* مهمة القوى التقدمية والدمقراطية مواصلة تصعيد كفاحها في مواجهة انياب وحش العدوان والاستغلال، وتوحيد صفوفها في المعركة لزيادة وزن تأثيرها الكمي والنوعي على صياغة مختلف القرارات المتعلقة بتطور المجتمع والحياة في شتى الميادين *
توجه رئيس الوزراء ايهود اولمرت الى واشنطن لملاقاة الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش وقادة اللوبي الصهيوني الامريكي وللتباحث معهم، ولا يتضمن برنامج اولمرت في امريكا تنظيف يديه من الدنس العالق بهما من جراء اموال الفساد والرشى التي يعترف "بلهفها" من الثري الصهيوني اليميني اليهودي تالنسكي. فأولمرت لا يستهدف ولا ينوي ارجاع ما نهبه او طلب الغفران من اسياده الامبرياليين والصهيونيين شركائه وحلفائه في ارتكاب مختلف جرائم وموبقات الفساد والرشى والجرائم الهمجية ضد الانسانية. ولعل رئيس الحكومة بسفره الى واشنطن اراد تطبيق المثل القائل "الهرب ثلثين المراجل"! فقد توجه الى الولايات المتحدة الامريكية في وقت تزرد رقبته تهم الفساد والرشى ويخضع لتحقيقات مكثفة واصبح وضعه ومصيره السياسي يتراقص مثل "الاراجوز" وتنتشر في الاجواء السياسية الاسرائيلية رائحة قوية بزيادة احتمالات تقريب الانتخابات النيابية. كثرة الاصوات التي تطالب اولمرت بالتنحي وبالاستقالة، استطلاعات الرأي تشير الى ان حوالي سبعين في المئة ممن شملهم الاستطلاع يطالبون اولمرت بالاستقالة والذهاب الى البيت. الحليف الاساسي لحزب اولمرت كاديما في الائتلاف الحكومي. وزير "الامن" ورئيس حزب العمل ايهود براك طالب اولمرت بالتنحي واختيار بديل لاولمرت من حزب كاديما والا فالخيار موافقة حزب العمل على تقريب موعد الانتخابات، وحزب "شاس" اليميني الديني الاصولي العضو في حكومة اولمرت صرح على لسان رئيسه ايلي يشاي انه سيؤيد اقتراح قانون تقريب موعد الانتخابات الى شهر تشرين الثاني من هذا العام او الى شهر آذار من مطلع سنة الفين وتسعة القادمة. وفي داخل حزب اولمرت، داخل حزب كاديما بدأ الحراك السياسي النشط استعدادا لاحتمال تقريب موعد الانتخابات البرلمانية، وبدأ الحديث صراحة داخل هذا الحزب عن تحديد موعد لانتخابات تمهيدية داخل كاديما لاختيار رئيس جديد للحزب ومرشحه لانتخابات الكنيست المقبلة. وقد بدأنا نلاحظ ارتفاع منسوب حرارة التنافس، خاصة بين من يرون انفسهم الخيار البديل لايهود اولمرت في رئاسة الحزب والحكومة. ومن الظواهر البارزة التي تعكس طابع هوية النظام القائم باسرائيل وطابع وطبيعة القوى السياسية – الحزبية الصهيونية المتصارعة على الحلبة السياسية ان الاسهم الرائجة في بورصة المنافسة هي اسهم التطرف اليميني المعادي للعرب وللدمقراطية، المنافسة بين من لديه القدرة اكثر من غيره على تسويق سياسة حق القوة البلطجية العدوانية العربيدة ضد العرب والفلسطينيين والقدرة اكثر من غيره على الانسجام في خدمة الاستراتيجية العدوانية لمحور الشر الامريكي – الاسرائيلي وعلى كسب رضا وتأييد ودعم اللوبي الصهيوني والمحافظين الجدد في الولايات المتحدة الامريكية. ومن المنتظر ان يجري اقرار موعد الانتخابات التمهيدية (البرايمريز) داخل كاديما خلال الاسبوع القادم بعد عودة اولمرت من واشنطن، وان يجري طرح قانون تقريب موعد الانتخابات للكنيست للتصويت عليه في القراءة التمهيدية في منتصف شهر حزيران الجاري، وعلى الغالب في الثامن عشر من هذا الشهر. وطابع التصريحات التي بدأ يطلقها بعض قادة كاديما ممن يرد اسمهم في قائمة المتنافسين على خلافة اولمرت يؤكد ان احتمال اجراء انتخابات برلمانية مبكرة صار كبيرا جدا، الا اذا حدث طارئ مأساوي مفاجئ. فمن الاسماء القوية المرشحة للمنافسة على رئاسة كاديما يبرز اسم وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، وفي هذه المنافسة تريد تسيبي ليفني ان تثبت ان خريجة الموساد الاسرائيلي صقر يميني لم يخلع يوما طاقم انيابه المفترسة، وعشية سفر اولمرت الى واشنطن اطلقت تصريحا تهديديا حربجيا باتجاه ايران محذرة ومنذرة النظام الايراني "ان الخيار العسكري بضرب ايران لا يزال على الطاولة"، وليفني بصفتها رئيس الطاقم التفاوضي الاسرائيلي حول قضايا الحل النهائي مع ابي العلاء والفلسطينيين، كانت من الناشطين في محاولة املاء "يهودية الدولة" لنيل موافقة الفلسطينيين عليها ولاعطاء اعداء الانسانية من المحتلين الاسرائيليين الحق في شطب حق العودة للاجئين والمهجرين الفلسطينيين وشرعنة ترحيل عرب المثلث ومختلف اشكال الترانسفير للعرب "الغوييم" في دولة التطهير العرقي العنصرية. اما نائب رئيس الوزراء، وزير الامن السابق ووزير المواصلات الحالي الذي يستعد للمنافسة على خلافة اولمرت فانه ينافس غلاة اليمين داخل حزبه وخارجه من قوى الليكود وهئيحود هلئومي والمفدال ويسرائيل بيتينو في موضوع الموقف من هضبة الجولان السورية المحتلة، فعلى ضوء الاعلان عن المحادثات السرية الاسرائيلية – السورية عبر الوسيط التركي والاعلان على لسان اولمرت موافقته على الانسحاب من كل الجولان المحتل مقابل السلام مع سوريا، على ضوء ذلك ولاتساع المعارضة، خاصة من مختلف قوى اليمين للانسحاب من الجولان، فان وزير المواصلات، شاؤول موفاز اليميني ولرفع اسهمه بين قوى اليمين في حزبه وخارجه يطرح موقف معارضة الانسحاب من الجولان بحجة انها تؤلف ذخرا استراتيجيا لحماية الامن الاسرائيلي، هذه الحجة التي هتكت عرضها ونسفت اساسها صواريخ حزب الله والمقاومة اللبنانية وقبلها الصواريخ العراقية التي اصابت قلب تل – ابيب. مرشح ثالث يطرح نفسه هو وزير الداخلية مئير شطريت ومن حزب كاديما الذي انضم اليها مع شارون بعد الخروج من الليكود، هذا الوزير يتخذ من تكثيف الاستيطان الكولونيالي ومواصلة بناء جدار الضم والعزل العنصري خاصة في القدس الشرقية المحتلة وضواحيها ومسابقة الزمن لتهويد القدس الشرقية وضمها الى القدس الغربية، هذا الوزير يتخذ من تصعيد العملية الاستيطانية لمنع قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية سلاحه في منافسة قوى اليمين داخل وخارج حزبه، وشطريت هذا وبالتنسيق مع رئيس الحكومة ايهود اولمرت ومع دائرة الاستيطان واوباش المستوطنين قد اعلن عشية جلسة المفاوضات حول قضايا الحل النهائي بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وبين رئيس الحكومة ايهود اولمرت عن الجريمة الاستيطانية الجديدة لبناء حوالي تسعمئة شقة سكنية في القدس الشرقية والضفة الغربية لتوطين الغزاة الدخلاء من المستوطنين المعتدين. اما الوجه الرابع المحتملة منافسته على رئاسة كاديما في حالة استقالة او تنحي اولمرت فهو رئيس لجنة الخارجية والامن البرلمانية، اليميني المتطرف وصديق اولمرت المقرب تساحي هنيجبي الذي يعتبر من غلاة اليمين المغامر الداعم للاستيطان وللمغامرات العسكرية العدوانية ضد الفلسطينيين وحزب الله وسوريا وايران.
من خارج كاديما يبرز الموقف الانتهازي لوزير "الامن" ورئيس حزب العمل ايهود براك الذي يلوح بارتكاب جريمة، مجزرة دموية جديدة في قطاع غزة لرفع سعر اسهمه بين قوى اليمين، ان كان داخل كاديما او بين قوى المعارضة اليمينية المتطرفة والعنصرية الفاشية برئاسة نتنياهو. فان جرت انتخابات مبكرة فقد يحدث تغيير جدي في الخارطة السياسية الحزبية الاسرائيلية. فحزب كاديما من المرجح ان يتقزم وزنه ويخسر الكثير من مقاعده البرلمانية والامل ضعيف في ان يعود الى تركيب وقيادة الحكومة القادمة. اما حزب العمل، فحتى الآن من غير المعروف بأية صورة سيخوض الانتخابات المقبلة، خاصة اذا نفذ براك برنامجه المعلن منذ اشهر عديدة بخصخصة الحزب وبيع املاكه في ظل بروز المعسكرات والمحاور المتنافسة داخل هذا الحزب وخروج رموز قيادية من عضوية الحزب امثال نائب وزير الامن السابق افرايم سنيه ووزير الداخلية السابق اوفير بينس – باز وغيرهما. فهل ينضم براك ومن يتبقى معه من قواريط حزب العمل الى كاديما، ام ان حب التمسك بكرسي وزارة الامن يجعل براك يهرول باتجاه تحديد موقعه مع تكتل قوى اليمين المتطرف والفاشية العنصرية برئاسة بنيامين نتنياهو زعيم الليكود.
ان فشل حكومة كاديما – العمل، حكومة اولمرت – براك سياسيا واقتصاديا اجتماعيا واخلاقيا وخلق ازمة هذه الحكومة قد هيأ التربة الخصبة والظروف الملائمة لزيادة قوة ونفوذ وشعبية القوى الديماغوغية اجتماعيا وسياسيا، قوى اليمين المتطرف والفاشية العنصرية التي تعمل على توحيد تحالفها لتسلّم السلطة بعد الانتخابات المبكرة اذا ما جرت. فالليكود اليوم برئاسة بنيامين نتنياهو وله اثنا عشر عضو كنيست ومن المرجح ان يزيد وحتى ان يضاعف من قوة تمثيله البرلماني في ظل الزحف الخطير والتدهور الخطير في المستنقع الفاشي العنصري الآسن، فبتحالف مع احزاب المستوطنين والفاشية العنصرية واحزاب الاصولية الدينية اليمينية اليهودية (الحراديم) مع هئيحود هلئومي والمفدال ويسرائيل بيتينو وشاس وقسم من المتقاعدين وأحدوت هتوراة وجراثيم وطفيليات فاشية يمينية قد تبرز على الساحة الانتخابية، بتحالف الليكود مع هؤلاء قد تقوم في اسرائيل حكومة كوارث جديدة حبلى بالمآسي المرتقبة.
امام هذا الحراك السياسي وهذه التطورات على الساحة الاسرائيلية فإننا لا نعتقد بان هدف زيارة اولمرت الى واشنطن هي للوداع "ولنصب مناحة العز الضائع لحليفين ابدعا في ارتكاب الجرائم ضد الانسانية ولكنهما يغادران كراسي المسؤولية والرئاسة بوابل من اللعنات وشتائم الادانة"!! برأيي ان هذه الزيارة لا تخرج من اطار التنسيق الاستراتيجي بين الحليفين وبالرغم من ان كليهما وصل الى "شوط الحلة"، فليس من وليد الصدفة ان اولمرت ورغم التهم الدامغة التي تدين عمليا تورطه السافر في قضايا الفساد والرشى، رغم ذلك فانه يرفض دعوات التنحي والاستقالة. ولعله جاء الى واشنطن على امل ان يمد له حليفه الاستراتيجي بوش حبل الانقاذ. ان يقنع بوش مثلا بأهمية اجتياح اسرائيلي واسع النطاق لقطاع غزة يطيح بحكومة حماس الانقلابية ويقع القطاع في ايدي سلطة ابو مازن. ونجاح هذا المخطط يعود بالفائدة على الطرفين، فالرأي العام الاسرائيلي ينسى عفونة فساد اولمرت ويقف اجماع قومي صهيوني خلفه، كما ان بوش يستفيد وكذلك اولمرت بان الاطاحة "بنظام الارهاب" في غزة سيسهل عملية الابتزاز السياسي من السلطة الفلسطينية ويجري حتى قبل نهاية هذا العام اعلان "اتفاق مبادئ" بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية حول اقامة دولة فلسطينية بجانب اسرائيل، اما متى ستقام وعلى أي بقعة من الارض فيبقى الجواب في عالم الغيب. اما بوش واولمرت فيكرمان كأبطال السلام الذي لن يذوق الشعب الفلسطيني منه سوى طعم العلقم المخضب بدماء ضحاياهم وشهدائهم.
مغامرة في غزة لا نستبعد ان يلجأ اليها ابناء التاريخ الاسود، ارباب جرائم الحرب. والخطر الاكبر ان يتفق بوش واولمرت على شن حرب استباقية خاطفة على ايران تحت ستار القضاء على مشروعها ومنشآتها النووية التي تهدد امن اسرائيل ودول جوار ايران!!
ولا نستبعد ان يستفيد بوش من زيارة اولمرت ولقائه به كقوة تعزيز لدعم مرشح الحزب الجمهوري والمحافظين الجدد ماكين في الانتخابات البرلمانية وتجنيد اللوبي اليهودي والصهيوني لنصرته. وانه مقابل ذلك، وكما تتسرب الانباء من سراديب محادثات بوش – اولمرت، فان بوش يعد اولمرت بتزويد اسرائيل بمنظومات جديدة من آلات التدمير من صواريخ وطائرات حربية لم تزود بها بعد حلفاء واشنطن في الحلف الاطلسي العدواني.
ان مجمل التطورات التي ترافق الازمة السياسية في اسرائيل لا تبشر خيرا ولا تبعث على التفاؤل. وما يشغل بال قوى السلام والمساواة والتقدم الاجتماعي من اليهود والعرب في بلادنا انه حتى اليوم تفتقد الساحة السياسية الى قوة ثالثة لديها القوة في ان تكون بديلا سلطويا لقوى العدوان والاحتلال والفاشية العنصرية، البديل السياسي موجود وبقوة ممثلا بالحزب الشيوعي والجبهة ومختلف قوى السلام والدمقراطية والمساواة اليهودية والعربية، ولكنه غير موحد الصفوف ولا يؤلف خطرا كبديل سلطوي محتمل في القريب المنظور. ولهذا فمهمة هذه القوى التقدمية والدمقراطية مواصلة تصعيد كفاحها في مواجهة انياب وحش العدوان والاستغلال، وتوحيد صفوفها في المعركة لزيادة وزن تأثيرها الكمي والنوعي على صياغة مختلف القرارات المتعلقة بتطور المجتمع والحياة في شتى الميادين.
د. احمد سعد
الجمعة 6/6/2008