لبنان: الأمن في مهب التجاذب السياسي ... والحل بتسريع ولادة الحكومة



* المعارضة تتضامن مع عون ... والسنيورة يتمسّك بالصيغة المرفوضة للحقائب! *

اختلط حابل الأمن المتنقل، بنابل الـتأليف الحكومي وحسابات الانتخابات النيابية المقبلة، وبدت أغلبية اللبنانيين مشدودة الأعصاب، في زحمة «الفلاشات» الإخبارية، خاصة مع دخول «السلاح الثقيل» للمرة الأولى منذ السابع من ايار، في صلب المعادلة الأمنية.
ولم تكد منطقة تعلبايا ـ سعدنايل في البقاع الأوسط، تطوي، أمس، مشهد الساعات العشر من القصف الصاروخي الذي حوّل «حي الوحدة» الى «حي الفرقة» بين أبناء البلدة الواحدة التي لم يصبها في كل زمن الحرب الأهلية، ما أصابها من جروح في الساعات الأخيرة، حتى زحف «الأمن» الى منطقة عاليه ثم البترون وحط في ساعة متأخرة من ليل أمس، في عين الحلوة في مدينة صيدا، وقبلها في بلدة الروضة البقاعية، في ظل تحذيرات أطلقتها مراجع عسكرية وأمنية بارزة، حول وجوب الذهاب سريعا نحو إنجاز الحكومة الجديدة، لأن الوفاق هو شرط أساسي لتحصين الامن «بدلا من ترك البلد مشرعا أمام خيارات أمنية سعيا الى تحسين مواقع أو شد عصب أو توجيه رسائل اقليمية»!
وإذا كان التواضع يقتضي وضع الأمور في نصابها، فإن أي حادثة أمنية فردية أو عائلية أو سياسية مهما كان حجمها، كانت تقدَّم في الاعلام بوصفها حدثا كبيرا في السياسة والأمن، فيما كان مناخ تراجع الحوار والاتصالات السياسية وعودة التوتر الى الخطاب السياسي والاعلامي، يساعد في جعل «الصغير» أمنيا كبيرا في السياسة، بينما كان يجري تصغير مضمون الخلاف السياسي، علما بأن كلا من فريقي المعارضة والموالاة، حاول استثمار المناخ الأمني سياسيا سعيا الى تعزيز شروط التفاوض السياسي حول الحكومة.
واللافت للانتباه، أنه بعد أكثر من عشرة أيام على تكليفه تشكيل حكومة العهد الجديد، لم يتمكن الرئيس فؤاد السنيورة من وضع أي تصور للحكومة الثلاثينية، سوى تعميم اقتراحه المتعلق بتوزيع الحقائب السيادية والخدماتية و«الدولتية» على كل من الموالاة والمعارضة ورئيس الجمهورية، تاركا لكل طرف من الأطراف الثلاثة أن يملأ فراغ الأسماء الوزارية إذا تم اقرار مبدأ توزيع الحقائب...
غير أن المفاجئ أكثر أن الرئيس المكلف لم يضمّن اقتراحه ما يمكن وضعه في خانة «الصدمة الايجابية»، بل قرر اعتماد ما اعتبره «التوزيع العادل والنسبي» استنادا الى مضمون «اتفاق الدوحة»، وذلك بأن قدم للمعارضة «عرضا مرفوضا مسبقا من جانبها»، ويتمثل باعطائها 11 حقيبة بينها 3 حقائب دولة.
وفي الوقت نفسه، تضمّن العرض اعطاء الموالاة 16 حقيبة بينها 4 حقائب دولة، فيما تُركت لرئيس الجمهورية حقيبة دولة بالاضافة الى حسم موضوع الحقيبتين السياديتين له، أي الداخلية والدفاع، بينما أعطيت الخارجية للمعارضة والمالية للموالاة، كما أبقيت العدلية بصفتها حقيبة نصف سيادية ضمن حصة الموالاة!
وفيما كانت الموالاة تحاول تحجيم «المطالب المارونية»، سعيا الى توزيع الحقائب، كانت لجنة المتابعة المنبثقة عن قيادة المعارضة، تعقد، أمس، سلسلة اجتماعات مفتوحة، حيث ارتسمت خلالها معادلة واضحة: «الموقف من التشكيلة الحكومية مرهون بمدى تفهم الموالاة، وخاصة رئيس الحكومة المكلف، مطالب وحقوق العماد ميشال عون، فإذا حاولوا احراجه لاخراجه واستفراده، فلن تشارك المعارضة كلها في الحكومة وليس هو وحده، واذا تجاوبوا، دخلنا مرحلة سياسية جديدة من الشراكة والتأسيس والمصالحة والحوار».
ولفت الانتباه، في سياق المشاورات التي ظلت قائمة بعيدا عن الأضواء، أن هناك من حاول أن يضع مطالب عون في وجه المعارضة ورئيس الجمهورية، عبر القول «هذه حصتكم، فإذا كنتم متمسكين بإعطائه (عون) حقيبة سيادية تنازلوا له عن وزارة الخارجية، واذا رفضتم حاولوا اقناع رئيس الجمهورية بالتنازل عن حصته في احدى الحقيبتين السياديتين (الدفاع والداخلية)»!
لكن العماد عون رسم خطا بيانيا لخطابه السياسي، توجه من خلاله الى الموالاة والرئيس المكلف، وليس باتجاه حلفائه أو رئيس الجمهورية. وهو نصح فريق السلطة بأن لا يحاول احراجه لاخراجه، لأن الوضع اليوم بات مختلفا عن العام ,2005 عندما تسلحت الموالاة بالتحالف الرباعي لتأمين مشاركة «حزب الله» و«أمل» في الحكومة على اساس اتفاق سياسي سرعان ما سقط عند أول منعطف سياسي في خريف العام نفسه.
والأخطر من التجاذب السياسي حول التأليف، هو ذلك الربط المحكم بين توزيع الحقائب السيادية والخدماتية من جهة، وبين خيار التوجه نحو انتخابات نيابية في الربيع المقبل من جهة ثانية، وهذا الأمر كان ليشكل فضيحة سياسية في بلد آخر غير لبنان، وذلك عندما تُستخدم حقوق الناس في التعليم والغذاء والطريق والسرير الصحي والمستوصف... مادة ابتزاز لنيل اصواتها واهانة كراماتها في وضح النهار.
وفي هذا الاطار، انتقد العماد عون طلب الاستيزار من اجل تحقيق منافع خاصة او التحضير للانتخابات النيابية، مؤكدا ان الوزارة هي خدمة عامة والوزير ليس لزبائنه الانتخابيين، انما هو لكل المواطنين. وتمنى بعد ترؤسه اجتماع «تكتل التغيير والاصلاح»، ألا تطول عملية التأليف وأن تنجز خلال اسبوع. وقال ردا على سؤال حول ما نشرته «السفير»، أمس، بأنه من دون حقيبة سيادية لن يشارك في الحكومة: «من يُرد ان يؤلف الحكومة من دوننا فليحاول، لكن لن يعود هناك بعد اليوم أكل حقوق». وشدد على أن الاحراج لن يؤدي لاخراجه.

 

تطويق إشكال البقاع وإجراءات أولية في بيروت


على الصعيد الأمني، ادت اشتباكات تعلبايا ـ سعدنايل الى اصابة عدد من المواطنين والمسلحين بجروح، وتضرر الكثير من منازل المواطنين نتيجة القذائف الصاروخية ورصاص الرشاشات الثقيلة والمتوسطة.
وباشر الجيش منذ الصباح حركة انتشار كثيفة في احياء سعدنايل وتعلبايا، وتمت الاستعانة بفوج المغاوير، الذي أرسل ثلاث سرايا الى المنطقة نفذت حملة مداهمات واسعة اسفرت عن توقيف عدد كبير من المشاركين في الاشتباكات، كما أعطيت القوة العسكرية تعليمات واضحة بالرد على مصادر النيران من أي جهة أتت.
كما عُلم ان الجيش انذر كل الاطراف الحزبية المسلحة بوجوب سحب كل المظاهر المسلحة فورا، وانه سيتم الرد على أي مصدر لاطلاق النار بالمثل بلا تردد، وقد التزم الطرفان وعاد الهدوء اعتبارا من الظهر، فيما واصل الجيش دورياته وانتشاره المكثف.
وقد كان الوضع الأمني محور متابعات رسمية وسياسية، فيما عقد في وزارة الدفاع في اليرزة اجتماع بين قائد الجيش بالنيابة اللواء الركن شوقي المصري والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي، خُصص لمناقشة الاجراءات الميدانية المشتركة لضبط الوضع الامني وملاحقة محدثي الشغب، «مع التأكيد على اعادة اجواء الطمأنينة الى العاصمة وبعض المناطق التي تشهد حوادث اخلال بالامن».
واستنادا الى مرجع امني، تم الاتفاق على تسيير دوريات مشتركة في احياء العاصمة التي شهدت توترات، لا سيما رأس النبع والطريق الجديدة والحمراء، كما أن قوى الامن بدأت منذ 48 ساعة تسيير دوريات في هذه المناطق، على ان تتولى تدريجيا تعزيز تواجدها، من اجل تطبيق البنود الاربعة التي اقرها مجلس الامن المركزي، لإعادة الامن والاستقرار، وخاصة لجهة سحب كل اشكال المظاهر المسلحة، ووقف الشحن والتحريض الاعلامي، وازالة الصور والاعلام والشعارات، وعودة النازحين الى مناطقهم.
وقال مرجع أمني مسؤول لـ«السفير» ان معالجة الوضع الامني لا يمكن ان تتم بكبسة زر، مشيرا الى ان تأكيد قيادات الاحزاب رفع الغطاء السياسي عن المتجاوزين يخضع حاليا للاختبار على الارض، «مع ميل لدينا الى الاعتقاد انه لا تزال هناك مسافة بين المعلن والمضمر، ونحن لا يمكننا ان نتكل فقط على ظاهر الاشياء، وإنما علينا ان نكون حذرين في سلوكنا الميداني، تجنبا لأي خطوة ناقصة قد تؤدي الى مضاعفات سلبية».
وأوضح المرجع الأمني ان قيادتي الجيش وقوى الامن الداخلي باشرتا في تنفيذ خطة مشتركة وضعتاها للامساك التدريجي بالارض، على أساس خطوات مدروسة ومتأنية تأخذ بالاعتبار حساسية الوضع السياسي وخصوصية المناطق المتوترة، مشددا على ان الاجهزة حريصة على اعتماد الحكمة في هذه المرحلة وتجنب المواجهة في الشارع، قدر الامكان، انطلاقا من قناعتها بان سياسة الاحتواء هي الاجدى للتعامل مع الهزات الارتدادية الناتجة عن الزلزال الذي ضرب لبنان قبل التوصل الى اتفاق الدوحة.
يُذكر أن «حزب الله» و«تيار المستقبل» تبادلا الاتهامات، أمس، حول المسؤولية عن الحوادث الأخيرة في البقاع وبيروت.

الثلاثاء 10/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع