"انا البحر في احشائه الدر كامن . . فهل سائلوا الغواص عن صدفاتي"



"ورحمة خليل" لا اكتب مقالتي هذه ابتذالا او لزوم ما لا يلزم، اكتبها تحرقا ومرارة على حال لغتنا العربية، لغتنا المحيط في اتساعه ومحتواه من درر ومرجان.
كانت وما زالت وما انفكت وما فتئت وما برحت، من أجمل لغات العالم تعبيرا وشكلا، فشكلا في كتابتها انسيابا منقطع النظير، وفي تعبيرها من أوسع لغات العالم فلا تحتاج لكلمتين او اكثر في بعض الاحيان كباقي اللغات التي عرفناها او سمعنا عنها كي تعبر عن موقف او حالة او شعور فلكل مقام مقال.
تتيح لغتنا للكاتب او المتحدث مجالات لا حصر لها من حيث اتساع مصطلحاتها ومرادفاتها، ناهيك عن المحيط الواسع الذي تضعه أمام اصحاب المواهب الشعرية للتعابير المجازية البليغة، وكأنها وابل مطر ألوان توضع أمام رسام. فيحتار كيف وبأي ألوان يتم لوحته ليبدع ويبهر الناظر اليها أو ليوصل له فكرته من لوحته هذه، هكذا هي لغتنا العربية وهذا ما انفطر عليه ادباؤنا وشعراؤنا منذ عهد يعرب بن قحطان مرورا بكل اساطين اللغة العربية وجهابذتها من سيبويه وخمارويه وابو الاسود الدؤلي و..و..و..و.
ننتشي لسماع قصيدة مقفاة من الشعر العمودي الاصيل الذي يوزن حسب اوزان الشعر وبحوره وعروضه ومعايير الشعر الحقيقي "شعر ايام زمان" من أمثال المتنبي والفرزدق وجرير حيث غرف الواحد شعره من نهر والآخر وكأنه نحت في الصخر لاهتمامه في شكل ومضمون شعره ويا عيني على شعر اليوم فحدث ولا حرج.
نرقص ونطرب لسماع قصيدة مغناة بصوت رخيم ناهيك عن الفيروزيات الرحبانيات والمقامات الشامية.
عاصرنا جلوس الملايين أمام المذياع لسماع روائع الشعر العربي بصوت كوكب الشرق، وللأسف نسمع اليوم "بوس الواوا خلي الواوا يصح ويصير بح".
ابكيك ايتها اللغة العربية ويا حسرتي وحسرة الكثيرين ممن عشقوا ويعشقون أصالة اللغة العربية وليس تعصبا أعمى إنما حقيقة.
اسردها وبسرعة "ظن احدهم انه يقرض الشعر فحاول ذلك، لاقى تشجيعا من البعض فاستل قلمه وكتب ديوانا باعه بسعر زهيد 10 شواقل للنسخة. إلا أنّ أحد المعلمين في مدرسة ما لم يشتر الكتاب وبالعكس قام بتوبيخ زملائه ممن اشتروا الكتاب قائلا: "ما بتخافوا من الله بدكوا تخربوا بيته لهذا الزلمة". استغرب الجميع وقالوا لهذا المعلم: "لماذا يا استاذ؟ تشجيعا وثمن الورق فقط". فما كان من هذا المعلم الذي لم يشتر الكتاب بأن رد عليهم: الكل شجع واشترى فسوف يعود شاعرنا هذا للبيت ظانًّا انه شاعر حقا ويطبع ديوانا آخر واليوم قد طبع 100 نسخة، سيطبع الف نسخة ولن تباع وتخربوا بيتوا خافوا الله الشعر موهبة. للشعر اصول.. للشعر قواعد.. للشعر بحور واوزان.
لا اريد التوسع والتحسر على الشعر العربي والبلاغة فيه، او التحسر على الاغاني الطربية الاصيلة، الادوار منها والموشحات منذ عهد زادك الغيث الى بالذي اسكر من عذب اللمى فهذا الموضوع بالذات بالاستطاعة الكتابة عنه كتبا ومجلدات ولكن مقالتي اليوم عن "التهويد".
ليس تهويد الجليل او التجمعات السكانية العربية بحيث تضمن الموازنة السكانية مع اكثرية يهودية فهذه العملية معروفة للجميع. ولا غرابة فيها ولا استهجان فهذا ديدن سياسة دولة اسرائيل وحكوماتها المتعاقبة منذ عهد دافيد بن غوريون وحتى يومنا هذا. وسوف تستمر هذه السياسة في محاولة لطمس كل المعالم العربية الفلسطينية في الدولة. وكل رئيس حكومة او زعيم سياسي في الاحزاب الصهيونية، ان غفل يوما ما عن تشجيع هذه السياسة والعمل بموجبها فيحسب في خانة الخونة للفكر الصهيوني او خائن لنظرية دولة اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات.
لهذا الامر نحن يقظون ومدركون. عملنا ونعمل على محاربة كل ظواهر القمع التعسفي لجذورنا في هذا الوطن، نجتهد في رفض الهجرة وترك الوطن، فهذا وطننا ولا وطن لنا سواه.
تعودنا على القاء اللوم دائما على السلطة ولكن ان يصل الامر لتهويد لغتنا العربية العامية الدارجة فنحن السبب وليس للسلطة او لسياسة السلطة اي ذنب وهي بريئة كبراءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.
في دولة اسرائيل اقر قانون يعترف باللغة العربية كلغة رسمية في الدولة (شكر خاص للدولة على اعترافها باللغة العربية) على الرغم من ان هذا القانون ولد اعرج خلل في جيناته ولا يستطيع الركض واللحاق باخوته من القوانين سريعة التطبيق، كقانون جباية ضريبة التلفزيون مثلا او قوانين الجباية الاخرى وغيرها من القوانين سريعة التنفيذ.
لا يتمم احدنا اليوم جملة الا وقد ادخل بها كلمة عبرية او اكثر، وكأن اللغة العبرية اوسع واشمل ولكن "شو اللي صار يا جماعة الخير".
عندنا في البيت سيارتين، وسقالله ايام الحمارتين مش السيارتين، لأني قبل اسبوعين "قلعت شروش ابو فورد واليونداي الاصلي" بسبب تعطل السيارتين يومها.
كنت قد دعيت لمستشفى "حمزه" سابقا (رمبام اليوم) لأجري فحصا في إحدى عياداته واضطررت بسبب تعطل السيارتين ان اسافر بواسطة سيارة عمومية "تاكسي".
انتظرت مع خمسة مسافرين آخرين لاكتمال العدد حيث لا تنطلق السيارة الا باكتمال العدد واخيرا وصل الراكب السابع حيث دار الحوار التالي بين هذا الشاب وسائق السيارة:
الشاب: لحيفا؟
السائق: نعم.
الشاب: هدار والا عيرا؟
السائق: للهدار.
الشاب: متسويان، بحييخا استناني رك شنياه لكنوت سيجاريوت!
السائق: يللا مهير وحياتك وبعدين ما انتي عارف انو اسور ليعاشين بتوخ همونيت!
الشاب: اني يوديع بس مقطوع والدخان لبعدين.
دخل الشاب لمقصف بمحاذاة المحطة ولحسن حظي او لسوئه لا اعرف، فقد جلست وبسبب اعاقتي بجانب السائق وكنت قد فتحت النافذة قبل تشغيل المكيف الهوائي داخل السيارة وسمعت وتمتعت!!! بما دار بين هذا الشاب والبائع.
الشاب: علبة مالبورو بحياتك.
البائع: ادوم والا لفان؟
الشاب: ادوم كتسار.
البائع: بفاكشا.
اخذها الشاب مسرعا وتوجه نحو السيارة ليركب معنا فما كان من البائع الا ناداه
حبوب بدكاش العودف؟
الشاب: اووه سليخا.
رجع واخذ الباقي وولج للسيارة التي بدأت تقلنا لمدينة حيفا فما كان مني الا الضحك وشر البلية ما يضحك.
بعد ان دفع الجميع اجرة السفر وكان السائق ان طلب دفع الاجرة "كيسف كطان" فليس لديه الكفاية من النقود المعدنية ليرجع "عودف"!!!!!!! واخيرا انطلقنا.
طلب السائق وبلطف من الركاب في الخلف اقفال الشبابيك "لسغور حلونوت بالله لاني شغلتلكو المزغان".
اثناء السفر وكالعادة اما ان يبادر احد الركاب ويفتح بابا لمحادثة تشغل الركاب اثناء السفر او يشغل السائق الراديو. فما كان من السائق الا ان قال:
اوووه اسا حداشوت غلي تساهل تنسمع شو صار مع روش هممشلاه.
شغل الراديو وكانت نشرة الاخبار قد انتهت.
حفال مؤود، فسفاسنو، يللا منسمع موسيقى، جاب لي ابني امبارح ديسك من احلى ما غنى ايال جولان.
فقلت له ولك خيا بكفيش غول واحد الا غولان اثنين، والا اخذو الجولان وبدهن يرجعولنا هذا جولان تبعك؟ وجمل مطرح جمل برك!!!!
"يا زلمي العرب ما بينفعوا باشي حتى غناني مثل الناس ما في عنا. شيل عني يا".
قلتللوا "ليش ما في عنا؟ عندنا  من الاغاني التي نفاخر بها العالم كله. اي بكفي بوس الواوا لحالها بترقص عالم كامل ناهيك عن انا دندش والا ما سمعت نانسي عجرم عنك وان نسيت فلا انسى العملاقة روبي وانتي بتعرف بإيش بتغني".
فما كان من احدهم الا ابتسم لي وبادرني السؤال: "كنك معبي عالاخر؟؟؟ روقها يا ابو جريس" فما كان مني الا السباب والشتيمة..... "يلعن ابو الفورد تيلحق اليونداي تا يلحق امريكا كلها والاستعمار".
"وشو خص الاستعمار؟".
"هذا استعمار فكري" اجبته.
"يللا انتو يا الشيوعية كله بتدبوه عالاستعمار"...
اختصرت ووعدت نفسي بأن اشرح له ولاحقا عن الاستعمار الفكري وانحطاط الاغنية واندثار اللغة والادب، من على صفحات هذا المنبر الحر امد الله في عمرك يا صحيفة "الاتحاد" وادامك الله متنفسا وكما عهدناك وعهدنا دورك في تثقيف اجيال واجيال سياسيا ثقافيا واجتماعيا.


(سخنين)

رجا جريس غنطوس*
الأربعاء 11/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع