ألتمسّك بالرؤية الصحيحة وبالاخلاق المبدئية صمّام أمان نجاح الحزب والجبهة!



إذا ما حدث طارئ للتأجيل فانه من المرجّح ان تجري انتخابات السلطات المحلية في البلاد في شهر تشرين الثاني من العام الفين وثمانية الجاري، اي بعد حوالي خمسة اشهر فقط. والواقع ان المعركة التحضيرية لهذه الانتخابات قد بدأت في مدننا وقرانا العربية منذ عدة اشهر، وارتفعت درجة حرارة المنافسة على الرئاسة والعضوية في الانتخابات التمهيدية، داخل مختلف الاحزاب والتكتلات السياسية والطائفية والعائلية وداخل فروع الجبهة، احد اركان الجبهة ومن قدامى اصدقاء الحزب الشيوعي في قريتنا ابو سنان انتقد في حديث له معي ظاهرتين اساسيتين اراد جوابا شافيا عليهما. قال، كنا قبل أن يولد البندوق المسخ "البرايمرز" نجمع قيادة الحزب وقيادة الجبهة وبتنسيق مع قيادة المنطقة، واحيانا مع مسؤولين من الحزب قطريين لهم خبرة في العمل البلدي والانتخابات البلدية، نقوم بدراسة الخارطة السياسية وتوازن القوى واحتمالات تحالف الجبهة مع قوى نستطيع معها، حسم المعركة لصالح القوى الامينة على مصالح ابو سنان وعلى قضايا شعبنا وانزال هزيمة بالقوى المربوطة بالاحزاب الصهيونية وبخدمة سياسة السلطة. وكنا من خلال نقاش بناء نتوصل الى اتفاق حول تركيبة قائمة العضوية ومرشح الرئاسة ونقرها في هيئات الفرع الحزبي والجبهوي، ونخرج موحدين في انطلاقتنا لنصرة كتلتنا. كنا ننجح في صقل وحدتنا التنظيمية والسياسية، والتزامنا باخلاقنا المبدئية بعيدا عن الانتهازية والانانية والمصلحة الذاتية اللذين كانا عاملا هاما في نجاحنا بتسييس المعركة السياسية! اما منذ عدة سنوات وباسم الدمقراطية المزيفة المهتوك عرضها بتعددية لا تقتصر على الافكار، اخترعوا البرايمريز (المنافسة الداخلية) التي حولت الاحزاب والمنظمات وحتى العائلات الى معسكرات ومحاور متصارعة، والنجاح غالبا لمن ينفق اموالا اكثر على حملته لتجنيد مؤيدين، معسكرات ومحاور مشحونة اربابها ومرشحوها باخلاقيات السوق الاستهلاكية – الانتهازية والانانية والمنفعة الذاتية. لقد حذر خالد الذكر القائد توفيق زياد من اختراق "فيروس" البرايمريز صفوف حزبنا وجبهتنا.
قلت لرفيقي الجبهوي البرايمريز في الحزب والجبهة اكثر دمقراطية واقل خطرا من باقي التيارات الحزبية وغير الحزبية، خاصة اذا التزم الجميع بالحسم الدمقراطي، ولكنه يولّد مرارة مشروعة من ناحية انسانية، ويخلق ارضية لنشوء محاور ومعسكرات آنية بين مؤيدي هذا المرشح او ذاك، توازن القوى السياسية وطابع هوية القوى المرتقبة مشاركتها في المعركة الانتخابية، الوزن النوعي والكمي للحزب والجبهة في اطار ميزان القوى القائم، ما هي القوى المؤهلة للدخول في تحالف سياسي انتخابي مع الحزب والجبهة، هل تطرح الجبهة وشما حزبيا او جبهويا بأي ثمن حتى لو كانت الهزيمة تتصدر بوابة الجبهة، ام نستغل معركة ميؤوس منها لكسب الادارة بتخطيط استراتيجي تكون قاعدته تقوية الحزب والجبهة وتوسيع قاعدتها التحالفية السياسية، كمرحلة تحضيرية للانتخابات المتبعة التي يجري الاعداد لها جيدا لانجاح ادارة وطنية دمقراطية في مركزها كتلة الجبهة وتغيير بنية التمثيل وطابعه في عضوية المجالس المحلية، من خلال محاربة وتقزيم التمثيل للكتل الطائفية والعائلية التي تكون عرضة لضغوطات وابتزازات سلطوية سياسية. والحقيقة التي اعرفها جيدا، ولا تخفى عن اعين غيري، انه في عدد من القرى والبلدات يوجد تناقض صارخ لا يمكن مواصلة التسليم به وقبوله، التناقض بين الموقف الوطني التقدمي للغالبية من سكان هذه القرية او تلك البلدة. او ان القوى الوطنية التقدمية هي القوة الاكبر في هذا البلد او تلك القرية، وهذا يبرز في التأييد المتزايد للحزب الشيوعي والجبهة في الانتخابات البرلمانية والنقابية المتعددة، وبين الموقف المتخلف المتجسد في البنية الهيكلية لهذه المجالس المحلية إن كان في رئاستها وادارتها وفي غالبية اعضاء كتلها. ورغم الاختلاف في طابع الانتخابات البرلمانية وانتخابات السلطات المحلية، خاصة وان المجالس المحلية قد تحولت ايضا الى مؤسسة اقتصادية تشغل عشرات ومئات العاملين والموظفين والموظفات، وان الرئيس ونائبه ونوابه يكتسبون مركزا اجتماعيا اضافة الى معاش شهري دسم وامتيازات كثيرة، ورغم سياسة التمييز القومي السلطوي العنصرية، رغم كل ذلك، فانه في ظروف زيادة حدة الفقر والبطالة اصبح المجلس المحلي ملاذا لبعض المحتاجين المهمّشين سلطويا، وهذا اوجد التربة الخصبة والى جانب عدم الوعي السياسي الكافي لمعارك السلطات المحلية، اوجد التربة لانتعاش وترعرع القوائم الطائفية والعائلية والانتهازية! وحزبنا ليس محصّنًا تماما في وجه هذه الظاهرة المأساوية، ففي السابق كان الرفيق يوصل النهار بالليل لاقناع الاقارب وعائلته بدعم الحزب والجبهة حتى لو لم يكن مرشحا، اليوم بعض الرفاق، وهم قلة لحسن الحظ، يلجأ الى الضغط باسم الاقارب والعائلة لاملاء ترشيحه، واذا لم يستجب الحزب والجبهة لاملائه يهدد باقامة قائمة عائلية او يسعى لاقامة كتلة "لمم" عائلي او طائفي بعيدا عن الاخلاق المبدئية الجبهوية والشيوعية.
ان المصلحة الوطنية العليا لاقليتنا القومية التي تناضل ضد الاضطهاد السلطوي المزدوج، القومي والطبقي، هذه المصلحة تستدعي محاربة ظاهرتين مأساويتين تؤلفان خطرا على المسيرة الكفاحية من اجل المساواة القومية والمدنية وتجسيد الحقوق الوطنية لشعبنا العربي الفلسطيني ومواجهة الانياب المفترسة للفاشية – العنصرية الداشعة ... والمعادية للعرب والدمقراطية، محاربة الخصخصة الوطنية عن طريق قوائم طائفية وعائلية في انتخابات السلطات المحلية العربية، ومحاربة ظاهرة شراء الاصوات والذمم من قبل سماسرة الاحزاب الصهيونية ودعاة التعصب الطائفي والعائلي. ولهذا فان الرؤية الاستراتيجية الصحيحة تستدعي تجهيز وطرح ليس فقط برنامجا سياسيا واجتماعيا وتطويريا يلبي مصالح رفع مستوى الخدمات والتطور الحضاري، برنامجا بوسعه تجنيد مختلف مكونات النسيج الوطني في هذه القرية او تلك المدينة، واضافة الى البرنامج الحكمة في اختيار مرشحين للرئاسة والعضوية سمعتهم طيبة بين الاهالي ومقبولون لدى اوساط واسعة، ومن مختلف هويات الانتماء الطائفي والعائلي، ويتمتعون بمواصفات حسنة، سلوك حسن، درجة وعي عالية، تاريخهم ناصع في الدفاع عن قضايا البلد وشعبهم او لصفات تعطيهم قوة جذب لالتفاف قوى اخرى وشخصيات حول الجبهة ومع الجبهة في تحالفات سياسية. ورؤية استراتيجية هذا طابعها اهم سلاح للنجاح في تسييس المعركة الانتخابية للسلطات المحلية العربية وتضييق الخناق على محاولات طمس المدلول السياسي للسلطات المحلية بواسطة الكتل والقوائم الطائفية والعائلية.
للاسف الشديد لا تزال تسمع وترتفع اصوات، قلة من الاصوات الشواذ والنشاز، التي يعود نهج تفكيرها الى ما قبل ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى، تعتقد ان الاصالة في التقوقع داخل الصدفة وممارسة "السبعة وذمتها" لاخماد انفاس اي صوت يطالب بتغيير يوسع ويقوي بيتنا الحزبي والجبهوي، ومن السراديب المعتمة ينعق غراب البين متهما كل من يحاول ان يكيف انطلاقة الحزب والجبهة مع معطيات الواقع المتغير دون التنازل قيد انملة عن الثوابت المبدئية للحزب والجبهة الفكرية الطبقية والاممية الوطنية، متهما بتوجيه سهام التخريب والانحراف والانتهازية.
ان ما يثلج صدر كل من يهمه تطور الحزب والجبهة وزيادة تأثيرهما في المعترك الكفاحي من اجل السلام العادل والمساواة والعدالة الاجتماعية ان الحزب والجبهة في انطلاقة كفاحية مباركة، نأمل وسنعمل من اجل ان تتجسّد هذه الانطلاقة ايضا بتحقيق مكاسب جديدة للحزب والجبهة في انتخابات السلطات المحلية القريبة.

د. أحمد سعد *
الثلاثاء 17/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع