إِجَّاصُ الأَقَاصِي
يُطَالِعُنِي ويَطَّلِعُ عَلَيَّ؛
أَنَا تَوَهَانُهُ المُفْتَرَضُ
وَهُوَ تَقْتِيرُ الانْكِشَافِ.
يُهَدْهِدُ يَقَظَتِي بِمَعْدَنِ الضُّلُوعِ الدَّمِثِ،
وَلَا تَتَبَخَّرُ حَرَارَةُ الرُّوحِ عَنْ سِتَارَةِ الرُّؤْيَا؛
هكَذَا امْتَعَضْتُ مِنْ فَوْرَةِ الْعُمْرِ الشَّقِيِّ
وَهُوَ يُرَتِّلُ أَحْشَاءَهُ السَّاخِنَةَ دُونَ زَوَالِ أَوْرَاقِهِ.
فِي هذِهِ الْغَايَةِ- الْغِوَايَةِ
لَعْنَةٌ تُعَابِثُ جِدَّةَ مَائِي بِرَغْوَةِ غَيَاهِبَ تَتسَطَّحُ عَلَيْهِ،
فَأَتَمَرَّسُ- مُجَدَّدًا- ضِدَّ قَصُورِ نُبْلِهِ
فَأَنَا لَمْ أُدْرِكْ بَرَاعِمَهُ المَرِيضَةَ بَعْدُ.
وَإِذْ يَنْدَفِعُ مَطَرِي المُرُّ هذِهِ اللَّيْلَةَ
-دُونَ سُحُبٍ مُطَهَّرَةٍ-
تَرِفُّ نَارٌ نَهِمَةٌ كَرَشَاقَةِ شَبِقٍ
فَوْقَ سَجَّادَةِ الْجَسَدِ.. تَصْطَلِيهِ.
كَالَّذِي يَتَلَذَّذُ بِانْخِطَافَاتِ الْحَوَاسِّ
نَحْوَ عَاصِمِهَا؛
ذلِكَ الصَّدَى الَّذِي يُرَدِّدُ رَخِيمَ لَوْنِي
بِنُحُولِ بَرِّيَّتِهِ.
إِزَاءَ هذِهِ المَفَاتِنِ المُقَنَّعَةِ بِقَرْصَاتِهَا السَّقِيمَةِ
أَخْتَرِعُ مُبَالَاةً مِنْ وَضِيءِ الشُّعُورِ
لَعَلَّ عَيْنًا نَقِيَّةً- هِيَ فُرْصَةُ اسْتِرْخَاءٍ-
تَنَالُنِي مِنَ انْتِثَارِي الثَّرِيِّ.
أُوَشْوِشُ كَرْنَفَالَ اللَّوْحَةِ الَّتِي تَتَسَطَّرُنِي؛
يَنْدَاحُ مِغْنَاطِيسُهَا المُزَغَّبُ بِكَهْرَبَاءِ آهَاتٍ مُتَمَطِّطَةٍ
فَوْقَ شِرَاعِ شَسَاعَتِي الضَّئِيلِ
بِكُلِّ يُسْرٍ وَرَهْفَةٍ.
مُزَيَّنٌ بِآنٍ بَعْدَ آنٍ بَعْدَ أَنْ تَمَوَّجَ السَّطْحُ
بِضَبَابِ مَرْمَرٍ جَائِعٍ لالْتِهَامِهِ،
وَالْفَمُ عُصْفُورٌ ضَئِيلٌ
أَمَامَ هذِهِ الْفَدَاحَةِ.. يُرِيقُنِي.
كَأَنَّ وَهْمًا يُدَاجِي أَبَارِيقَ الْبَرِيقِ الَّتِي مَا انْسَكَبَتْ
عَلَى مُنْحَدَرِ الْبُزُوغِ،
وَكَأَنَّهُ تَرْويضُ الذِّرَاعَيْنِ
عَلَى مُرَاوَدَةِ الظَّمَأِ.
أَرْشُقُ طِلاَئِيَ المُتَهَافِتَ خَارِجَ قِمَاشَةِ الْحَيَاةِ،
وَهُوَ يَتَدَلَّى شَفَرَاتِ دَغْلٍ دَاخِلَ غَيَابَةِ غِيَابِهِ؛
لِمَ كُلُّ هذَا الْجُهْدِ فِي الْفَرَاغِ اللَّعِينِ
أَيَّتُهَا الْفِطْرَةُ الذَّاوِيَةُ؟
سَأُطِيعُ صَبْرِيَ الَّذِي يَمْتَصُّ عَرَقَ حَيَوِيَّتِي الْفَائِضَةِ
إِلَى أَجَلٍ، لَعَلَّ كُنُوزَهُ المُتَقَافِزَةَ
- مِثْلَ قِطَطٍ حَبِيسَةٍ-
تَلِيقَ ذَاتَ يَوْمٍ بِمَفَاتِيحِ جَذْوَتِي.
لَكَمْ أَنْتَ هذِهِ الْفُرْصَةُ الْعَصِيَّةُ
أَيُّهَا الْقِيثَارُ الَّذِي يَشُدُّ أَوْتَارَهُ بَيْنَ كَلِمَاتِي وَكَمَائِنِهِ؛
إِنَّكَ تُبْهِرُ سَكِينَتِي المُسْتَوْحِشَةَ
حَدَّ أَنَّنِي عَاقَبْتُ الْجَمَالَ بِوَقَاحَةٍ نَضِرَةٍ.
أَعْبُرُ إِلَيَّ أَثَرًا عَلَى بَطْنٍ أَبْيَضَ
وَلا تَجِدُنِي خُطَايَ،
وَأَعْصُرُ نَفِيرِيَ المُتَشَاهِقَ حُزْنًا
فَتَجِفُّ أَنَايَ.
الأَزْرَقُ يَمْتَلِئُ تَشَنُّجًا
مِنْ عَافِيَةٍ تُجَرْجِرُ سَاقَيْهَا فِي مَكَانِهِمَا
ذلِكَ أَنَّ الْجُدْرَانَ لَمْ تَزَلْ جُذُوعًا رَطْبَةً
وَالْقَلْبُ يُقَلِّبُ شَفَتَيْهِ بِعَضَّةٍ مُخْتَلَسَةٍ.
رُبَّمَا مَرَّةً وَاحِدَةً تَكْتَنِفُنِي
بِمُحَاذَاةِ مَنْزِلٍ يَقِظِ الظُّلْمَةِ
أَقْوَى بِهَا نَغْمَةً مَهمُوسَةً
أَمَامَ نَهَارِ الابْتِسَامَةِ المَعْدَنِيَّةِ.
ثُمَّ جَذَبَنِي بِخَدَرِهِ المُتَوَرِّدِ مِثْلَ عِطْرٍ
يَتَخَثَّرُ فِي دَمِهِ الْأُقْحُوَانُ، فَهذِهِ
المَسَامَاتُ الَّتِي تَتَحَيْوَيُ مِنْ نَقَرَاتِ سَأَمِهِ الْكَثِيفِ
تُشَرْنِقُنِي بِرَائِحَةِ أَوْصَافِهِ الصَّائِبَةِ.
سَيَكُونُ- أَوْ هكَذَا أُمَنِّي النَّفْسَ- كِتَابَ النَّشَوَاتِ
عَلَى سُرَّةِ سِيمَتِهِ الْعَالِيَةِ،
إِذْ لا أَبْهَى، وَلا أَدْنَى
مِنَ افْتِتَانٍ كَهذَا.
أَكْثَرُ المَرَايَا تَنْقَعُ الشَّبَهَ بِمَاءِ فِضَّتِهَا
ثُمَّ إِلَى زَوَالٍ،
أَمَّا مِرْآتِي الْخُلَّبيَّةُ الطَّبْعِ
فَتَتَطَبَّعُ بِأَثَرِي المُخْتَفِي.
أُفَتِّشُ- بِسِرِّيَّةٍ- عَنْ أَسْرَارِهِ المُوبِقَةِ
فَهذِهِ الْغَيَاهِبُ تُعَلِّمُنِي حِكْمَةَ التَّحْدِيقِ بِانْكِفَاءِ الْحَدَقَتَيْنِ عَلَى مَائِهِمَا
كَأَنَّهُمَا سَهْمَانِ إِلَى غِشَاءٍ.
لَمْ تَعُدْ فُصُولِي رَحْبَةَ الْغَوْصِ دَاخِلَ أَقَالِيمِي الْجَائِزَةِ؛
ثَمَّةَ دَوَّامَةٌ لَزِجَةُ التَّفْكِيرِ
تَلْتَصِقُ بِبِلَّوْرِ قُطْبِهَا الْأَوْحَدِ
بِلا مَجَازٍ.
حَيْثُ إِنَّهُ خَلْفَ كُلِّ احْتِمَالٍ
أُصَوِّبُ نَأْيِيَ الأَرْعَشَ نَحْوَ افْتِرَاضِ عُذُوبَتِهِ؛
ذلِكَ السِّجْنُ الَّذِي لَمْ يُبْقَرْ بَعْدُ
بِشَقْوَةِ الرَّأْسِ.
كُلَّمَا أَدْخُلُ شُرْفَتي الْفَاتِرَةَ
كُلَّمَا تَوَاطَأَتْ مُخَيَّلَتِي مَعَ طُقُوسِهِ الْحَالِمَةِ؛
فِكْرَةٌ جَافَّةٌ
وانْخِطَافٌ بَلِيلٌ.
تَنْفَجِرُ الثَّمَرَةُ مِثْلَ فُقَاعَةٍ مُدْهِشَةٍ
لِأَنَّ مَا يُدْرِكُهُ الْفَمُ النَّابِتُ باشْتِهَاءٍ وَحْشِيٍّ
يَتَنَاثَرُ فِي فَضَائِي الْقَانِي
كَجِدَارِ مِصْبَاحٍ نَزِقٍ.
الْهَوَاءُ يُلاعِبُ جُمْلَتِي
وَأَنَا أَلْمِزُ تَوْأَمَ طَعْمِهِ بِخَاصِّيَّةِ شِرْعَتِي..
كَامِدَةٌ شُعْلَتِي الْسَيَّجَهَا صَقِيعُ عِلَّتِي المَألُوفَةِ
حَيْثُ رَحَابَةُ الْعَالَمِ ضَيِّقَةٌ عَلَى الرُّوحِ الْوَلَدِ.
مَعَ اكْتِمَالِ الأَلَمِ اللاَّزَوَرْدِيِّ
ونُضُوجِ حَبَّاتِهِ بَعِيدًا عَنْ قِطَافِ اللُّعَابِ،
أَصْرُخُ فِي بَرِّيَّتِي المَمْسُوسَةِ الْغُبَارِ:
أَيْنَ أَنْتَ يَا مُفْتَرَضِي؟
كَأَنَّهُ مُعْضِلَةٌ وَلا حَلُّ
كَأَنَّنِي هَاويَةٌ وَلا أَصِلُ
كَأَنَّنَا اضْطِجَاعُ المَسَافَةِ النَّابِيَّةِ
بَيْنَ شَفْرَتَيْ جُرْحٍ.
مُحَمَّد حِلْمِي الرِّيشَة
الأثنين 9/6/2008