حزبنا الشيوعي يُحيي 90 عامًا من النضال:
ذكريات خِتيار لم تمُتْ أجياله (25)



*لم يرض أخي عن قراري بالتفرغ للعمل الحزبي، وترك مهنة النجارة* في تلك المرحلة كانت قضية السير صعبة جدا وفي حالات كثيرة كنا نسير مشيا على الاقدام للتنقل بين بعض الفروع في المنطقة* في تلك الفترة بدأنا نسمع عن الخلافات في وجهات النظر بين اعضاء اللجنة المركزية للحزب* وقد برز انحرافهم الواضح خاصة عندما اعلنوا بشكل واضح ان الاكثرية ليست الاكثرية العددية في الحزب وهيئاته*


ان سنة 1965 هي احدى السنوات الصعبة في حياة حزبنا الشيوعي في هذه البلاد ونتيجة لهذا الواقع كانت قد اثرت على تطوره المستقبلي وكذلك في هذه السنة جرى تحول كبير وهام في مجرى حياتي الخاصة حيث انه في هذه السنة ايضا كان قد جرى البحث معي من قبل قيادة الحزب والشبيبة في منطقة الناصرة من اجل ان انهي عملي في مهنة النجارة وان اتفرغ للعمل السياسي في الحزب والهدف هو العمل بشكل خاص بين صفوف الشباب وفي فروع الشبيبة الشيوعية في منطقة الناصرة. وطبعا مثل هذا العرض لم يكن سهلا بالنسبة لي حيث انه في البداية وقعت في حيرة من امري خاصة وانني اعرف جيدا ان المعاش الذي يتقاضاه المحترف الحزبي هو معاش ضئيل جدا وانا في تلك الفترة كنت لا ازال اعزبا ولا يوجد عندي بيت خاص بي، ولكن كان من الواجب اتخاذ القرار، بالرغم من الحيرة التي انا فيها، وفي الواقع ان الاسلوب الرفاقي الذي تحدث معي فيه الرفاق المسؤولون، وكذلك نتيجة لقناعاتي السياسية والفكرية ورؤيتي لأهمية العمل بين الشباب وضرورة تقوية فروع الشبيبة التي كنت وما زلت اعتبرها وبحق انها هي الرافد الاساسي لتجديد الشباب للحزب وتقدمه وتطوره واستمراريته ايضا، وانها هي الحارس الفتي للحزب ويقع على عاتقها الكثير من الاعمال التي يلقيها على عاتقها الحزب، كان عمليا عاملا حاسما في اتخاذي للقرار النهائي. وفي النهاية اعتبر نفسي انني غلبت مصلحة العمل الحزبي على مصلحتي الشخصية.
وأظنّني قد اتخذت القرار الصحيح عندما قبلت العرض الذي تقدم به الرفاق من أجل التفرغ للعمل بين صفوف الشباب والشبيبة الشيوعية، في الواقع انها كانت مهمة كبيرة وهامة وفيها شيئا من التحدي للذات خاصة بالنسبة لشاب كان قد انهى الصف الثامن الابتدائي، ولكن خلال وجودي في صفوف الشبيبة الشيوعية وفيما بعد في صفوف الحزب الشيوعي كنت قد عملت على تثقيف نفسي من خلال صحف الحزب "الاتحاد" و"الجديد" و"الغد" والمطالعة الذاتية، ولم يرض أخي عن قراري هذا، وهو أخي الذي اعمل معه في مهنة النجارة حيث كان يرغب في ان نستمر في العمل سويًّا، ولكنه في النهاية عرف ان قراري هذا نهائي.
وبناء على ذلك كنت قد بدأت العمل الحزبي كمتفرغ بشكل كامل منذ اوائل سنة 1965، وفي الجلسة الاولى بعد تفرغي للعمل القت سكرتارية منطقة الناصرة للشبيبة الشيوعية على عاتقي مسؤولية العمل في قطاعي البطوف وشفاعمرو من اجل مساعدة هذه الفروع في المجال التنظيمي والتثقيفي في ذلك الوقت. وفي تلك المرحلة كانت قضية السير صعبة جدا وفي حالات كثيرة كنا نسير مشيا على الاقدام للتنقل بين بعض الفروع في المنطقة.
مع بداية عملي في الحزب كانت التحضيرات تجري من اجل انعقاد المؤتمر الخامس عشر للحزب الشيوعي، وخلال عملية التحضير هذه بدأنا نسمع عن الخلافات في وجهات النظر بين اعضاء اللجنة المركزية للحزب وان مواقف بعض القادة بدأت في التراجع عن المواقف الاممية ومواقف الحزب التاريخية الصحيحة لهذا الحزب العريق، ولكن الرفاق الذين يمثلون الاكثرية في قيادة الحزب كانوا يحاولون اخفاء هذه الخلافات عن الكوادر الحزبية، على امل التوصّل الى حل مثل هذه الخلافات في وجهات النظر داخل اطار اللجنة المركزية للحزب، ولكن المجموعة الاخرى التي تمثل الاقلية في داخل الحزب كانت تعمل وبشكل منظم ومثابر منذ مدة وبشكل خاص في فروع الحزب في المناطق اليهودية وفي منطقة تل ابيب بالذات من اجل تغيير توجه الحزب الاممي ومن اجل تجنيدهم في هذا الاتجاه (الذي يعملون من اجل تنفيذه داخل الحزب). وكان قادة هذا الاتجاه هم ميكونس الذي كان السكرتير العام للحزب في ذلك الوقت وموشيه سنيه الذي كان عضوا في المكتب السياسي للحزب والذي كان قد انفصل عن حزب "مبام" في اوائل الخمسينات من القرن الماضي، وفي سنة 1954 انضم الى صفوف الحزب مع المجموعة التي جاءت معه في ذلك الوقت من صفوف حزب "مبام"، وكان قبل انضمامه للحزب قد كتب كتابا حول "القضية القومية" حلل فيه هذه القضية تحليلا ماركسيا لينينيا جيدا جدا وفي الحقيقة كان هو القائد الفعلي الذي عمل على حرف الحزب عن مبادئه الاممية. وفي الواقع أدّى عملهم الانقسامي هذا الى تحويل اكثر من نصف الرفاق الشيوعيين اليهود والسير في الطريق الذي عملت هذه الكتلة على تحقيقه، الأمر الذي أدّى في النهاية الى الانقسام الذي جرى داخل الحزب الشيوعي سنة 1965. وفي الواقع عندنا في الشارع العربي في فروع الحزب برزت بشكل واضح هذه الخلافات في وجهات النظر خلال التحضيرات لعقد المؤتمر الخامس عشر للحزب. وبرز هذا الامر بشكل اوضح لكل الرفاق في الحزب يهودا وعربا عندما نشر في صحف الحزب "الاتحاد" و"كول هعام" الرأيين في اللجنة المركزية، رأي الاكثرية التي قادها في ذلك الوقت الرفاق ماير فلنر وتوفيق طوبي والذي عرف بالرأي (أ) ورأي الاقلية في اللجنة المركزية للحزب الذي كان يقوده ميكونس وسنيه والذي عرف بالرأي (ب) وهنا عمليا اصبحت الرؤيا واضحة لجميع رفاق الحزب عن جوهر وماهية هذه الخلافات الدائرة في الهيئات العليا للحزب، وبعد هذا النشر عن الرأيين في الصحف الحزبية، بدأت الفروع بعقد اجتماعات لكوادرها باشتراك مندوبين عن اللجنة المركزية للحزب من اجل شرح موقف الاكثرية وموقف الاقلية وكان بارزا في مواد الموقف (ب) أي موقف الاقلية الانحراف القومي لدى هذه المجموعة وتخليهم عن مبادئ اساسية في الاحزاب الشيوعية.
وقد برز انحرافهم الواضح خاصة عندما اعلنوا بشكل واضح ان الاكثرية ليست الاكثرية العددية في الحزب وهيئاته بل اين توجد الاكثرية من الرفاق اليهود وخرجوا بمقولة "الوزن النوعي" أي ان قيمة الرفيق اليهودي اكثر من قيمة الرفيق العربي، هذه المقولة عمليا كانت منتهى الانحراف والاستعلاء القومي الغريب كل الغرابة عن الشيوعيين وحتى على قوى دمقراطية متنورة، هذا بالاضافة الى تغيير موقفهم من حركة التحرر القومي العربية بشكل خاص والعالمية عامة، وهم عمليا لم يروا موقف هذه الحركات المعادي للاستعمار بل رأوا موقفها "المعادي لاسرائيل" وكذلك التراجع عن الموقف المبدئي الصريح والواضح بالنسبة لحق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني هذا الموقف الذي تبناه الحزب الشيوعي منذ ان ظهرت هذه القضية ليس محليا فقط بل عالميا ايضا، هذا بالاضافة الى تغير الموقف من الحركة الصهيونية ومحاولة التقرب من الاحزاب الصهيونية في اسرائيل.
ان كل هذه الامور وغيرها ايضا كانت الاساس في محور النقاش الذي كان يجري داخل هيئات الحزب المركزية مع هذه الجماعة المنحرفة بقيادة صموئيل ميكونس وموشيه سنيه، وبالرغم من كل هذا النقاش الصعب فان الاكثرية في قيادة الحزب حاولت بكل الاساليب الممكنة من اجل انقاذ وحدة الحزب الاممية اليهودية العربية ومن اجل الحفاظ على جميع الرفاق يهودا وعربا وانقاذهم من هذه اللوثة الصهيونية التي يريد هؤلاء القادة جر الرفاق الى مثل هذه المواقف الغريبة عن الشيوعيين.
في هذه الاثناء كانت التحضيرات تجرى على قدم وساق من اجل عقد المؤتمر الخامس عشر للحزب الشيوعي وكان من المقرر عقده بتاريخ 23\06\1965 وقبل ايام من هذا التاريخ كانت قد بدأت تتوافد الوفود التي سوف تحضر المؤتمر من الاحزاب الشيوعية الشقيقة وفي مقدمة هذه الوفود كان وفد الحزب الشيوعي السوفييتي، ولكن كان قد اصبح واضحا ان مجموعة المنحرفين كانت تعمل وبشكل مثابر على عقد مؤتمر انقسامي لهم في تل ابيب بالرغم من ان اللجنة المركزية كانت قد قررت عقد المؤتمر في حيفا، حيث كانت اللجنة المركزية للحزب قد اصدرت بيانا موجهًا الى فروع الحزب واعضائه من اجل اتمام الاستعدادات الاخيرة من اجل عقد المؤتمر وضرورة نجاحه، وفي هذا البيان دعت ايضا فيه المناطق التي لم تنفذ قرارات اللجنة المركزية الى الالتزام التام بهذه القرارات وكانت المناطق التي لم تنفذ قرارات اللجنة المركزية في تلك الفترة هي مناطق تل ابيب والقدس والجنوب اما باقي المناطق الحزبية الاخرى فكانت جميعها قد نفذت جميع القرارات التي اتخذتها اللجنة المركزية للحزب.
ان حضور ممثلي الاحزاب الشيوعية الشقيقة من اجل المشاركة في ابحاث المؤتمر الخامس عشر واطلاعهم على الازمة في داخل الحزب الشيوعي الاسرائيلي ادى الى تدخلهم من اجل الوصول الى اتفاق ومن اجل حل الخلاف القائم داخل الحزب، وعلى أساس هذا التدخل من هذه الاحزاب الشيوعية الشقيقة توصل الاطراف الى اتفاق من اجل تأجيل عقد المؤتمر من اجل بذل جهود اضافية مخلصة من اجل التغلب على هذه الخلافات ونتيجة لهذا التدخل عمليا عقد بدل المؤتمرين اجتماعان جماهيريان في كل من تل ابيب وحيفا ففي تل ابيب عقد اجتماع كبير في سينما مغربي تكلم فيه كل من صموئيل ميكونس واميل حبيبي وبعض المندوبين من الاحزاب الشيوعية الشقيقة وكذلك عقد الاجتماع في حيفا في سينما ماي تكلم فيه الرفاق ماير فلنر وتوفيق طوبي وبيرل بلطي عضو اللجنة المركزية للحزب والمحسوب على مجموعة ميكونس وسنيه وهنا ايضا تكلم بعض المندوبين من الاحزاب الشيوعية الشقيقة، وفي الاجتماعين تركزت الكلمات على اهمية استمرارية وحدة الحزب الاممية ولكن الاقوال كانت غير الافعال من قبل تلك الفئة المنشقة، (ولكن) هدف الاكثرية في قيادة الحزب المركزية كانت من الناحية العملية صادقة وهي اعطاء فرصة اخرى من اجل رأب الصدع ومن اجل العمل الجاد للتغلب على الخلافات ومن اجل صيانة وحدة الحزب، وعلى هذا الاساس عملت الاكثرية في داخل الحزب وفي اللجنة المركزية باخلاص من اجل تحقيق هذا الهدف، وبناء على هذا الموقف اتخذت اللجنة المركزية القرار الهام الذي فيه اعلنت انها "محافظة على الوحدة الاممية في الحزب الشيوعي الاسرائيلي وحرصا على سلامته ألغت لجنة الحزب المركزية المؤتمرين اللذين كانا سيقعدان في حيفا وتل ابيب وعقد بدلا منهما اجتماعين شعبيين" وبناء على هذا القرار عقدت عدة مناطق حزبية اجتماعات منطقية موسعة للرفاق في هذه المناطق من اجل بحث هذا الموقف الجديد الذي اتخذته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الاسرائيلي الذي يدعو الى تأجيل عقد المؤتمر الذي كان مقررا في ذلك الوقت، وكانت منطقة الناصرة الحزبية من المناطق السباقة من اجل عقد اجتماعا موسعا للجنة المنطقة بتاريخ 26.6.1965 من اجل تدارس الوضع الجديد الذي نشأ في داخل الحزب بعد هذا القرار الهام الذي اتخذته اللجنة المركزية للحزب، وفي الحقيقة ان هذا الاجتماع كان من الاجتماعات الهامة في منطقة الناصرة وكان قد جرى فيه بحثا واسعا ومسؤولا حول الواقع الذي يعيشه الحزب الشيوعي في ذلك الوقت لأن منطقة الناصرة في ذلك الوقت كانت تشمل عدة مناطق مثل منطقة عكا وشفاعمرو والبطوف، أي انها اكبر المناطق وأوسعها، وكانت حريصة كل الحرص على وحدة الحزب اليهودية العربية أي وحدته الاممية.

توفيق كناعنة
السبت 28/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع