"فرحة فلسطينية".. فيلم يوثّق خطوات العرس حسب التقاليد الشعبية الفلسطينية!



عرضت اللجنة الاجتماعية الفلسطينية في أبو ظبي، على الإعلاميين والصحفيين فيلم "فرحة فلسطينية" الذي أنتجته (البيارة) مؤخرا، ويتضمن توثيقا للعرس الفلسطيني التراثي الذي أحيته الجالية الفلسطينية في أبو ظبي مؤخرا، بمشاركة وحضور نحو 700 شخص، استطاع الفيلم أن يجعل منهم جزءا من أبطاله.
الفيلم يمتد لـ 55 دقيقة وهو من إخراج الفلسطيني يوسف علاري، ويوثق خطوات العرس الفلسطيني حسب التقاليد والطقوس الشعبية.
يبدأ الفيلم وينتهي بكلمات غنائية وشعرية، تحمل المشاهد لأجواء أسطورة زوربا الشهيرة، أو لرواية الشيخ والبحر، لآرنست همنجواي. فإذا كان زوربا تعوّد أن يواجه كل مصائبه بالصمود وبالغناء والرقص والإصرار على الحياة، وإذا كانت رواية همنجواي ارتبطت بفكرة أن الإنسان يهزم أكثر من مرة ولكنه لا ينكسر ويستمر حتى تنتصر إرادة الحياة، فإن المخرج علاري استطاع أن يلتقط من الحفل ما يحاكي مثل هذه الأفكار، فاختار للبداية كلمات مؤثرة للفنان الشعبي الفلسطيني نعمان الجلماوي الذي أحيا الحفل، تحكي قصة الدمار في محيط مقر الرئيس الراحل ياسر عرفات، في رام الله، وتصفه أنه كان دمارا وقصفا غير عادي، لكنه كسر البناء والجدار ولم يكسر الإرادة. وينهي علاري الفيلم مستندا على قصيدة محمود درويش "طوبى لشيء لم يصل"، فيختار منها:
هذا هو العرس الذي لا ينتهي.. في ساحة لا تنتهي.. في ليلة لا تنتهي.. هذا هو العرس الفلسطيني.
يوثق الفيلم الذي تم تصويره في بيوت أفراد الجالية الفلسطينية في أبو ظبي، مراحل العرس الفلسطيني، بدءا من مرحلة ما يعرف باسم "الجاهة" أو "الطُلبة"، عندما يذهب أهل العريس لطلب العروس من أهلها، ولا يشربون القهوة المقدمة لهم إلا بعد الموافقة على طلبهم، ثم ينتقل الفيلم لاحتفالات ما قبل العرس التي تشمل ليلة الحناء، وتتنقل الكاميرا على نحو مشوق بين غرفة احتفال النساء والصبايا وبين احتفالات الشباب.
 وتُبرز كلمات وألحان الأغاني في المكانين التناقض في الأجواء، فعند الصبايا الأغاني حزينة تودع الفتاة إلى بيت آخر وتعبّر عن مشاعر الفتاة الحزينة لفراق بيت طفولتها، وتخوفها من الأجواء الجديدة التي ستعيشها مع عائلة جديدة. وفي المقابل الأجواء حماسية وتعج بالفرح عند الشباب، حيث العريس يستعد ليضيف لعائلته فردا جديدا، وأصدقاؤه يدقون الأرض بأقدامهم في دبكاتهم الحماسية ضمن ليالي ما يعرف بالتعاليل، التي تمتد نحو أسبوع قبل يوم الزفاف.
 وإذا ما كان الفيلم يوثق هذا التناقض في الأجواء بين بيت العروس وبيت العريس، وهو تناقض يكون في كثير من الحالات "مسرحيا" فيه قدر من التظاهر وعدم الجدية والمبالغة لدى الفتاة وعائلتها التي يفترض أنها فرحة بالزواج والمصاهرة الجديدة، فربما يكون الفيلم مهما من حيث لفت أنظار الأنثروبولوجيين وباحثي علم الاجتماع لمثل هذه الطقوس، لدراستها واستكشاف جذورها ودلالاتها.
ويفرد المخرج حيزا خاصا لما يعرف بـ "حمام العريس" حيث الحلاق يحلق شعر العريس ويزينه، وسط كلمات يغلب عليها عادة الفكاهة والمزاح، فكانت الأغاني تحذر الحلاق أنه إذا "سال دم العريس" أثناء حلاقة ذقته، سيتم إسالة دمه ردا على ذلك. ثم تأتي الفقرة الأكثر فكاهة عادة في تقاليد العرس الفلسطيني، إذ يتم ضرب العريس من قبل أصدقائه بنوع من المزاح، وهو طقس يمزج عادة بين إغاظة العريس قبل الزفاف وبين تعبير عن غيرة الشباب الذين ينتظرون دورهم في الزواج.
بعد هذه المشاهد ينتقل الفيلم لمراحل قيام العريس وعائلته بالقدوم على ظهور الخيل لأخذ العروس، وهنا يختصر الفيلم هذه المرحلة بحضور العريس وأهله لساحة العرس، وأداء هذا المشهد، أمام الحضور، في الساحة التي جرى فيها العرس في أبو ظبي، لأخذ العروس، وطلبها للخروج من بيت أهلها مع أهل العريس، وفق التقاليد التي تجري عادة في بيت أهل العروس الفعلي.
ويستمر الفيلم في المرور على فقرات العرس من "تلبيس الذهب" وتقديم الهدايا النقدية للعروسين "النقوط" وسط أغان غاية في الحماس والإتقان أداها الفنان نعمان الجلماوي، أشهر فناني فلسطين في مجال أغاني الأعراس "الحداية"، التي أداها بمشاركة منقطعة النظير من الحضور.
تحول الحضور الذين هم من شتى المناطق الفلسطينية، ومن أبناء مواطني دولة الإمارات والجاليات الأخرى المقيمة، إلى جزء من الفيلم، عندما أدوا أدوارهم كما لو كانوا أفرادا حقيقيين من عائلتي العروسين، ليشاركوا بفقرات الزفاف بنشاط وفعالية تحاكي تماما النشاط المتوقع من عائلات العروسين الفعلية، واستطاعت كاميرات المخرج المتعددة التقاط تعابير الحضور ومشاركتهم، وتوظيفها في سياق الفيلم.
مشاركة الجلماوي في الحفل والفيلم اتسمت بجمالية عالية، بسبب الفرح الحقيقي الذي عبر عنه وأشاعه هذا الفنان، الذي أبدع في ارتجال الأغاني والأهازيج، حيث يفترض عادة أن يكون جزءا كبيرا من هذه الأغاني في مثل هذه المناسبات ارتجاليا، وأقسم الفنان ضمن كلمات بعض الأغنيات التي ارتجلها، أن هذا العرس كان من أجمل ما شاهد، وتغنى بليل الإمارات وأبو ظبي، مطلقا على الإمارات اسم "أرض الرجال وملتقى الأحباب"، ومستذكرا في غناء جماعي مع الحضور وقفات الزعيم الراحل الشيخ زايد مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، كما أشاد بمواقف الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان المستمرة إلى جانب الشعب الفلسطيني، وكانت كلمات أغاني الجلماوي ذات دلالة عالية ضمنية في إشارته لحاجة الفلسطينيين لتجاوز خلافاتهم الراهنة، عندما غنى للوحدة الوطنية من جنين في الضفة الغربية حتى غزة.
 ولأن هذا العرس خاص من حيث طبيعة حضوره ومن حيث مكانه، فقد غنى للقرى والمدن الفلسطينية المختلفة، ووجه نداءات وتحية للأمة العربية، وتغنى بأرض الخليج والجزيرة العربية، وتحدث عن جيران فلسطين وغنى لهم في الأردن وسوريا وباقي الدول.
وقال مجدي عطاري المشرف الإعلامي على الفيلم إن عرضه على الإعلاميين هو بداية برنامج لترويج وعرض الفيلم في العديد من القنوات التلفزيونية الفضائية، ولتسويق وتوزيع شريط الفيلم للجمهور، ليكون وثيقة ضمن الوثائق الوطنية التي تحفظ الهوية الفلسطينية.
يذكر أن فيلم "فرحة فلسطينية" يضاف إلى نشاطات اللجنة الاجتماعية الفلسطينية في أبو ظبي، التي بدأت العمل منذ ما يقارب ست سنوات، ونفذت خلالها ما يزيد على تسعين نشاطا، وهو الفيلم الثاني الذي تنتجه اللجنة بعد رعايتها إنتاج فيلم "السيرة والمسيرة".
وأشار عمار الكردي رئيس اللجنة، على هامش عرض الفيلم، إلى أنّ اللجنة وبعد أن أنهت إحياء ذكرى يوم الأرض في بداية شهر نيسان/ أبريل الماضي، تستعد الآن مع باقي اللجان والهيئات الفلسطينية، وبالتعاون مع بعض المؤسسات الإماراتية، للإعلان عن سلسلة من النشاطات المبتكرة الجديدة، والتي ستجري بشكل متزامن في العديد من المواقع في الإمارات، لإحياء الذكرى الستين للنكبة الفلسطينية.

 

الأثنين 2/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع