لبنان: مَن يلجم الاحتقان ويعيد الاعتبار إلى «كُل» اتفاق الدوحة؟
* السنيورة للمعارضة: أتخلى عن المالية إذا قرّرت الذهاب إلى بيتي ... والدفاع محسومة للمر! * حوادث من بشامون إلى بيروت ... سبقها «نفخ» إعلامي ... وإقرار خطة أمنية للعاصمة بلا آليات تنفيذية *
لفّ القلق كل اللبنانيين، بعدما كانوا قد استشعروا بداية انفراجات سياسية وأمنية، لكن الوقائع المتسارعة، جعلت الجميع يستهول ما يحصل، ليس من زاوية أمنية بحتة، على أهميتها وحساسيتها، بل لما يمكن أن يكون له من ارتدادات على مجمل اتفاق الدوحة، أو بالتحديد بنوده التي لم تنفذ، وخاصة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية. وعندما استهلت بعض الفضائيات اللبنانية نشراتها، في بداية سهرة، مساء أمس، بتقارير مباشرة من شوارع بيروت، وواقع الأمن فيها وحركة السير (...)، ظنّ كثيرون من أهل العاصمة أنهم يعيشون في مدينة ثانية لا يعرفونها، نتيجة التضخيم الإعلامي ـ السياسي المفتعل، ولكن لم تكد تمضي أكثر من ساعة، حتى كان الأمن يتحرك من الطريق الجديدة الى بشامون وصولا الى محلة قصقص ورأس النبع، الأمر الذي طرح علامات استفهام، حول حقيقة ما يجري، في السياسة والأمن، وعلاقته بعقد مخفية، محليا وإقليميا، من دون الحصول على إجابات شافية... وبينما كان يفترض أن يكون الشغل الشاغل، اليوم، هو عملية التأليف الحكومي والاستعداد لاستقبال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، بوصفه أول زائر أجنبي كبير، يزور لبنان بعد انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، تحول الأمن بتفاصيله وزواريبه وخفاياه، إلى هم حقيقي عند كبار المسؤولين الذين كانوا يتناوبون على متابعة تفاصيل ما يحصل، مع كبار الضباط ومع عدد من القيادات الحزبية، فيما كانت الموالاة، تبعث بمذكرة الى اللجنة الوزارية العربية تضمنها ما أسمته «التجاوزات المسلحة التي تقوم بها المعارضة في بيروت والمناطق»، لتبادر المعارضة، بدورها، الى إعداد لائحة تفصيلية بما أسمته أيضا «الاعتداءات التي تعرض لها عدد كبير من عناصرها في بيروت ومناطق عدة في مرحلة ما بعد اتفاق الدوحة» سيصار الى تعميمها اليوم على وسائل الإعلام. في ضوء ذلك، تراجع الملف الحكومي، الذي كان الغوص فيه، يستولد تعقيدات إضافية بدلا من تجاوز القائم من مشكلات، فيما كان السؤال المحير للجميع: من يستطيع أن يضع حدا لما يجري؟ هل بمقدور القوى العسكرية والأمنية أن تقوم وحدها بالتصدي للمخالفين أم أنها تحتاج الى تغطية سياسية؟ وهل يمكن أن يؤدي «التضخيم» الى تعطيل مجمل ما تبقى من بنود الدوحة؟ هل ما يجري لا يتجاوز حدود شد عصب شارع سياسي وطائفي ما، أم أنه يصب في خانة نسف التفاهمات، وما هي حدود الصح هنا أو هناك وما هي حدود المبالغات، ولماذا هذا الاستثمار السياسي السريع، عبر نعي الاتفاق السياسي أو القول إنه أصبح في ذمة الله، وهل هناك من يريد أن يستدرج المعارضة مجددا الى الشارع، ولماذا تقدم العنوان الأمني فقط بعد انتخاب رئيس الجمهورية وإنهاء الاعتصام في وسط بيروت وقبل إنجاز تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وإقرار التقسيمات الانتخابية الجديدة، وهما العنصران الأكثر حيوية للمعارضة في اتفاق الدوحة؟ في العلن، لم تبرز أية معطيات إقليمية سلبا أو إيجابا على خطوط العواصم المؤثرة في الساحة اللبنانية، ولذلك ذهب البعض نحو الأسئلة المحلية أولا والاستخباراتية ثانيا والأميركية ثالثا، فيما كانت تجري اتصالات مكثفة بعيدة عن الأضواء بين الرؤساء الثلاثة، كما جرى أكثر من اتصال بين رئيس مجلسي النواب نبيه بري ورئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري من أجل تطويق الموقف. وعلمت «السفير» أنه بعد المناخات المرافقة لتضخيم قضية الزغلول وإرسال مذكرة الموالاة الى اللجنة الوزارية العربية، طرحت فكرة عقد اجتماع تنسيقي بين ممثلين عن «حزب الله» و«أمل» وتيار المستقبل في مديرية المخابرات في قيادة الجيش اللبناني بحضور ضباط من الجيش وقوى الأمن الداخلي، لكن النائب الحريري رفض ذلك، معتبرا أن في الأمر محاولة لاستدراج تياره وتصويره كأنه «تيار ميليشياوي» من خلال تشكيل لجان أمنية، ودعا لإحالة الأمر الى مجلس الأمن المركزي. وقد سارعت المعارضة الى التجاوب مع فكرة إحالة الملف الى المؤسسات الأمنية، واستدعى رئيس المجلس النيابي مدير المخابرات في الجيش العميد جورج خوري، كما أجرى اتصالا بوزير الداخلية حسن السبع خلال ترؤسه الاجتماع الأمني وقال له «أدعوكم الى اتخاذ أي إجراء وتدبير بلا أي تحفظ ونحن معكم ولا تراجعونا وأنا أتكلم باسمي وباسم الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله». وأجرى رئيس الحكومة اتصالات شملت رئيس الجمهورية ووزيري الدفاع والداخلية وقادة الأجهزة واعتبر أن محاولة تصفية عماد الزغلول «كانت بمثابة النقطة الأخيرة التي طفح فيها الكيل، خاصة أنها تمت بعلانية واضحة وعلى ما يبدو بهدف تصفيته مما جعل الأمور تفيض عن حدها واستدعت مواقف محددة وبات من الواجب إزاءها اتخاذ إجراءات حازمة لوقف هذه التجاوزات والاعتداءات». ولاحقا جرت مداولات في المجلس الأمني الاستثنائي، على وقع حوادث متفرقة، كان أبرزها إقدام مجموعة من «تيار المستقبل» على اعتراض دورية للشرطة العسكرية كانت متجهة نحو مستشفى المقاصد لتعزيز الحماية حوله بعد نقل الجريح الموقوف عماد الزغلول اليه، وقام المعترضون بإحراق إطارات، احتجاجا على ما اعتبروه «محاولة نقل الزغلول الى المستشفى العسكري». وما أن كادت الاتصالات تنجح في توضيح حدود ما يجري، حتى نقل الى مستشفى المقاصد ابن منطقة الطريق الجديدة الجريح حسين البغدادي (صاحب محل زهور) مصابا بطلقات نارية في قدميه بعد تعرضه لنيران مجهول كان على متن دراجة نارية في منطقة بشامون... وعلى الفور، تجمهر عدد كبير من الشبان وتوجهوا الى محلة قصقص وقطعوا الطريق العام، قبل أن يتدخل الجيش ويسحب المتجمهرين ويعيد الأمور الى نصابها، في ظل أجواء متوترة كانت تلف ليلا معظم أحياء الطريق الجديدة، فيما وردت تقارير عن حوادث أخرى متفرقة في رأس النبع ومحلة صبرا وكذلك التعرض بالحجارة لسيارات مواطنين في البربير وقصقص الخ... وبينما بدت القوى العسكرية والأمنية محرجة في التعامل مع ما يجري، بسبب محاولة رمي الملف أمنيا في أحضانها، بمعزل عن المبادرات السياسية، كان بعض الإعلام يلعب دوره في توسيع الجرح والتوتر، فيما كان مجلس الأمن المركزي يكلف القوى العسكرية والأمنية بوضع خطة في أسرع ما يمكن بهدف وقف التحريض الإعلامي وعودة جميع المواطنين الى منازلهم ومؤسساتهم التي تركوها بعد الحوادث الأخيرة ونزع الصور واللافتات والأعلام من شوارع العاصمة وإعادة تسليم جميع المكاتب الحزبية لأصحابها من دون استثناء. وبدا واضحا، استنادا الى أحد الضباط المشاركين، أن قيمة المقررات «انما تكمن في الآلية التنفيذية التي تحتاج الى قرار سياسي من القوى المعنية في العاصمة وهو الأمر الذي لم نلمس جديته حتى الآن». ولاحقا أصدرت قيادتا «حزب الله» و«أمل» بيانا مشتركا اتهمتا فيه بعض الموالاة بمحاولة نسف المناخ الايجابي لما بعد اتفاق الدوحة، وخاصة على مسار استكمال ما تبقى من بنود سياسية تبدأ بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية. كما اتهمتا بعض أركان الموالاة بالاستمرار في حملة الشحن والتحريض الطائفي والمذهبي، بينما تتعاطى المعارضة بأعلى درجات المسؤولية وتسعى الى توجيه الخطاب السياسي والإعلامي نحو التهدئة وفتح صفحة جديدة في العلاقات الداخلية وأيضا عبر رفع الغطاء السياسي عن أية مخالفة وأي مرتكب، وأكدتا أنهما ستقدمان ملفا حول ممارسات حصلت في الأيام الأخيرة موثقة بشهادات القوى الأمنية بما في ذلك حوادث اعتداء على مواطنين كانوا بعهدة الجيش اللبناني وبما في ذلك عائلات وأصحاب مؤسسات تم تهجيرهم من بعض أحياء العاصمة... وفي موازاة الملف الأمني، كان ملف التأليف الحكومي ينتقل من تعقيد الى تعقيد إضافي، ما أوحى بأن الأمور تحتاج الى المزيد من الاتصالات داخليا وإقليميا، فيما أجرى الرئيس المكلف جولة مشاورات جديدة مع رئيس الجمهورية، ليل أمس، بعدما كان قد أجرى نهارا مشاورات مع حلفائه واستقبل عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسين الحاج حسن، من دون أن يسجل أي اتصال علني بين السرايا والرابية. ووصفت مصادر متابعة عملية تشكيل الحكومة، بأنها «أشبه ما تكون بلعبة «البازل»، فكلما ركبنا قطعة تطير قطعة»، وقالت ان هناك تمسكا من قبل الرئيسين سليمان والسنيورة بالوزير الياس المر للدفاع، موضحة ان مرسوم تشكيل الحكومة سيصدر وفيه «تعيين المر نائبا لرئيس الحكومة وزيرا للدفاع الوطني، لأن ثمة التزاما بذلك من جانب الرئيسين». لكن المصادر نفسها أشارت الى وجود تعقيدات وفي الوقت نفسه تحديد عناصر الخلاف والاتفاق بين الموالاة والمعارضة ورئيس الجمهورية... الأمر الذي يمكن أن يجعل الأمور أوضح من أي وقت مضى، وأشارت الى استمرار العقدة الناتجة عن تمسك العماد ميشال عون بالحقيبة السيادية. وأبلغ السنيورة النائب حسين الحاج حسن أن حصة المعارضة ستكون 8 حقائب من أصل ,11 أي أنه سيكون لها ثلاثة وزراء دولة (بينها اما التنمية الادارية أو شؤون مجلس النواب)، بينما تأخذ الموالاة 14 حقيبة وتحصل على 4 حقائب دولة، وتكون حصة رئيس الجمهورية 3 حقائب بالإضافة الى حقيبة دولة. كما طرح السنيورة أن تكون حصة المعارضة الحقائب الآتية: الخارجية (سيادية)، العمل، الزراعة، الصناعة، الطاقة، الصحة، الاقتصاد، الشؤون الاجتماعية. غير أن المعارضة أصرت على نيل حقيبتين سياديتين (الثانية للعماد عون وتحديدا المالية أو الدفاع)، وكان رد رئيس الحكومة أنه يمكن أن يعطي المالية للمعارضة في حالة واحدة وهي بعد رحيله الى بيته، واقترح إعطاء حقيبة الخارجية للعماد عون، لكن المعارضة تمسكت بالحقيبة السيادية الثانية، بالإضافة الى انضمام العماد عون الى موقف «حزب الله» و«أمل» برفض وزراة الطاقة، والتمسك بوزارة الاتصالات، وهو الاقتراح الذي رفضه الرئيس المكلف. يذكر أنه لم يتم تأكيد زيارة مدير مكتب رئيس الوزراء القطري الى بيروت اليوم، علما أن الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني أشار الى أن لا ضرورة لزيارة بيروت في الوقت الحاضر. وقالت مصادر دبلوماسية عربية لـ«السفير» ان المسؤولين القطريين ظلوا على تواصل مع القيادات السياسية اللبنانية وأبلغوا من يعنيهم الأمر أن لا مبرر للقلق ولا شيء يستدعي أي تدخل خارجي لأن مفاعيل اتفاق الدوحة ما زالت سارية وهذا الاتفاق هو كل متكامل ولا يمكن أن تتم تجزئته وهذا الأمر يدركه الجميع، ولذلك يمكن القول إن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح...