(1)
أرفو الزنابقَ من جسمي وتجلدُني
دنيايَ ظلماً بلعناتِ الثعابينِ
كأنمَّا نشوةُ الخيَّامِ تملؤني
حتى تحفَّ دمي نيرانُ بايرونِ
آهٍ لو أنَّ جميعَ الأمنياتِ لها
جسماً وحيداً أوافيهِ فيشفيني
أو كنتُ أسبحُ من معنايَ في أبدٍ
ثانٍ يوزِّعُ أشيائي ويُلقيني
راءٍ أنا من زماني حلمَهُ بغَدي
ولي مكاني هنا. صوتٌ يناديني
(2)
ذاتَ ليلٍ ستخرجُ منِّي الأناشيدُ عُريانةً
تلبسُ الماءَ والنورَ ......
وحدي الذي سوفَ يعرفُ أنَّ القصيدةَ
تجسيدُ لحظةِ ما نشتهي ونحُبُّ.....
القصيدةُ مفتاحُ لا وعينا والغدُ المستحيلُ ....
سأصرخُ في ذاتِ ليلٍ : وجدتُ القصيدةَ فيَّ فلامستُها..
انتثرتْ في عراءِ دمائي وضيَّعتها...
(3)
بشواطئٍ بيضاءَ أحلمُ. ملءَ هذا الكونِ
أحلمُ بالفراشاتِ الخضيلةِ من شذى النيرانِ
أحلمُ بالسماءِ, بهالةٍ شفَّافةٍ زرقاءَ
راحَ يمُسُّها شبقُ الضياءِ .......
ومسَّني الطوفانُ في أطرافِ أزهاري
صحوتُ. ركضتُ مذعوراً. بلا قلبٍ يدُقُّ
وراحَ يخرجُ من منامي أفعوانْ
(4)
من رمادِ الخساراتِ ينبتُ أبطالنا القادمونَ إلى عرسنا
مثلَ زهرِ الأناجيلِ. والذاهبونَ إلى شمسنا
من رمادٍ يوحِّدُ أصواتنا في نشيدِ الحياةِ
يُجدِّدُ أشواقنا المنتقاةَ
يُعمِّدنا أوَّلاً بالحنينْ
من رمادِ الخساراتِ....
لا من خيامِ النساءِ ولا من بيوتِ سحابٍ وطينْ
سوفَ ينبتُ أبطالنا القادمونْ
(5)
أصنعُ من نثارِ وقتي قُبلةً ثلجيةً, ناريةً
أدفنُ فيها القلبَ ريثما يُبرعمُ الصدى الصوتيُّ في رسائلي
وتنهضُ الجهاتُ واللغاتُ من نومِ مجازِ الشعرِ في قصيدتي
الحُبلى بأحلامِ لوتريامونَ أو رمبو .....
ويخطو آخري المسكونُ مثلي بالبحيراتِ ....
إلى براءةِ الأشياءْ
(6)
وحدي ألمُّ خطايَ في وطنٍ حياديٍّ
أرى الأشياءَ تزهرُ في رؤايَ رذاذَ أجنحةٍ
وورداً فاضَ عن حَدِّي ...
وُلدتُ من القصاصاتِ الأخيرةِ للسنا عِندي
أنا سفرُ الندى المكتوبُ في سِرِّي بماءِ الغيبِ
وحدي شاهدٌ وشهيدُ ما سأخطُّ من حُرِّيتي فوقَ الفراغِ
وحينَ أُبعثُ من ظلامِ الحُبِّ حيَّا
(7)
أُحاولُ ايجادَ معنىً لنصفِ الكلامِ الذي في الحروبِ احترَقْ
ونصفِ الغرامِ الذي دشَّنتهُ الغوايةُ. ملءَ الغروبِ انعتَقْ
أحاولُ أن أبدأ الشعرَ. إذْ تنتهي الطائراتُ غداً
من سمائي التي أشتهي أن أراها
فتسكنني ألفُ طائرةٍ من ورَقْ
(8)
ذهبتُ أبحثُ عن معناكِ فافترَستْ
عينيَّ رؤيا سالومي. واحتوتكِ يدي
لكنَّ عينيكِ كالعنقاءِ تُفلتُ من
ألحانِ روحي وتحشوهنَّ بالرمدِ
حتى بحيراتكِ الصغرى مُجللَّةٌ
بوردةٍ من دموعِ الطائرِ الغَرِدِ
حتى رمادُ مساءاتي يُبعثرُني
أوراقَ حورٍ أتتْ من لوعةِ الأبدِ
لُمِّي نصاعةَ هذا الليلِ. واجترحي
جسراً إلى صبحكِ الوسنانِ في خَلَدي
هناكَ فوضى جمالٍ لا تُؤلِّفني
إلاَّ كما ألَّفَتْ عشتارَ بالزبدِ
هناكَ لم أنتبهْ.. حتى إذا احترَقتْ
فيَّ الشواطىءُ أجراساً على الأحَدِ
رأيتُ نفسَكِ في نفسي ولمْ أعُدِ
حيَّا من البئرِ يا من عُدتِ من جسَدي
من ماءِ مرآةِ روحي. حينَ أسكُبهُ
على ترابِ الثُرَّيا...... من حنينِ غدي
إلى تفلُّتِ نهرٍ منكِ يُرعشُني
على ضلوعي, على جنبي, على أوَدي
يكونُ مثلَ عمادِ النارِ يبدؤني
أو اقترافَ خطيئاتي على عَمَدِ
(9)
لا حكمةً لي في انكِسارِ معارجِ البلُّورِ
تنبتُ حكمتي كالعَوسجِ البريِّ والنبويِّ
في قلبي وتُشعلني بلا وَهجٍ
ليأتي الغيرُ يقبسُ من أنايَ
ويستضيءُ بليلِ من وهَبوا الغيابَ دماءَهم......
(10)
في الجليلِ طيورٌ سماوِّيةٌ من وصايا الغمامِ
ترِفُّ على عطشي كيْ ينامَ
بلا لهفةٍ تتسلَّلُ من خللِ الماءِ مثلَ بروقِ المدى
في الجليلِ سأصنعُ لاسميَ معناهُ
أحملُ رأسي بنفسي على طرفِ السيفِ عشقاً ...
وكيما أصيرَ جديراً بحَلِّ سيورِ حذاءِ المسيحِ
وكيما أُحرِّرَ بعضَ صفاتِ الزهورِ
وبعضَ صفاتِ الندى
في جليلِ هيروديا من الليلِ
من سُمِّ أفعى التآويلِ
لا بُدَّ لي أن يضيءَ احتراقي ظلامَ الوجودِ
وأخصبَ جدبَ الحياةِ
بدمعي ودمِّي سُدى
(11)
ستمُرِّينَ بي في أقاصي الرياحِ
كوردٍ عصيٍّ على الفهمِ
من غيرِ تلويحةٍ لمراياكِ.....
أنهضُ من قاعِ حُلمٍ قليلٍ, ضليلِ البُروقِ
يُطاردهُ شبقُ العنكبوتِ
بعدوِ السُلَّيكِ أو الشنفرى.... وتماهيكِ بي
يا انعقادَ التويجاتِ في شفقي
وانسكابِ أجنَّتها في دمي
يا احتفاءً شهيَّاً ببحرٍ تغلغلَ في معصَميكِ وفي عُنُقي
ثمَّ تاهَ بهِ قلقي
تاهَ حتى الوصولِ إلى وردةِ الظَلموتْ .
شتاء 2008
**********
إفعلْ ما الذي يُغويكْ
قُلْ ما الذي يُغويكَ
وافعلْ ما يشاءُ العابرُ الساحرُ
ما بينَ قوافيكَ
مُحمَّلاً بنيسانَ وعيَنيّْ قَمرٍ مُعَذَّبٍ.....
فقولكَ القادمُ من كُلِّ الأقاليم ِ إلى
هالاتِ زهرِ الياسمينَ
جارحٌ مثلَ شفيفِ الضوءِ
لا يستنفذُ الشعاعَ في قصيدتي
بل أنهُ يرفعُ من هبوطِ أسمائي
قليلاً نحوَ لفظٍ غامضٍ ......
يحاولُ التخفيفَ من تصحُّرِ الأشياءِ
في قيامتي الصغرى
تهجِّي العطرَ في الأقدام ِ
تفكيكَ رموزٍ ذبلتْ في معبدِ العُمرِ
كما تذبلُ في داخلنا
الأيامُ والأحلامُ
أطرافُ الرواياتِ التي نقرأها
الأجفانُ , والألحانُ , والأمكنةُ الحُبلى بنا
الليلكُ , والأمطارُ , عنوانٌ قديمٌ لإشتهاءٍ
جدَّ في قلبي , وفي عينيّ َرانَ برقُهُ اليانعُ
في أقصى دماءِ الروح ِ .......
قُلْ يا أيُّها الشاعرُ
وافعلْ ما الذي يُغويكَ
عانقْ ذاتكَ الأخرى
وتُهْ في الشفقِ الأعلى من الناياتِ .....
جِدْ لغتكَ البكرَ وحلِّقْ بجناحينِ
عظيمينِ لأهوائكَ حتى الضفةِ البيضاءِ ....
حتى رفَّةِ النارنجِ في دمي
إلى ما لا إنتهاءٍ
ربمَّا تصلني أو تصلَ اللهفةَ في الأشعارِ
كالأجراسِ عُلِّقتْ على ديرِ النداءاتِ ...
على الضلوعِ كالتمائمِ المُنحلَّةِ الشعورِ ....
أو تمتصَّ كالإسفنجةِ انبهارَ ديكِ الجنِّ
وانكسارَ قلبهِ كما شقيّْ هلالٍ عاشقٍ
رنَّا على مرأىً من الرخامِ
حينَ من جمالها / مسمَّياتها المُطلقةِ المعنى
تصيحُ وردُ
كنجمةٍ مُبتلةٍ بجمرها
وحينَ تستلُّ حساماً غيرَ مرئيٍّ من الآهاتِ
من صلصلةِ الأنَّاتِ
في بريَّةِ الأجسادِ
في نهرِ مراياها الأخيرِ يعدو
ماذا تُرى أقولُ بعدُ عنكَ أو عني ؟
أجبْ يا شاعري
ماذا أقولُ بعدُ ؟
الوجعُ الشمسيُّ في هذا المخاضِ شهدُ
**************
في الشارعِ الخامسِ
منذُ مساءٍ طاعنٍ في عهرهِ , عرفتهُ فتىً كنهرٍ ضائعٍ في أبدِ الصحراءِ
كانَ هادئاً وناعسَ العينينِ والمسحةِ كابنِ النبلاءِ , مائعاً
جمالهُ مُهذَّبٌ , مشذَّبٌ , وصوتهُ مُقصَّبُ الصباحِ والمساءْ
نظرتهُ / بسمتهُ , مصيدتانِ للَّتي ما رجعت يوماً إلى أحلامها البيضاءِ
أو جنتِّها الخضراءْ
نموذجاً مُطوَّراً عرفتهُ , لكلِّ ما في الذئبِ من قساوةٍ
لكلِّ ما في الثعلبِ الأحمرِ من دهاءْ
مُحتالُ عصرِ النتِّ والبورصةِ والعولمةِ الهشَّةِ والفضاءْ
يمزجُ عبقرِّيةِ الخداعِ والزيفِ بعبقرِّيةِ الذكاءْ
لكنني مستغربٌ لوهلةٍ , كيفَ استطاعَ ذئبهُ استدراجَ آلافَ الظبِّياتِ ....
استطاعَ نَسرهُ استدراجَ آلافَ اليماماتِ ؟
كأنَّما كلامهُ المُصَّفى مثلَ طُعمٍ نافذٍ في الغيبِ في صنَّارةِ القضاءْ
كيفَ استطاعَ ذلكَ الفتى الوسيمُ الناعسُ العينينِ والمهّذَّبُ الجمالِ والكلامِ
- لن أفهمَ بعدَ اليومِ نفسي , آهِ , لن أسخرَ منها أبداً –
كيفَ استطاعَ فارسُ الأحلامِ أن يعودَ
من غيبةِ روبنْ هودَ
من أشعارِ رولانَ , ومن أحزانِ سرفانتسَ , لا أفهمُ ...لا
كيفَ استطاعَ ابنُ عصرِ النتِّ والبورصةِ والمرِّيخِ
قتلَ واغتصابَ كلِّ ما في الشارعِ الخامسِ
من نساءْ ؟!
*******************
لم أقُلْ ..آهِ كلاَّ
إلى أدونيس
جسدٌ ليسَ إلاَّ
حفنةٌ من ينابيعَ تبحثُ في جسدِ إمرأةٍ عن مصَّبْ
لغةٌ أزهرتْ , نجمةٌ أشرقتْ في أقاصي دماءِ المُحِّبْ
لم أقُلْ ... آهِ كلاَّ
ليتني كنتُ أكثرَ من رغبةٍ أو أقلاَّ
لبكاءِ الخزامِ المُجَفَّفِ مثلَ علاقتنا في خيوطِ السُحُبْ
على طللِ القلبِ لا ......
لم أقُلْ ... آهِ كلاَّ
كلمَّا انهمرَ الصبحُ فينا.. على الجرحِ .. طارَ شعاعاً .. وأصبحَ ليلا
كنتِ لي ما تُربِّي المسافةُ ما بيننا من رياحٍ سديميَّةٍ
تركَتْ في حقولِ يدينا هواءً , غماماً , ضياءً , وظلاَّ
كنتِ لي ما أكونُ لنفسي غداً , وهلالاً على القلبِ
أرخى جدائلَهُ وأطلاَّ
كائناً لا يسافرُ في الأبجديةِ إلاَّ بقلبي , وعينيَّ إلاَّ ......
كيفَ فردوسُنا صارَ محلا ؟
آهِ يا قمراً مثلَ عنقودِ كرمٍ تدَّلى
ليتَ ما ظلَّ منكِ كعنفِ الحمامِ الحزينِ لكفيَّ , لهفةِ عينيَّ ... ظَلاَّ
لم أقُلْ ..... آهِ كلاَّ
رمادُ المساءِ المُلوَّنِ حطَّ على منكبيِّ القصيدةِ , عابثَ زهرةَ عبَّادها , واستوى بينَ قلبي وهاويتينِ , استوى بينَ عاطفةِ الماءِ والمُرتقى الأنثويِّ , استوى بينَ تبرِ مُعلَّقتينِ وصوتِ تأبطَّ شرَّاً وسحراً .......
رمادُ المساءِ المُدوَّنِ في سفرِ تغريبتي بدموعِ القوافيَ والياسمينِ , انتهى فيَّ ...
صارَ رذاذاً يهبُّ على جسدي من جهاتِ رؤايَ , حليبَ كلامٍ تحوَّلَ في قبضتي ... صارَ ما صارَ لي ....كوكباً للغموضِ , فضاءً بلا آخِرٍ , ومزاميرَ من غيرِ ما شاعرٍ , صارَ أنشوطةً للحدائقِ في ليلتي , من دماءِ القصائدِ مجدولةً , صارَ زهراً يُغلِّفني بحزيرانَ , بالأرجوانِ البريءِ .... وفُلاَّ
لم أقُلْ ...آهِ كلاَّ
ما توَّحدَ فيَّ وعانقني عندَ رأدِ الضحى والعبارةِ ,كالإستعارة, أجهلُهُ , وأسمِّيهِ :
لا شيءَ , كالضوءِ . لكنَّني صرتُ في لحظةٍ طيِّعاً في يدِ الشمسِ , مُسترسِلاً في الندى .. عدتُ طفلاً تزملُّني وردتي في الرجوعِ الأخيرِ من الغارِ أو من سمائيَ ,
تحملنُي في العبيرِ جديلةُ نهرٍ فينيقيَّةٍ
نحوَ عزلةِ أقمارِ مملكتي , نحوَ غيمٍ يُكوِّنُ فيَّ شتاءَ الأحاسيسِ
يذهبُ حتى غوايةِ أمطارها , وابتدائي على خصرِ أوفيليا شجراً يتجلَّى
لم أقُلْ بعدَ هذي القصيدةِ ما كانَ يسكنُ حُلْمي من الزمنِ المُرِّ
هذا عشائي الأخيرُ , مجازي الأخيرُ , فما كانَ يبحثُ في القلبِ عن مخرجٍ
للدموعِ وللدمِّ .. ولَّى
... ليتَ عينيكِ من كوكبٍ تبرقانِ على شغفِ الروحِ نصلا
لم أقُلْ .... آهِ كلاَّ
لم أقُلْ ..... آهِ كلاَّ
24 أيَّار 2008
*******************
كلامٌ أخيرٌ إلى ويليام والاس
عالياً عالياً مثلَ نَسرٍ يطلُّ على ما وراءِ القممْ
تحدَّ الألمْ
وكن ذاتَ ذاتكَ , كن أنتَ أنتَ , ولا يتغيَّرُ فيكَ مصبُّ الينابيعِ
تلكَ التي في أقاصي الضلوعِ
وكن واحداً في دبيبِ الجميعِ
لما يعشقونَ , نبيَّاً لنصفِ الزمانِ الفقيرِ , بلا حبقٍ كيْ يُغلِّفَ إنجيلَهُ ....
وسراجاً على ليلِ أعداءِ روحكَ
ليسَ يضيءُ سوى قلبِ شيطانهم بدموعٍ ودمْ
عالياً , لا تطأطئْ لهم كبرياءكَ , لا تحنِ قلبكَ يا سيَّدي – حذوةٌ لحصانكَ أشرفُ من دُرِّ تيجانهمْ – وارتفع في مدارِ بهائكَ حتى ولو علَّقوكَ كأضلاعِ صاريةٍ في الجحيمِ مُكسرَّةٍ , كهلالٍ يموتُ على مهلهِ دونما سببٍ , كنهارٍ قتيلِ الخطى , كأصابعَ عثمانَ , قمصانَ يوسفَ في ليلِ يعقوبَ , عطرُ زهورِ الأناجيلِ , أنثى تشمسُّ زينتها في الهواءِ القليلِ , دمائي مُضيَّعةً في الفصولِ وحافيةً مثلَ أقدامِ نيلوفرٍ ....
قلبُ لؤلؤةٍ حيَّةٍ أنت في نارهم , خفقانٌ لعنقاءَ لا تترمدُّ أوصالها , شارةٌ رفعوها على بابِ مملكةِ الجنِّ – لندنَ – لا تترَّجلْ , فما زالَ ممَّنْ تحبُّ دمٌ فوقَ جمر السيوفِ لعينيكَ يصهلُ , لا تترَّجلْ وقاتلْ إلى أن تفيقَ الجماداتُ من نومها / موتها / عشقها / سُكرِ برزخها .......
لا تقايضْ بروحكَ لا ترمِ سيفكَ , قاتلْ لتُمحى الفواصلُ , قاتلْ , ولا تتذَّكرْ سوى لونِ عينينِ تنعتقانِ وتفتتحانِ السواحلَ , قاتلْ , لكي لا تموتَ الجداولُ في جسدِ الأرضِ أو تختفي من عروقكَ أو تتحولَّ لا شيءَ لا شيءَ , أمنيَّةً صدأتْ في الرمادِ وأغنيَّةً لا تُفسرُّ إلاَّ بمعنى الغيابِ .........
فأنتَ امتدادُ السماءِ التي أغلقوها , امتدادُ السماءِ , امتدادُ السماءِ , وصوتُ البحارِ الغريبةِ , أيقونةُ العنفوانِ , إنفلاتُ المراحلِ والإحتمالاتِ من جاذبيَّتها , أنت سرُّ الطبيعةِ , سحرُ خميرتها , طهرها المتوارثُ في كلِّ رابيةٍ , قلبها وارثُ الإنعتاقِ النبيلِ , هوى يتناسلُ منها , إنتحابُ البحيراتِ فيها , وما تحملُ الأبديَّةُ من ألقٍ .......
أنت في حِلِّ عشقٍ غريبٍ لحرِّيةٍ لا تُنلْ تحتَ شمسِ الحياةِ إلى أن تجفَّ بحارُ الدموعِ إلى أن تشفَّ وصايا الدماءْ
في قتالكَ , مثلُ جمالكَ يا سيَّدي , وحمٌ للنساءْ
إلى لا ابتداءٍ , إلى لا انتهاءْ
لا حياةَ مع الظلمِ , يا من صنعتَ بموتكَ حرَّاً نقيَّ السريرةِ من لوثةِ الصمتِ أبهى وأزهى حياة
يورِّخُ رأسُكَ في كُلِّ تاريخِ إنجلترا لاندحار الطغاة .
أيَّار 2008
*********************
حالة اندهاش
محاولتي أن أرى آخرَ النفقِ الآدميِّ مكللَّةٌ بالجنون
وفهمي يجللِّهُ العقمُ
قلبي يجللِّهُ حلُمٌ مزعجٌ
وأنا في اندهاشٍ غريبٍ عجيبْ
محاولتي لا تلامسُّ من حكمةِ الشيءِ غيرَ الرخامِ الرتيبْ
أناسٌ يجنُّونَ قبلَ الثلاثينِ , تصدأُ أرواحهمْ كالحديدِ الجديبْ
أناسٌ يجنُّونَ , ينتحرونَ , بأوجِ احتفاءِ الربيعِ بهم يذبلونَ بلا حكمةِ الصيفِ
ينكسرونَ , كأشجارِ رملٍ , لكلٍّ طريقتهُ حينَ يعلنُ لعنتهُ , حينَ يطفىءُ وردتهُ
آهِ قبلَ الثلاثينَ , قبلَ الثلاثينَ
هذا بلا سببٍ , ذاكَ شيطانهُ بلغَ الحلمَ , ذا يتنصلُّ من نفسهِ أوَّلاً ثمَّ من زوجهِ
تاركاً لغدِ الزمهريرِ عصافيرهُ , آخرٌ كافرٌ بالنعيمِ المقيمِ
يشطُّ الى كوكبٍ أحمرٍ يابسٍ جائعٍ
تلكَ تقتلُ زينتها , تتبَّرأُ من قلبِ جولييتَ من عطرِ عُشَّاقها
ثمَّ تلقي هواها / صباها / فتاها بجبِّ الجنونِ
وهذي ترشُّ الشذى الدمويَّ على كلِّ أشيائها الأنثويَّةِ , فسحةِ أحلامها
وتغيبُ تُلوِّحُ أطرافُها للحياةِ السعيدةِ
أخرى ضحيِّةُ ذئبٍ
ضحيَّةُ أقدارها دونَ ذنبٍ
سوى أنها أذنبتْ
في حياةٍ خلتْ
آهِ ... ما عدتُ أفهمُ شيئاً هنا فدمي قد أصيبَ بداءِ اللهيبْ
ولا أتذكرُّ من ذلكَ الصيفِ , صيفي الطفوليِّ , صيفي البدائيِّ , صيفي النهائيِّ , صيفي المُوَّشحِ بالشهدِ والوردِ .......
غيرَ ضبابِ الحليبْ
أنا في إنكسارٍ لكلِّ النساءِ اللواتي تحوَّلنَ أعمدةً من رمالٍ وملحٍ
يُشيِّعنَ قلبي على جنباتِ الظنونِ , وأعمدةً من نحيبْ
لم يذُبْ في دمي عطرُ تلكَ العشِّياتِ بعدُ , وأنَّى لهُ أن يذوبْ ؟
لم يغبْ بدرُ تلكَ العشِّياتِ عنِّي , ولم تتبخرُّ أنفاسُ فينوسَ
مثلَ رذاذِ النجومِ , وصوتُ النباتاتِ والوردِ منِّي .......
ولستُ أرى الآنَ غيرَ أناسٍ يساقونَ صوبَ سدومَ بقبضةِ نخَّاسهم
ثمَّ يحنونَ أهواءَهم بإرادتهم تحتَ مقصلةٍ من رمادِ الغروبْ
لستُ أسألُ عن أيِّ شيءٍ فإنِّي تعلَّمتُ الاَّ أبيعَ كتابَ الحبيبِ
بجيتارةِ الغجرِ الراحلينَ , تعلَّمتُ ألاَّ أكونَ سوايَ سوى في الحنينِ
وأن أتسللَّ من سدَّةِ الظنِّ دونَ رقيبٍ , تعلَّمتُ أن الأمانَ الذي كانَ يحلمُ
فيهِ أخي بدرُ عندَ حوافِ الجحيمِ طيورٌ خرافيةٌ لا تجيءُ
تعلَّمتُ أنَّ الهواءَ دمٌ لا يُجيبُ , دمٌ نافرٌ , كائنٌ من أساطيرَ
لا تنتهي , لا يطيقُ الغريبْ
أنا في اندهاشٍ غريبٍ عجيبْ
28 أيَّار 2008
نمر سعدي
الجمعة 13/6/2008