فرحة «الأشياء الصغيرة»



هكذا تحضر الإنسانية كلمات كتبت في سبعة وعشرين مقالا تروي بصدق عن معاناة الأسير الفلسطيني والعربي في سجون الاحتلال الإسرائيلي وكيف أن هؤلاء الأسرى رغم معاناتهم في الأسر وواقعهم الاعتقالي الذي يعيشون فيه ويسجلون فيه أروع ملاحم البطولة بتحديهم لذلك الإنسان الأناني الذي يقتل ويدمر القيم الإنسانية ويغتصب الأرض ويقوم بقتل الأطفال الأبرياء وبتدمير البشر، يتنفسون بالكلمات. السجن... المعتقل... المعسكر... أيا كان اسمه الوحشي فهو في النهاية عالم تفاصيل لا يرحم... فالأسير الفلسطيني يعيش في غرفة غالبا ما يكون عدد الأسرى فيها من ثمانية إلى عشرة.. وتعيش فيها أيضا بعض التفاصيل التي لم تكن لتشكل ذرة غبار على رونق حياة الأسير الطبيعية في الخارج... فهي تنمو وتكبر على وحشية المساحة الصغيرة للغرفة... ليصبح اسمها أشياء صغيرة يندهش الأسير من ايلائه لها أهمية تفوق ماهيتها.. إذ أن نظرية "التحدي والاستجابة" للحضارة البشرية انطلاقا من العصر الحجري يمكن تغييرها.. ولو أن ارنولد تونبي واضع هذه النظرية ما يزال حيا لكان الأجدر به أن يضيف عليها بعض الاستنتاجات في حال مشاهدته العميقة للواقع الذي يعيشه الأسير الفلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي فان يعيش الإنسان في واقع كبير واسع وطبيعي فيه معظم وسائل راحته وتكيفه مع الحياة.. ثم ينتقل فجأة في رمشة قدر إلى عالم ضيق ومغلق يفتقر إلى معظم مقومات الحياة الآدمية فإنّ هذا يعني أن الأسير يستحق الكثير لدرجة وضع نظرية خاصة به تشرح كيفية تحديه لواقع الأسلاك الشائكة وظلم الاحتلال من جهة... واستجابته لانعكاسات الواقع المعاش من اجل تحديه. من جهة أخرى بعد أن كان يعيش في واقع لا ينقصه شيء سوى زوال الاحتلال عنه فتحويل قلم الحبر إلى "مفك براغي" وتحويل علبة السردين إلى سكين لتقطيع الخضر وتجهيز الطعام وإجراء الكثير من التعديلات والإضافات على تلك الأشياء الصغيرة يجعل من حياة الأسير.. أي أسير على وجه الأرض شذوذ عن قاعدة الحضارة البشرية الحديثة.. فهو معتقل في سجن شيد على قطعة ارض تقع وسط التقدم التكنولوجي والحياة المزدحمة بالرفاهية.. حيث يستعمل البشر الأدوات والوسائل وفقا لخصوصياتها... هذه الأشياء التي يلائمها الأسير مع حاجاته وبالرغم من أنها لا تعني شيئا على الإطلاق في الحياة الطبيعية إلا أنها تعني بعض الشيء للأسير.. إذ كيف يمكن القيام تقطيع ما يسمى بالخضر دون وجود "سكين معلبات"؟! إن هناك فرحة مشوبة بالتحدي والأمل...إنها فرحة الأشياء الصغيرة... ولكن كيف يمكن أن تكون الحضارة البشرية نتاج البشر جميعا إذا كان الإنسان ذئب لأخيه الإنسان؟؟

الاسير باسم الخندقجي
الأربعاء 18/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع