ساركوزي في لبنان
الرئيس الفرنسي لـ«السفير»: اتفاق الدوحة متوازن ويكرّس انتصار الحوار ... وقاعدة لا غالب ولا مغلوب * الموالاة ترهن الاتفاق السياسي بالأمني ... وبري يحذر من افتعال أحداث وتضخيمها *السفير - للمرة الأولى في تاريخ فرنسا، يبادر رئيس جمهوريتها الى الانتقال من بلده الى بلد آخر، ناقلا معه حكومته وأطياف بلده السياسية الى البلد الذي انتخب رأسا لجمهورية ما تزال تبحث عن نفسها في ركام الطوائف، فيما لا حكومة تقرر ولا أمن ثابتا ولا شيء يعد اللبنانيين بغد أفضل. عند العاشرة والربع من صباح اليوم السبت يبدأ رئيس فرنسا نيكولا ساركوزي، زيارة رسمية للبنان تستمر نحو ست ساعات، يلتقي خلالها رئيس الجمهورية ميشال سليمان، لتهنئته بانتخابه للرئاسة، ثم يجمعان من حولهما في القصر الجمهوري الأركان الـ14 لطاولة الحوار اللبناني الذين صار متعذرا جمعهم الا على مائدات كبار الضيوف، كما حصل سابقا خلال زيارة أمير قطر الأخيرة الى بيروت... فيما كان مثيرا للانتباه تعمد عدم دعوة ممثلي المجتمع المدني الى قصر بعبدا، في سلوك يناقض بعض ما تضمنه خطاب القسم الرئاسي... وفيما سيغلب الطابع السياسي التضامني على الزيارة الأولى من نوعها لرئيس دولة أجنبية الى بيروت بعد انتخاب الرئيس سليمان، فإن هذه الزيارة جاءت في مناخ التطبيع الفرنسي السوري من جهة والرغبة الفرنسية الخجولة في احتلال مساحة ما في الشرق الأوسط في ظل تراجع الدور الأميركي من جهة ثانية... وقد طرأ تعديل على برنامج الزيارة تمثل بإلغاء المؤتمر الصحافي الذي كان سيعقده ساركوزي في المطار، وإلغاء زيارة له كانت مقررة للقوة الفرنسية العاملة ضمن «اليونيفيل» في الجنوب، على أن يقوم وزير الدفاع بها بدلا منه.. وعشية الزيارة، قال ساركوزي في حديث لـ«السفير» و«النهار» و«الاوريان لوجور» ان اتفاق الدوحة «يشكل نصا متوازنا، يكرس قبل كل شيء انتصار الحوار على العنف ويوفر مخرجا من الأزمة يخرج منه الطرفان رابحين، من دون مغلوب، ومع غالب واحد، ألا وهو الشعب اللبناني»، وقال «ان الرسالة واضحة من زيارته الى لبنان اليوم وهي أن تضامن فرنسا مع الشعب اللبناني وتمسّك بلادنا باستقلال لبنان وسيادته ليسا مسألة تتعلق بأحزاب سياسية أو بأشخاص معيّنين، بل هي مسألة تعني الدولة الفرنسية بأسرها، وهي تعبّر عن سياسة فرنسا الدائمة والثابتة». واعتبر ساركوزي «أن فتح صفحة جديدة في العلاقات بين فرنسا وسوريا ربّما يكون في صدد الحدوث و قد تكون الأمور اليوم في صدد التغيّر». وشدد على «ان تشكيل المحكمة الخاصة بلبنان يتقدم بسرعة وهي عملية لا تراجع عنها». وكان وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير قد وصل الى بيروت مساء أمس، وأقام مأدبة عشاء على شرف بعض الشخصيات في مقر السفير الفرنسي في بيروت شارك فيها الوزيران طارق متري ومروان حمادة والدكتور كامل مهنا والدكتور محمود بري والبروفسور فؤاد البستاني والمفكر الفرنسي ريجيس دوبريه. وأبلغ كوشنير أصدقاءه أنه كان الأحرى باللبنانيين أن يقبلوا بالاتفاق الذي عرضه عليهم عندما جمع الرئيس بري والنائب سعد الحريري في عين التينة واتفق معهم على اتفاق من نقاط ثلاث على صورة اتفاق الدوحة وأنه لو حصل ذلك لكانوا وفروا على أنفسهم ما حصل مؤخرا... الى ذلك، اعتبر الرئيس الأميركي جورج بوش، خلال تقديم السفير اللبناني لدى الولايات المتحدة أنطوان شديد أوراق اعتماده في البيت الأبيض، أمس، أنّ لبنان «سجل إنجازات ومأساة عظيمة في تاريخه الحديث»، وعبر عن «فخره بجهود الحكومة اللبنانية من أجل إنشاء المحكمة الخاصة من اجل لبنان وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز المسارات والمؤسسات الديموقراطية». وقال بوش انه رحب مؤخرا بنهاية سنة ونصف من الطريق السياسي المسدود مع انتخاب الرئيس الجديد ميشال سليمان، متوجهاً إلى شديد بالقول «اعرف انه خلال وقتكم في واشنطن ستستمرون في جهودكم في دعم لبنان وشعبه ومؤسساته الديموقراطية» وأضاف «أتطلع الى تعزيز هذه الشراكة العميقة بين بلدينا». أما على الصعيد الداخلي، وخاصة ما يتعلق بالتأليف الحكومي، فإن الأمور ظلت تراوح مكانها في غياب قنوات الاتصال السياسي بين طرفي الموالاة والمعارضة، ما عدا الاتصال الذي جرى بين الرئيس المكلف فؤاد السنيورة والرئيس بري ليل الخميس الماضي والذي سبقه اتصالان بين بري والحريري، في النهار ذاته. ولوحظ أن التوقعات بالتأليف القريب تراجعت أمس، فيما كانت تصدر تحذيرات من قبل مراجع دبلوماسية عربية مفادها أن الوقت يمر، وتأليف الحكومة يمر في مرحلة دقيقة، وأمامنا حتى منتصف الأسبوع المقبل، فإذا تشكلت الحكومة كان به، وإلا فالمسألة قد تذهب الى ما شاء الله»... وفيما كان النائب سعد الحريري يصدر ليل أمس بيانا يدعو فيه مناصريه للهدوء وضبط النفس وعدم الانجرار الى أية ردات فعل على ما اعتبره «أي عمل استفزازي»، داعيا جميع المواطنين في بيروت للعودة الى منازلهم، علمت «السفير» أن الحريري أبلغ قيادة الجيش اللبناني عبر العميد غسان البلعة أنه لا يوافـق على الشـق المتعلق بنـزع الصور في بيروت وأنه يؤيد فقط نزع الأعلام، فيما كان يشترط أن تقترن عملية نزع الصور بخطوة على الصعيد الوطني وليس في العاصمة وحدها.. وقد أحرج موقف الحريري قيادة الجيش التي كانت قد حصلت على موافقة نهائية من قيادتي «حزب الله» و«أمل» بنزع الصور والأعلام واللافتات انسجاما مع كل مقررات مجلس الأمن المركزي، وترافق ذلك مع استمرار الحملات الإعلامية خاصة من قبل التلفزيونات الناطقة باسم الأطراف المتخاصمة.. وترافق موقف الحريري مع بيان صادر عن الأمانة العامة لـ«قوى 14 آذار» اعتبرت فيه أن تطبيق الجانب الأمني من اتفاق الدوحة هو شرط لنجاح جانبه السياسي، داعية «الى جعل بيروت مدينة خالية من السلاح تمهيدا لتوفير الأمن والأمان في كل مناطق لبنان». وأيدت مطالبة الحريري «بلجنة عربية لتقصي الحقائق وتطبيق ما تم الاتفاق عليه». وقد طرح بيان الموالاة، تساؤلات في أوساط المعارضة حول الأسباب الكامنة خلف التضخيم الأمني، الذي مارسه تيار المستقبل تحديدا، والذي لم يكن منسجما مع أجواء لا توحي بأية سلبية، بل على العكس، كانت كما وصفها مرجع قيادي في المعارضة «ايجابية جدا»، وقال إن الأمور كانت سائرة في اتجاه الحل، وترجم ذلك في اللقاء الذي تم في مجلس النواب يوم الجمعة الماضي على هامش الاستشارات النيابية التي أجراها الرئيس فؤاد السنيورة، بين الرئيس نبيه بري وسعد الحريري بناء على طلب الأخير، وكان الجو في هذا الاجتماع أكثر من ايجابي، وتم الاتفاق فيه على استمرار التواصل بينهما وعلى تسريع الخطوات لتشكيل الحكومة في اقرب وقت». وأكد الرئيس بري أمام زواره «وجوب أن تتوقف هذه اللعبة السيئة»، معربا عن ارتيابه «من افتعال أحداث أمنية وتضخيمها»، وقال ان ما يجري هو محاولة واضحة لعرقلة تأليف الحكومة، ولعرقلة عهد الرئيس ميشال سليمان من بدايته، ووضع العصي في الدواليب لكي لا ينجح الرئيس فؤاد السنيورة في تشكيل الحكومة. وأكد بري «ان الدواء الوحيد لما يجري هو أن يأخذ الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي دورهما كاملا، وفقا للخطة التي تبناها مجلس الأمن المركزي، وذلك بالتوازي مع السير قدما في تأليف الحكومة ومن دون إبطاء، وليخرجوا من هذه «الفركشات» لفؤاد السنيورة». واللافت في كلام بري قوله إن هذا التجييش، اضافة الى كونه محاولة تعطيل للعهد وتعــطيل تشــكيل الحكومة، فهو ينطوي على محاولة لأن يعطي أدوارا لبعض من لم يكن لهم دور في الدوحة... وفي الوقت نفسه، استغرب رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون «التلطي وراء حدث أمني، ووصفه بالكبير والخطير، لعرقلة تأليف الحكومة». وقال «ثمة شعور عام أن هذه الذريعة ما هي إلا تمثيلية للتهرب من تطبيق اتفاق الدوحة خصوصًا أن أحداثًا أمنية خطرة فعلاً وقعت في الشمال والجنوب والجبل والبقاع وبيروت، وبقيت من دون تحقيق، وعضت المعارضة مرة جديدة على جرحها، فلم تضع معرفة الحقيقة فيها شرطًا، تسهيلاً لتأليف الحكومة، وانطلاقة العهد الجديد». أضاف عون «نريد للمعرقلين أن يعرفوا أمرا أساسيا، وهو أن مسؤولية الأمن تقع على عاتق حكومة تصريف الأعمال، خصوصاً أن وزارتي الداخلية والدفاع هما في تصرفها، وبالتالي فمسؤولية حماية اللبنانيين هي من واجباتها... فكفى ألاعيب وتشاطرا وتذاكيا، لأن الناس سئموا الخداع». بدوره، تلقى الرئيس سليمان اتصالا هاتفيا امس، من امير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي أعرب عن «دعمه للجهود المبذولة لاستكمال تطبيق اتفاق الدوحـــة». وأكد سليمان له «ان الحوار قائم على النقاط التي يدور البحث حولها بين القيادات السياسية، وصولا الى تشكيل الحكومة الجديدة. كما اكد ان التعليمات المشددة أعطيت إلى الأجهزة الأمنية لمعالجة الإشكالات الأمنية التي حصلت في اليومين الماضيين وما نتج عنها من ذيول، ومنع تكرارها». كذلك تلقى الرئيس سليمان اتصالاً للغاية نفــسها من رئيــس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني. وتردد أن رئيس الجمهورية طلب من الأجهزة الأمنية والعسكرية الضرب بيد من حديد كل مخالف للأمن، خاصة بعد أن أعلنت جميع القوى السياسية تأييدها للمقررات الأخيرة الصادرة عن اجتماع مجلس الأمن المركزي، آملا أن تحصل مبادرات فردية من جانب بعض القوى لتسهيل مهمة الجيش وقوى الأمن الداخلي... السبت 7/6/2008 |