ترشيحا تربيخا
بعد نشر مقالتي، حرفيش ورميش، في الاسبوع الماضي على صفحات ملحق "الاتحاد" الاسبوعي، اتصل بي الأخ أحمد خطيب من دير الاسد، طالبا الكتابة عن قريتي ترشيحا وتربيخا. ونزولا عند رغبته الصادقة وحب الاستطلاع والمعرفة، عدنا للموسوعات الفلسطينية والمراجع، معرّجين على الباحثين المتخصّصين المتمرّسين مثل السادة: مصطفى مراد الدباغ، وليد الخالدي، شكري عرّاف، جميل عرفات، سليم نحاس وآخرين لنطّلع اكثر على ما دوّنه هؤلاء عن تراب الوطن المعطاء، وبعد ان القيت دلوي بين الدلاء لأتزوّد واستنير، واذا به يعود مثقلا بالدسم، عابقابأريج الوطن رغم ما يعانيه هذا من اعتداءات وانتهاكات لحقوق المواطنين الاصليين، من قبل السلطة الحاكمة الساهرة على رفاهية المواطنين الجدد الدخلاء. ترشيحا قد تكون كلمة سريانية اصلها "طور شيحا" اي جبل الشيح وهنالك من ينسبها الى المجاهد، مع صلاح الدين الأيوبي، السيد جمال الدين شيحا، ويمضي البعض ليقول انها دير شيحا او طير شيحا ودخل عليها بعض التحريف حتى اكتسبت شكلها الحالي. اما بلدة تربيخا اللبنانية والتي ضمت الى فلسطين مع مجموعة اخرى من القرى اللبنانية مثل: هونين، النبي يوشع، قدس، المالكية، صلجة، سروح، النبي روبين وغيرها، بعد اعادة ترسيم الحدود عام 1923 بين الانتدابين الاستعماريين الغاشمين انجلترا وفرنسا على هذه الديار، وقد ورد ذكر تربيخا في المصادر الصليبية باسم تاير بيكا. بلدة تربيخا الواقعة على شارع الحدود الشمالية 899 الممتد بين رأس الناقورة حتى المطلة وبمحاذاة الحدود اللبنانية المتعرّجة ، هي تحريف لكلمتي"طور بيخا" أي الجبل المقدس او الجبل المبارك. قد يُكتب اسما البلدتين بالتاء ترشيحا وتربيخا، ويجوز ان يكتب بالطاء طرشيحا وطربيخا. تربيخا ضمت موقعي النبي روبين وسروح الفوقا(صروح من صرح) وهي شمالي قرية اقرث المهجّرة لا تبعد اكثر من كيلو متر واحد، وقد اقيم على انقاض هذه القرية واراضيها المستعمرات: شوميرا، ابن مناحيم وزرعيت وكان عدد سكان هذا التجمّع الثلاثي حوالي الف نسمة قبل النكبة. اما زميلتها ترشيحا والتي لا تبعد عنها اكثر من 10 كم هوائيا فقد تعرضت هي الأخرى الى التهجير القسري عام نكبة 1948، شُرد معظم اهلها المسلمين وبقى القليل منهم مع الاخوة المسيحيين، قدر عدد سكانها عام 1945 بخمسة آلاف نسمة، وهم مشتّتون اليوم في عدة مخيمات فلسطينية في لبنان وسوريا، وهناك من يقدر عددهم بأكثر من خمسين الف نسمة في الشتات. البلدتان ترشيحا وتربيخا اقيم في كل منهما مركز شرطة انتدابية بريطانية، المركزان ما زالا قائمين: شرطة ترشيحا الذي استبدل اسمه باسم معونا، ومعسكر تربيخا اليوم ما زال ثكنة عسكرية اسرائيلية، كما كان فيها مركز للجمارك. في بلدة تربيخا النبي روبين ما زال المقام شاهدا للعيان رغم انه يستصرخ الضمائر الحية ولجنة الدفاع عن المقدسات الاسلامية والعربية في هذه الديار، كما كان في هذا التجمع مدرسة ابتدائية ومسجدان. وترشيحا هي الاخرى كانت وما زالت عامرة بالمدارس، المسجد. وكانت فيها زاوية للطريقة الشاذلية، ناهيك عن مقام الشيخ مجاهد الذي يشرف استراتيجيا على منطقة الجليل الغربي بأسره. كان في بلدة تربيخا جمعية عرفت باسم" جمعية الاصلاح الثقافي" تُعنى بالامور الثقافية والتربوية، وتنشط في مجالات مختلفة. اما بلدة ترشيحا فكان فيها ناد حمل اسم" المثنّى بن حارثة" وكان هذا من مشاهير القادة العسكريين في عهد الخليفة الراشدي ابي بكر الصديق(ر) وقد ساعد القائد خالد بن الوليد في فتح بلاد فارس واستُشهد في احدى المعارك هناك عام 13 هـ الموافق 635 م. قدم هذا النادي المحاضرات الثقافية والتمثيليات رغم شح الامكانيات والامدادات. كما ينسب الى ترشيحا الشيخ سعيد الخالدي الدمشقي الشاذلي الترشيحي المتوفى عام 1294 هـ، ويعود نسبه الى القائد الصحابي الجليل خالد ابن الوليد، ومن ترشيحا كذلك الشاعر الشيخ صالح الترشيحي. من يتسنّ له زيارة مستعمرة شوميرا يشاهد عدة مبان عربية ما زالت شاهدة على بلدة تربيخا، بما في ذلك مقام النبي روبين. وما دمنا مع النبي روبين، فقد ذكر الباحث المعلاوي د. شكري عرّاف ان عدة مواقع في هذه الديار تحمل اسم النبي روبين وهو بكر سيدنا يعقوب عليه السلام، ومن هذه المواقع: النبي روبين قرب تربيخا 833 م عن سطح البحر ارتفاعا، كان القيّمون عليه من الاخوة المتاولة حتى عام 1948 م، في عرابة البطوف يوجد رجم من الحجارة يحمل اسم روبين، ومواقع اخرى في رمانة، (رابة) قرب جنين، نابلس، عين عريك، ناهيك عن مقام النبي روبين في الساحل الجنوبي والذ ما زال قائما رغم الاهمال لهذا المقام. وقد كان له موسم سنوي عرف باسم موسم النبي روبين كموسم النبي صالح وموسم النبي موسى، وكانت المرأة الفلسطينية في قضائي: يافا واللد والرملة تقول لزوجها: (يا بتروبني يا بتطلقني) أي اما ان تأخدني لموسم النبي روبين وإما الطلاق!! ومقام النبي روبين في الشمال يحاذي قريتي شيحين ومروحين اللبنانيتين اذا ترشيحا وتربيخا نغمة موسيقية في انسجام تام مع نشاز لما حل وحصل معهما على الصعيد السياسي، كانت من حولها القرى الفلسطينية القلاع، الخرب ومما كان حول تربيخا نذكر: صروح الفوقا، البزيرية، العجلية، شتّا، حارونا وغيرها. وما حول ترشيحا من خرب نذكر منها: رويسات، الشيخ محمد مبارك، عليّا، جدين، جعتون، الشيخ موسى وغيرها. ترشيحا كانت مركزا تجاريا هاما لقرى المنطقة"الصنايعية" معظمهم كانوا منها: النجار، الحداد، البيطار، الصائغ، المبيّض، النحاس وغيره صناعة سكاكين ترشيحا حققت شهرة منقطعة النظير تعاني البلدة اليوم من الضم القسري الى البلدة معلوت منذ عام 1963 وحركة ابناء ترشيحا وقواعد شعبية متعددة بها، تعمل على فك هذا الدمج القسري، لتعود وترشيحا الى امجادها ومركزها الحضاري والتجاري. واذا كان لابد لنا من اطلالة واستراحة في جولتنا هذه فتكون في بلدة اقرث حيث الكنيسة المفتوحة ومدماكها الاخير تتشابك به الصلبان مع الاهلة المنحوتة في الحجارة لتؤكد للقاصي والداني ان هذا التعايش هو حبّي ودّي اخوي رغم انف دعاة التفرقة العنصرية والدينية في هذه الديار من اهليين وتجار دخلاء. اذا قرانا الرازحة والنازحة كانت وما زالت مثالا وعنوانا وقدوة للتعايش التسامح، التآخي، وحسن الجوار، التعاون طبقا لاغنية الموسيقار الخالد فريد الاطرش ابن جبل العرب السوري والمواطن المصري القائل: قد تآخينا هلالا وصليبا وتلاقينا بعيدا وقريبا هذه هي أصالتنا العربية، شيمنا العدنانية القحطانية، هذه هي جذورنا المتغلغلة عميقا في تراب هذا الوطن، نحن لسنا ريشة في مهب الريح ولسنا" بياعين مهاودين " او على عينك يا تاجر! مهما جاوز الظالمون المدى، فنحن هنا باقون، لن يبقى في الوادي سوى حصاه ! هذا هو لسان حال اهلنا القابضين على وطنهم كالقابضين على الجمر!! (حرفيش)نمر نمر السبت 21/6/2008 |