النشاط الدولي الواسع الذي بادرت له منظمة العمل الدولية ،من اجل تعميق الوعي لدى شعوب العالم بخصوص الخطر الكامن في ظاهرة تشغيل الأطفال أخذ يتجذّر في ذاكرة المجتمعات والشعوب . وهناك العديد من الدول التي تبنت مشاريع المنظمة ، ووضعت برامج خاصة لمكافحة هذه الظاهرة وإعادة الأطفال الى مقاعد الدراسة. وهذا بحد ذاته يعتبر إنجازا هاما للمنظمة وللإتحاد العالمي للنقابات العمالية.
* الفقر...سبب إنتشار الظاهرة *
يتعرض ملايين الأطفال في عالمنا لظاهرة الإستغلال التشغيلي ، والتي تعتمد على استغلال الضائقة المعيشية التي تعيشها عائلات هؤلاء الأطفال ،كما أكد احد الأطفال من جمهورية الدومينكان في حديث خاص أجرته معه الدائرة الإعلامية في منظمة العمل الدولية،حيث قال خرجت واخي الى سوق العمل بسبب الفقر الذي تعيشه العائلة ، ما نتلقاه من اجر هو حوالي خمسة دولارات في الأسبوع ، مقابل عمل 12 ساعة واكثر. وأضاف هذا الطفل في حديثه بأنه واخاه ورفاقه الأطفال ممن يعملون معه يتعرضون ليس فقط للاستغلال في العمل ،بل للضرب والإهانة والحبس مؤكداً انهم يضطرون السكوت على هذا الوضع المهين بسبب الفقر الذي ينتاب عائلتهم وإضطرارهم للخضوع للضرب من اجل ضمان مكان العمل .
* تجارة رقيق ...واستغلال فظيع *
حال هذا الطفل يكاد يشبه حال مئات ملايين الأطفال ممن يجري استغلالهم في سوق العمل العولمي بل هناك حالات ابشع بكثير ، ووفق آخر إحصاء صادر عن منظمة العمل الدولية هناك اكثر من 218 مليون طفل وطفلة يجري استغلالهم في سوق العمل ، بل يجري التعامل معهم وفق انماط العبودية والرق وما تحمله من آلام ومآس، هناك ظواهر تتناولها التقارير الدولية تتعلق بعمليات الاتجار بالأطفال من الجنسين من قبل شبكات دولية تسيطر عليها مجموعات تتبع للمافيا (ليس فقط الإيطالية) وغيرها من شبكات الجنوح ، مهمتها القيام بإغراء عائلات فقيرة بـ"بيع" اولادها لتلك الشبكات تحت شعار أنهم سيوفرون لهم عملا لائقا في مهنه "محترمة" مقابل اجر كبير ، ضيق الحال ، والإغراء – مقابل دفع سلفة مالية للعائلة – يؤدي الى تمكن تلك الشبكات وعناصرها من اصطياد الفريسة – الأطفال – ونقلها الى دولة أخرى او مدينة بعيدة وتشغيلها في مهنة الدعارة مثلاً او العمل في الخدمة البيتية وغيرها من المهن التي يتعرض خلالها هؤلاء الأولاد لعمليات الاستغلال الفاحش .
* حيتان الرأسمالية يحصدون الأرباح ..*
في ظل انتشار هذه الظاهرة الخطيرة والتي يؤكد خبراء دوليين قاموا ببحث الموضوع بان العدد الذي صدر عن منظمة العمل الدولية هو "متواضع"، بسبب قيام الكثير من الدول "إخفاء الحقائق وعدم الكشف عن حقيقة الأرقام التي يحملها سوق العمل بالنسبة لعمالة الأطفال ." لهذا يعتقد هؤلاء الخبراء بان العدد يجتاز الربع مليون طفل ، وهذا الرقم بحد ذاته رهيب جداً. لأننا نتحدث عن عدد سكان دولة كبيرة من الاولاد يتعرضون للاستغلال البشع من قبل حيتان الاستغلال الرأسمالي على مختلف أشكالهم.
على ضوء هذا الوضع السوداوي قررت المؤسسات الدولية وعلى رأسها منظمة العمل الدولية الإعلان عن "يوم مكافحة ظاهرة تشغيل الأطفال."وبذلك تنطلق الحملة العالمية لمكافحة ظاهرة تشغيل الأطفال في العالم ،بداية تعقد المنظمة جلسة خاصة صباح يوم 12 حزيران الحالي في مؤتمرها ال 97 المنعقد في جنيف، تتناول فيه الموضوع والتقرير الخاص الذي أُعد بالمناسبة . من ثم تنظم مظاهرة في اليوم نفسه أمام قصر الأمم بإشتراك شخصيات نقابية ودولية وأطفال ورئيس بلدية جنيف ، حيث يجري التوقيع على عريضة كبرى تحت شعار "لا لعمل الأطفال " ويُطلق الأطفال بالونات تحمل هذا الشعار . ويجري تنظيم نشاطات واسعة بالمناسبة في اكثر من 60 دولة في العالم .وضمن هذه الحملة يتم تنظيم حملة تبرعات لكتب خاصة بالأطفال كي تستعملها منظمة العمل الدولية واليونيسكو واليونيسيف في برامجها التعليمية الهادفة الى تعليم الأطفال والعمل على إخراجهم من سوق العمل والعبودية .
* مبادرات الإتحاد العالمي للنقابات العمالية *
تحت شعار" التعليم هو حق والرد على عمل الأطفال" بادرت نقابات المعلمين في البانيا الى مشروع شامل ، تقوم من خلاله بحملة من اجل إعادة أكثر من 40 الف طفل الباني ممن يجري استغلالهم في سوق العمل بدلاً من الجلوس على مقاعد الدراسة ، وهؤلاء الأطفال هم جزء من 72مليون طفل ممن تركوا مقاعد الدراسة وانخرطوا في سوق العمل ، من اجل كسب لقمة العيش لهم ولعائلاتهم ، من جهته قام الإتحاد الدولي للنقابات العالمية بوضع برنامج متكامل لمكافحة ظاهرة تشغيل الأولاد ، ورصد ميزانيات كبيرة لذلك للقيام بمشاريع تعليمية في عدد من القارات منها القارة الأفريقية وآسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وعن هذا المشروع قال غاي رايدر الأمين العام للإتحاد في بيان له بهذه المناسبة :"اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال هذا العام يجري من خلال التأكيد على التعليم بوصفه عاملاً أساسياً في القضاء على عمل الأطفال ." وقال رايدر بأن الإتحاد بادر الى إصدار كرّاس خاص هو بمثابة دليل عمل مُصَغّر بشأن عمل الأطفال ، وما تنص عليه المواثيق الدولية بهذا الخصوص ويهدف الى تعريف الأطفال العاملين على حقوقهم والمجتمع عامة ، بما في ذلك جميع المؤسسات التي تعنى بمقاومة هذه الظاهرة. وأكد رايدر على انه :"لا بد من بذل الجهود من قبل الجميع ،حكومات وأرباب عمل ونقابات عمالية وغيرهم لمكافحة هذه الظاهرة وإنقاذ هؤلاء الأطفال ." من سوق العمل وإعادتهم الى المقاعد الدراسية وطالب بأن تحترم الحكومات المعاهدات الدولية بهذا الخصوص ومنها المعاهدات رقم 138 و182 لمنظمة العمل الدولية.
* 60 الف طفل عامل في سوق العمل هنا *
ووفق المعطيات التي تصدر عن جهات شبه رسمية عندنا يُقدر عدد الأولاد المنخرطين في سوق العمل عندنا هنا في اسرائيل حوالي 60 الف طفل، قسم كبير منهم كان من المفروض ان يجلس على مقاعد الدراسة في المدارس الإعدادية والثانوية. والعدد الأكبر منهم من الوسط العربي ، ويلاحظ ذلك من معطيات "التسرب من الدراسة" التي تصدر عن وزارة المعارف. لكن لم نلحظ أي تحرك رسمي لمعالجة هذه الظاهرة وللأسف الشديد.
لا بد لنا ان نعبّر عن تقديرنا لكل ناشط وناشطة في هذا المجال ، وما قاله خوان سومافيا مدير عام منظمة العمل الدولية بهذه المناسبة ، بأن هذه الحملة العالمية التي تدعو الى مكافحة عمل الأطفال في العالم تأتي كجزء من حملة تنظمها المنظمة على مدار سنة وتدعو فيها الى المساواة في العمل عامة وضمان العمل اللائق للجميع والمساواة بين الجنسين ومكافحة عمل الأطفال من خلال ضمان التعليم لهم مع الترويج لشعار:"الضمان من أجل التقدم: تثقيف الفتيات والفتيان على حد سواء ". يؤكد أن علينا مسؤولية كبيرة بهذا الخصوص ، وليقم كل منّا بِدوره في حملة مكافحة عمل الأطفال.من أجل ان تنتهي ظاهرة استغلال الأطفال في سوق العمل في عالمنا.
جهاد عقل *
الخميس 19/6/2008