أحقًا تفاجأتُم؟



* هل ستبقى القدس عاصمة أبدية لإسرائيل؟ أم أنّ ما قاله أوباما هو لدواع انتخابية ليس إلا؟ *

لا أدري كيف، لكن ابتسامة قسريّة سبقتني الى التعبير عنّي، حين سمعت عن استشاطة غضب بعض القادة الفلسطينيين على خطاب مرشح الرئاسة الأمريكية باراك أوباما، هذا الأسبوع. فقد خرج هذا الأخير، كأقلّ المتوقّع ممّن يُضارب في بورصة الديمقراطيّة الشّكلية، بتصريحات منافقة أمام أحد أكبر اجتماعات الصهاينة الأمريكيين. مما قاله، إن "أورشليم" ستبقى موحدة كعاصمة لإسرائيل. وهو بهذا يعترف عمليًا بضم الجزء الفلسطيني المحتلّ من المدينة.
تلك الابتسامة غير المخطّطة التي تبيّن أن جذورها تضرب عميقًا في تربة السخرية الخصبة، سببها أن أحد التعليقات الرسمية الفلسطينية بأن أوباما يغلق الباب عمليًا في وجه السّلام. وكأن أبواب السلام التي نجّرها لنا جورج بوش مشرّعة على مصاريعها!
تكمن المفارقة في أن من استلّ سيوف غضبه على نفاق أوباما، هو من لا يزال يوحي لنا بتصديقه "وعد" بوش إيّاه، بتحقيق اتفاق فلسطيني-إسرائيلي بعد أقل من ستة شهور- بهُدي "أنابوليس" طبعًا.. لحظة، لا يعني هذا أنني سأتورّط في المفاضلة بين الرئيس الأمريكي الحالي وبين المرشح لخلافته، أبدًا، وذلك لسبب بسيط وهو أنني لا أحمل أيّة إجازة أكاديمية أو غيرها في التنجيم السياسي؛ لا أعرف بالمرة إن كان أوباما سيحمل، لو انتُخب، تميّزًا عميق المضمون عمّا عهدناه طيلة ستة عقود من حكم البيت الأبيض شديد التلوّث.
هناك حيّز واسع للاستغراب من أن مَن ينتقد أوباما الآن من الفلسطينيين الرسميين، هم بالذات من راهنوا ولا زالوا يراهنون على بوش الذي كان أول من منح، خطيًا، الشرعية لتكريس الاحتلال الاسرائيلي لمناطق فلسطينية، والقدس الشرقية في مركزها، ضمنيًا. أليس هو من أهدى رسالة، في نيسان 2004، لرئيس الحكومة الإسرائيلية حينذاك أريئيل شارون، قال فيها بأن ما يسمى "الكتل الاستيطانية الكبرى" ستبقى ضمن إسرائيل، بمعنى أنها ستُضم لإسرائيل، وأن إسرائيل ليست مجبرة بالتالي على العودة لحدود عام 1967؟
هنا يجب التدقيق في موقع هذه الكتل الاستيطانية: إنها بمعظمها تلك التي تحيط بالقدس بالذات. فأصلا،  ترسيم حدود ما يسمّى "القدس الكبرى" بالمفهوم الإسرائيلي يُخطّط من خلال ضم  كتل استيطانية ضخمة الى القدس.
كذلك، فحكومة إسرائيل الحالية لم تخبّئ هي الأخرى أية مفاجأة في هذا السياق. وقبل شهرين، في نيسان من العام الجاري، أوضح رئيس الحكومة الإسرائيلي ايهود أولمرت  خلال لقاء مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن إسرائيل ستواصل عمليات البناء في منطقة القدس وفي الكتل الاستيطانية الكبرى، محدّدًا أن "هذه المناطق ستكون جزءًا من كل اتفاق مستقبلي مع الفلسطينيين".
وقبل ذلك بشهر واحد، في آذار، أعلن اولمرت خلال مؤتمر صحافي مشترك مع المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، أن إسرائيل ستواصل بناء مساكن في الاحياء الاستيطانية في القدس الشرقية التي تريد ابقاءها تحت سيطرتها حتى في اطار اتفاق محتمل مع الفلسطينيين. لا بل اختار التدقيق والتشديد والاشارة بقوله الى أنه: "عندما نبني في القدس فالجميع يعلم أن لا مجال لدولة اسرائيل أن تتخلى عن حي مثل هار حوما" (جبل أبو غنيم). ويجدر التذكير أنه في كانون الاول 2007 تم إطلاق مناقصة لبناء 307 مساكن اضافية في هذا الحي الاستيطاني الواقع في ما يُسمى "القدس الكبرى".
هذه المواقف الاسرائيلية التوسّعية الأخيرة تستند الى حدّ كبير الى رسالة بوش الشهيرة. فما معنى هذا الغضب المفاجئ الذي اشتعل في أوصال بعض الرسميين الفلسطينيين، إذًا؟ ما الذي فاجأهم بالضبط؟ ما الجديد الذي وقع كما لو أنه خشبة من السماء، دون أن نشعر نحن به؟
أصلا، فمنذ عقود طويلة تقف واشنطن في صف الاحتلال الاسرائيلي علانية. سكتت على جميع ممارسات اسرائيل الكولونيالية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كانت يدها سهلة على زناد إشهار الفيتو في كل مرة أراد العالم فيها إدانة ممارسات الاحتلال الاسرائيلي. ولا حاجة للإسهاب بشأن الدعم الأمريكي الضخم لسياسات اسرائيل التوسعية العدوانية، بالمال والسلاح. وحتى قضية البؤر الاستيطانية العشوائية التي "وعدت" اسرائيل سيدتها الأمريكية بتفكيكها منذ سنوات، لا تزال على حالها. فلم تمارس واشنطن على اسرائيل ضغطًا يُذكر، لا بل تفهّمت دومًا أن المسألة "معقدة" وتستغرق وقتًا.
من هنا، فالحقيقة هي أن أوباما لم يأتِ بأيّ جديد رسميّ أمريكي، وهو ما لا يترك مبرّرًا لسَورة الغضب الصيفية الرسمية في رام الله. فما قاله أوباما يندرج في "رؤيا بوش" بانسجام، كالقدم في النّعل. وهنا تكمن الأحجية: أحقًا لم ينتبه الرسميون الفلسطينيون الى رسالة بوش، أم أنهم انتبهوا و"مشّوها"؟ أم أنهم انتظروا من أوباما ما حكاه المثل عن ذلك المنتظر من "النّمس"، فلما كشف الأخير عن قفاه وبان ما بان، حتى أكلتهم المفاجأة؟
مع ذلك، لنكن إيجابيين: على الرغم من غياب دواعي المفاجأة، فلا بأس من التعبير عن الغضب، علّه يقود الى اجراء الحسابات السياسية استنادًا إلى معطيات الواقع الخشنة، وليس على وقع التمنيات الورديّة المتخيّلة.

هشام نفاع
الجمعة 6/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع