسائل الاعلام في الملابس الداخلية)، وثمن فستانها 2500 دولار، وهي – حرَمُنا – ما زالت ترتدي من جهاز عرسها، برغم ضياع اصل الالوان، بفعل كرّ السنين وتعاقب الغسل والكيّ. لكننا سوّينا الامور فيما بيننا، ورضيت بعد ان وعدتُها بأخذها الى المتاجر التي تشتري منها كارلا ملابسها، في اول زيارة لنا الى باريس! "وعيش يا...".
لكن كل ذلك "كوم"، ومقالَي د. فؤاد خطيب الشفاعمري، ورندة سمعان زريق (في الاتحاد 23/6) "كوم". الدكتور يتحدث عن "مظاهر الازعاج والفوضى في مدننا وقرانا". "خاف الله" يا دكتور، ألا تريدنا ان نفرح ونهيّص؟! صحيح ان السماعات تنطلق مع الفجر، ويتواصل دويّها طوال النهار، فهذا "بطيخ حلو، بلا بزر، وشلبي، وعالسكين، وقطف جديد" وذاك "سمك مقشّر مفجّر، منظّف" وذلك "أحسن جاج معانا اليوم"! لكن ماذا تريدنا ان نعمل. انا وحرمتي اتفقنا على عدم شراء أي شيء من أي بائع يستخدم سماعة. تضاعفت مصاريفنا لأننا صرنا نشتري السلعة من عكا وسهل كابول.. لكن الوضع لم يتغير! أتعرف يا دكتور انني اقسمت بالطلاق ألا أصوّت الا لمرشح رئاسة يتعهد بوقف هذا الازعاج!!
نحن ندوس حق الآخر بأرجلنا. نخالف كل القوانين الدينية والدينوية. نفعل "السبعة وذمتها"، مستعدون للسطو على المدارس والكنائس والمساجد والبيوت. نحلل سرقة المياه، ونمتنع عن دفع الضريبة للسلطة المحلية. نخون أمانة الوظيفة في هذه السلطة، فاذا بالمستند الذي يمكن استخراجه في نصف دقيقة، يكلف المواطن الواعي أياما متواصلة من المراجعات والمماطلات، فما بالك بالمواطن البسيط؟ هل كل ذلك يحدث في السويد وسويسرا وهولندا والنرويج؟ إذًا لماذا نصرّ على ان كل ما هو سيء ليس من "عاداتنا وشيمنا وأخلاقنا"!! ألا يجدر بنا ان نعترف اولا اننا سيئون وبذيئون ومزعجون، لكي نتمكن من التغير نحو الافضل؟؟!
وأنتِ ايتها العيلبونية الطرعانية، ما الذي لا يعجبك في الفضائيات العربية؟ ولماذا "التجنّي" عليها بهذه القسوة؟؟ ما له برنامج ستار اكاديمي؟ وممّ يشكو برنامج النجم الصاعد؟؟ أليست الدمقراطية هي التي يجب ان تحسم حتى في قضية الاصوات التي يجب ان تُسمع او لا تُسمع؟ الاكثرية من شباب اليوم، من ذوي الأقراط في الآذان والانوف، ومن ذوات الحلقات المعدنية على السرّات المكشوفة، والرسوم على الظهور العارية، هؤلاء هم الذين يجب ان يقرروا لنا ما يطربنا وما لا يطربنا. و"ليتصفّط" عبد الوهاب وام كلثوم واسمهان وفريد الاطرش وصباح فخري ووديع الصافي وفيروز... على جنب!
أنا مثلك ايتها العيلبونية الطرعانية، يدفعني البحث عن ناصر قنديل وأنيس النقاش ونصري الصايغ وميشيل سماحة وخالد حدادة وحسن فضل الله، في الجزيرة والمنار ونيو تي في، الى المرور بتلك القنوات حتى اكاد اغرق فيها!!
فكم هي "ممتعة" فضائية البث الحي المباشر، حين لا تقدم شيئا سوى اغانٍ وتهانٍ تكاد لا تعثر على كلمة صحيحة الاملاء فيها. شاهدي فضائية "سهم" وما تتضمنه من اسئلة "علمية راقية": "شيء يأكل ولا يشبع ويموت عندما يشرب، فما هو؟". "دولة عربية من خمسة حروف، لو حذفنا آخر حرفين اصبحت اسم مشروب!" أتذكّر انني مررت بهذه "الدرر" منذ فترة طويلة، اما زالت بدون حل؟ 24 ساعة من التغنج والتطعج والتقصع والتدلع على الشاشة في انتظار الاجوبة "البارعة". فاذا بالدولة ذات الحروف الخمسة "تطلع" الكويت او تونس او الجزائر او مصر حتى! أي شيء ما عدا العراق. اذ من ذا الذي يتذكر العراق الآن، وهو مشغول بتعلم الدمقراطية والحرية على الطريقة الامريكية؟ المصيبة ان هذه الفضائيات تتكاثر بشكل يوقع المزمع على فتح فضائية جديدة في ازمة التسمية. لقد نفد مستودع الاسماء او كاد.
فيا ايها الحريصون على مستقبل مريح نظيف هادئ امين. ان المجتمعات كالأفراد. وما لم يبلغ مجتمعنا مستوى تفكير تلك الطفلة الجنوبية من الكيبوتس، فسوف نظل نجترّ أنفسنا، "نتمتع" بكل المساوئ ونصرّ ان ذلك ليس من عاداتنا! نهاجم الفضائيات على تفاهتها ونسعى الى فتح محطات محلية، لا تقل عنها سخافة..
في هذه المرحلة من المقال تقف امام منزلنا سيارة الفلفل الاحمر. تستدعيني رفيقة العمر على عجل لإتمام صفقة الشراء. اسأل البائع: معك سماعة؟
- لا.
اشترينا منه ما يكفينا للكبّة والمجدرة لسنة كاملة..

 

*ومضة*

"المساكين" في سديرون يصابون بالهلع. أما الفلسطينيون "فمحظوظون" لأن اشلاءهم لا تصاب بهذا الهلع..

يوسف فرح
السبت 28/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع