لبنان: 4 قتلى و40 جريحاً في توترات غير منتهية



* الموالاة تدافع عن «حق سليمان» ... والمعارضة تناشد قطر التدخل ... وعون سيرد على السنيورة * «حزب الله» يقترح مخرجاً لأزمة التأليف ... و«التغيير» يتقدم باقتراح التقسيمات الانتخابية *
 
 
 
 
 
 

«عدنا الى ما قبل نقطة الصفر»... بهذه العبارة لخّص مرجع رئاسي لبناني الأوضاع السياسية والأمنية، بعدما تعذرت المخارج الداخلية لأزمة التأليف الحكومي، فيما تجاوز الحدث الأمني، أمس، مدينة طرابلس، و«خطوط تماسها» القديمة ـ الجديدة، ليعيد مجدداً طرح الأسئلة والهواجس بقاعاً ومخيمات، خاصة أن «شبهة» استخدام الأمن لتحقيق مكاسب سياسية ظلت موضوعة في الحسبان.
وبينما كانت قوى المعارضة تستعد للطلب من الجانب القطري واللجنة الوزارية العربية التدخل لإنقاذ اتفاق الدوحة، في موازاة مبادرة تكتل التغيير والإصلاح الى التقدم، اليوم، باقتراح قانون معجل مكرر الى الأمانة العامة لمجلس النواب حول تقسيم الدوائر الانتخابية استناداً الى اتفاق الدوحة، بدا أن الجميع بدأ يتكيف مع واقع أن البلد دخل في أزمة مفتوحة ولو أنه لا يريد أن يقر بذلك علناً، حيث سيكون اليوم موعداً «غير دسم مالياً» لرئيس الحكومة المكلف فؤاد السنيورة في مؤتمر فيينا للدول المانحة لإعادة إعمار مخيم نهر البارد.
وبعد فيينا، يأتي دور رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي سيستضيف غداً في القصر الجمهوري قمة روحية لمناسبة تكريم الموفد البابوي الكاردينال خوسيه سارييفا مارتينيس الذي شارك، أمس، في تطويب الأب يعقوب الحداد الكبوشي.
وفي خضم هذا التأزم السياسي، جاء اشتباك طرابلس، محملاً بالرسائل السياسية التي تجاوزت بنادق المتقاتلين وحيزهم الجغرافي المحلي الضيق، وكذلك اللقاءات التي حاولت استدراك ما يمكن أن تنتجه «الأرض» من تداعيات لن تكون طرابلس قادرة على تحمل أعبائها التي تحتوي ربما كل «أثقال» الأزمة اللبنانية بكل تعقيداتها وتشعباتها وامتداداتها...
ومع تدحرج الاشتباكات فجراً من «النقاط الساخنة» في باب التبانة إلى كل «مناطق الطوق» حول جبل محسن، ثم لتتحول إلى معارك ضارية بين المباني التي ما زال بعضها يحمل «علامات فارقة» شاهدة على تجربة سبقت قبل ربع قرن ولم تحظ بـ«تجميل» كاف وبعضها الآخر جاء بدلاً من «ركام» تلك التجربة، كانت
«الرسائل المتفجرة» تبتعد نسبياً وتدريجياً عن خطوط التماس لترفع من وتيرة المخاوف وتدفع قيادات سياسية إلى محاولة الإمساك بالموقف ومنع تحوله إلى جبهة ساخنة ودائمة إدراكاً لاستحالة حصول أي حسم عسكري.
ميدانياً، كانت الاشتباكات قد بدأت فجراً وتقاذف المسؤولية عن بدئها الطرفان المعنيان بالمواجهة التقليدية: الحزب العربي الديموقراطي ومسؤولو المجموعات المحلية في باب التبانة بغض النظر عن ارتباطاتهم المتعددة الأوجه.
وأسفرت المعارك عن سقوط أربعة قتلى وأربعين جريحاً معظمهم من المدنيين الذين إما أصيبوا برصاص القنص أو بشظايا القذائف الصاروخية من مختلف العيارات، وبلغ بعضها مناطق بعيدة عن ساحات المواجهات، فضلاً عن تساقط عدد من قذائف الهاون المتبادلة للمرة الأولى منذ عام ,1985 بالإضافة إلى مختلف أنواع الأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية.
واستمرت السخونة حتى قرابة الظهر لتهدأ مع تكثيف الاتصالات السياسية التي كان أبرزها اللقاء الموسع في منزل مفتي طرابلس والشمال الشيخ الدكتور مالك الشعار وشارك فيه الرئيس نجيب ميقاتي ونواب المدينة ومسؤولو تيار المستقبل وبعض الحركات الإسلامية المصنّفة في خانة الموالاة وقيادات من الجماعة الإسلامية.
وخلص اللقاء إلى التأكيد على أن الجيش والقوى الأمنية هما وحدهما المرجع الأمني الصالح لتحقيق استتباب الأمن في المدينة وفي لبنان لردع المعتدين في أية جهة كانت، ولو أدى ذلك للرد على مصادر النيران من أجل ضمان أمن المدينة ومواطنيها. كما دعا اللقاء الجيش لوضع يده على كل مستودعات الأسلحة.
وبعد الظهر عقد اجتماع في مكتب مدير مخابرات الجيش اللبناني العميد الركن توفيق يونس في ثكنة بهجت غانم في طرابلس ضم عدداً من الضباط وممثلين عن: الحزب العربي الديموقراطي، تيار المستقبل، أفواج طرابلس، جند الله، التيار السلفي، ورؤساء المجموعات في محلة التبانة.
وعند الساعة السادسة مساء عقد اجتماع ثان في منزل المفتي بحضور القيادات السياسية التي شاركت في الاجتماع الأول، والنائب السابق عبد الرحمن عبد الرحمن، ومسؤول العلاقات السياسية في الحزب العربي الديموقراطي رفعت علي عيد، نائب رئيس المجلس الإسلامي العلوي محمد عصفور، مختار جبل محسن عبد اللطيف صالح، وتم وضع وثيقة شرف من ثماني نقاط تقضي بوقف نهائي لإطلاق النار اعتباراً من الساعة التاسعة مساء، وتفويض الجيش اللبناني بقمع المظاهر المسلحة، ورفع الغطاء السياسي عن كل مخل بالأمن.
وفي تمام الساعة الثامنة مساء وبعد مغادرة وفدي المجلس الإسلامي العلوي والحزب العربي الديموقراطي، انضم إلى اللقاء الموسع المفتوح وفد من أهالي التبانة حيث أعلنوا عدم وجود أي تنظيم سياسي أو ميليشيا مسلحة في منطقة التبانة، وأنهم يسعون للتهدئة ويتمنون على الجيش اللبناني وكل الأجهزة الأمنية أن تقوم بدورها كاملاً.
إلا أن أصوات القذائف والاشتباكات المتقطعة استمرت حتى ساعة متأخرة من دون أن يتمكن الجيش من الانتشار في المناطق والخطوط الفاصلة بين المتقاتلين.

 

السنيورة يهاجم عون: يريد تعويضاً!

سياسياً، شنّ رئيس الحكومة فؤاد السنيورة قبل سفره الى فيينا، هجوماً على المعارضة وخاصة العماد ميشال عون، وقال لجريدة «در ستاندرد» النمساوية إن عون «يريد وزارة سيادية لتكتله وهو يعتبر أنه يمثل المسيحيين في لبنان بدلاً من الرئيس اللبناني أو غيره ويظن أنه بما أنه لم يصبح رئيساً يجب أن يحصل على التعويض عن خسارته».
ورأى السنيورة أن «حزب الله» «يعتبر عون درعاً بما أنه يعطيه تمثيلاً أوسع في البلاد».
ورداً عى سؤال قال السنيورة «الباب ليس مفتوحاً أو مقفلاً، بل هو شبه مفتوح، وأنا مصمم على إيجاد الحل المناسب. قد يتطلب الأمر أياماً أو أسابيع لكن علينا التوصل إلى حل».
ومن المتوقع أن يرد العماد عون بعد اجتماع تكتل التغيير والإصلاح على كلام السنيورة، حيث قالت أوساط في «التكتل» لـ«السفير» إن عون سيعتبر أن أول طعنة تعرض اليها اتفاق الدوحة، تمثلت في تسمية السنيورة رئيساً للحكومة.
وقبيل اجتماع «التكتل»، من المتوقع أن يتوجه وفد منه الى مجلس النواب وهو سيضم النواب ابراهيم كنعان وغسان مخيبر ونعمة الله ابي نصر، حيث سيسلم الأمانة العامة للمجلس اقتراح قانون معجل مكرر، بمادة وحيدة، حول تقسيم الدوائر الانتخابية حسب نص اتفاق الدوحة، مع اضافة تمن في الأسباب الموجبة يتعلق حول وجوب إعادة النظر بنقل مقعد الأقليات من الدائرة الأولى (ذات الغالبية المسيحية) الى الدائرة الثالثة (ذات الغالبية الإسلامية) بسبب احتجاج الأقليات وتحفظ العماد عون على هذه النقطة خلال مجريات الدوحة.
ومن المقرر أن يبادر الرئيس بري الى تحويل الاقتراح الى الهيئة العامة للمجلس من أجل مناقشته وإقراره في غضون مهلة سريعة، علماً أن الموالاة لم تعط أية إشارة حول نيتها التجاوب مع الاقتراح وتوفير النصاب القانوني للمجلس قبل إنجاز التأليف الحكومي.
وفي الوقت نفسه، تعقد لجنة الادارة والعدل النيابية، اليوم، جلسة جديدة تناقش فيها صلة الاصلاحات التي تضمنها مشروع قانون الهيئة الوطنية لقانون الانتخاب من أجل تضمينها القانون الانتخابي في مرحلة لاحقة.

 

بري لـ«السفير»: الأمور لا تحتمل أكثر

بدوره، قال الرئيس بري لـ«السفير» إن الأمور لا تحتمل أن تستمر على ما هي عليه على صعيد التأليف الحكومي وقد كان يفترض أن تؤلف الحكومة في الأسبوع الأول من التكليف لكن مع الأسف لم يحصل ذلك، وأصبحنا نسمع الآن حديثاً عن مهلة مفتوحة (قال السنيورة ان الأمر قد يتطلب أياماً أو اسابيع)»، وتابع «في أي حال، فإن كل الكلام الذي قلته يوم الأربعاء الماضي من القصر الجمهوري، ما يزال صالحاً بكل مفرداته وكلماته اليوم وربما غداً».
وفيما لم تتوقف الاتصالات والمشاورات بين بري والنائب سعد الحريري، بينما كانت متوقفة نهائياً بين عون والسنيورة، برز اقتراح لافت للانتباه، مصدره عضو كتلة الوفاء للمقاومة، النائب حسن فضل الله، الذي سأل، عبر شاشة «نيو تي في» فريق الموالاة والرئيس المكلف أن يعطي رأيه في مخرج مزدوج الاتجاه، ويتمثل في إعطاء منصب نائب رئيس مجلس الوزراء لممثل «التيار الحر» عصام ابو جمرة (أرثوذكسي)، على أن تسند حقيبة الاتصالات الى أحد وزراء «التكتل» اذا افترضنا أنهم لن يتنازلوا له عن حقيبة سيادية.
وفيما رفض مصدر بارز في «تيار المستقبل» التعليق على الاقتراح، رفض أحد أعضاء «تكتل التغيير» التعليق أيضا، لكنه أكد استمرار تمسك العماد عون بالحقيبة السيادية، وقال متهكماً «بالمناسبة نريد أن نعرف ما هو جواب الموالاة على الاقتراح... الأرجح أنهم سيرفضونه وهذا خير دليل على أن الموضوع يتجاوز الحقيبة السيادية باتجاه وضع «فيتو» على حقائب أساسية من ضمن سياسة محاصرة واستهداف العماد عون».
وقال مصدر قيادي بارز في المعارضة لـ«السفير» إننا دخلنا عملياً في قلب المنطقة الحمراء وربما تكون قد انتهت فترة السماح للسنيورة وهناك مطالبة من جانب المعارضة للفريق القطري الذي رعى ووقع وضمن اتفاق الدوحة، بالتدخل لحماية الاتفاق، في ظل عجز الرئيس المكلف عن تقديم اقتراحات، وخاصة أنه ما يـــزال يقف عند العرض المرفوض منذ اليوم الأول للتكليف (تســـع حقائب وحقيبة سيادية وحيدة)، بينما لم يقدم رئيس الجمهورية حتى الآن على كسر حالة المراوحة المرجح أن تطول.
وقال مصدر بارز في الموالاة لـ«السفير» إن عملية التأليف تراوح مكانها، ولكن ليس صحيحاً أن الأمور جامدة، لا بالعكس هناك تواصل مفتوح بين النائب الحريري ورئيس المجلس وهناك اقتراحات متبادلة من الجانبين ولم تصل الأمور الى حائط مسدود، واتهم المصدر العماد عون بأنه يستمر بالتصلب في مواقفه وهو يريد أن يحرم رئيس الجمهورية في بداية عهده من حقه بحقيبة سيادية واحدة، بينما كان مقدراً له أن يكون شريكاً بعشرة وزراء في حكومة الثلاث عشرات، علماً أن وزير الداخلية لن يكون محسوباً على الرئيس وحده بل عليه وعلى الموالاة والمعارضة في آن معاً. 

الأثنين 23/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع