العام التسعون على الحزب الشيوعي الاسرائيلي



ليس من السهل تدوين نضال الحزب الشيوعي الاسرائيلي ولكن من الواجب القيام بهذا. ويسعدني انني انضممت الى هذا الحزب وصفوفه في السنين الاولى من قيامه، عام التسعة والاربعين كعضو في صفوف الشبيبة الشيوعية في فرع الطيبة، بقيادة الرفاق عثمان ابو راس وعبد الحميد ابو عيطة طيب الله ثراهما وكذلك هشام الناشف الذي يعيش في مدينة القدس حاليا. في تلك الايام سلّم الملك عبدالله منطقة المثلث جنوبها وشمالها الى دولة اسرائيل القائمة في سنة 1947 ونتيجة لفرض نظام الحكم العسكري على سكان المنطقة، من كفر قاسم جنوبا الى ام الفحم شمالا، نظام الفاحش الذي منع فيه السكان من الخروج الى الشوارع بعد الساعة التاسعة مساء او من البلدة بعد الساعة السادسة مساء.
فرع ام الفحم فقد فرض الحكم العسكري على عدد من الرفاق النفي الى قرية عرعرة، في المثلث وهم: محمد الشريدي، ومحمود عبد الفتاح ناشف (ابو شكور) وعبد الحميد ابو عيطة وعثمان ابو راس وفيصل عبد الرازق، وكان القصد من هذا النفي اضعاف فرع الحزب الشيوعي في الطيبة وام الفحم ومواصلة منعهما من الاتصال مع القرى البيضاء في منطقة المثلث. ولكن اعضاء الحزب في الطيبة امثال عبد الرحيم عازم (ابو جعفر) وغيره من الرفاق الذين سبقونا في الانضمام الى عضوية الحزب الذين صمدوا وواصلوا نضالهم آنذاك كان توزيع جريدة الاتحاد نضالا حيث كانت تصدر مرة في الاسبوع اول قيامها ثم تحولت الى يومي الثلاثاء والجمعة اسبوعيا، كنا نحمل الاتحاد على اجسامنا وتحت الملابس الداخلية لنوصلها الى القراء الاصدقاء مما اثار حفيظة الحكم العسكري ليلقي القبض على الرفيقين محمد الشريدي وعثمان ابو راس ودخولهما السجن من قبل حاكم المنطقة الوسطى في منطقة كفار يونا.
سجن محمد الشريدي سنة كاملة وعثمان ابو راس حوالي سنة ونصف السنة، وعندما خرجا من السجن دعاهما قائد المنطقة الوسطى قبالة الطيبة وقال لهم بالحرف الواحد: "انا عمليا دعوتكما لأقول لكما انتما اشرف الناس" وانتما اطيب من هؤلاء الرجال الدساسين لأنكما تقومان بنضالات وتخدمان شعبكما ولهذا قررت اطلاق صراحكم"، كانت عندكما الجرأة ان تقتربا من مركز الحاكم العسكري والتحدث مع العمال الذين كانوا يأتون الى مكتبنا للحصول على تصاريح للعمل خارج المنطقة فكنتما تحرضان العمال على النضال ضدنا بدون خوف".
مع الوقت قام فرع ام الفحم في احدى المناسبات في اول ايار بزيارة فرع الطيبة بوفد كبير وكان لقاء هام جدا بين الفرعين  الذين ناضلا معا نضالا كبيرا.
وبعد ذلك قام فرع الحزب الشيوعي في الطيبة بزيارات مستمرة الى قرى المنطقة البيضاء مثل جت وجميع قرى زيمر في المنطقة تمّا وبير السكة والمرجة وابثان وباقي القرى ونجحنا في اقامة فروع في هذه القرى، وكذلك في باقة الغربية وقلنسوة، كما كان لفرع الحزب في الطيبة الفضل في اقامة شبيبة شيوعية في بلدة الطيرة وجلجولية وكفر قاسم، في ذلك الوقت فرض على كل خلية حزبية في الحزب ان تزور هذه الفروع مرة في الاسبوع الى ان نجح فرع الطيبة باقامة فروع في الطيرة، وجلجولية وكفر قاسم. وفي سنة  1956 ابان العدوان الثلاثي على مصر قام الحاكم العسكري بنفي عدد من رفاق الحزب الشيوعي في الطيبة الى قرية كسرى في الجليل، في دار ابي محاسن الذي استضامنا قرابة الاسبوعين وقال لنا لقد طلب الشرطي الذي رافقكم الى منزلي مني عدم احترامكم لأنكم معارضون لسياسة الحكومة. اما الرفيق محمد حسنين وعثمان ابو راس فنفيا الى قرية يانوح المجاورة لقرية كسرى، وانا كنت الشيوعي الشاب الصغير من بين الرفاق المنفيين، كنا نستقبل الشباب ونحرضهم سياسيا، ودعوناهم الى التوقيع على عرائض ضد سياسة الحكومة التي كانوا يتذمرون من سياستها ومن الضرائب العديدة مثل الارنونا. ولأنها تلاحق شبابهم من اجل التجنيد في الجيش الاسرائيلي، وطلبوا منهم التجند لمحاربة ابناء شعبهم من المواطنين العرب في هذه الدولة، فكان الشباب يختفون بين الاشجار والاماكن المختلفة خارج البلدة كانت الشرطة تلاحقهم على الخيل لتلقي القبض على الاطفال الصغار ولتقذفهم في برك الماء حتى يضطر الآباء الى تقديم ابنائهم الى الشرطة لنقلهم الى ثكنات جيش الدفاع الاسرائيلي للتجند.
ومن الجدير بالذكر اننا كنا نقوم باثبات وجودنا في مركز بوليس ترشيحا مرتين في اليوم، كنا نسلك طرق وعرية لعدم وجود الشوارع، فكنا نعرج في ترشيحا على سكرتير الفرع ميخائيل بشارة لتقدم لنا زوجته الاكل الشرب وغير ذلك.
في سنة 1957، قرر فرع الطيبة الدفاع عن حقوق الفلاحين وعقد اجتماعا في مقهى ابو شكور محمود عبد الفتاح ناشف الذي كان عضوا في الحزب وسكرتير مؤتمر العمال العرب (فرع) في الطيبة وبسبب هذا النضال قام الحكم العسكري في ذلك الوقت بنفي الرفاق من الطيبة محمد ابو اصبع وشاكر عازم ولطفي فارس وعبد الكريم ابو راس وعبد الرحيم عازم الى قرية بيت جن ومن باقة الغربية ابراهيم بيادسة وابن عمه صديق الحزب ومن ام الفحم رفيقنا الراحل ابو العفو. كانت الشرطة قد طلبت من مختار بيت جن ان يستضيف هؤلاء المنفيين وان يمنع عنهم النوم داخل البيوت، فعندما سمع مختار الحارة الشرقية (ابو التوفيق) الكنج طلب من شرطة المنطقة ان تسمح له باستضافتنا في منزله فرفضت الشرطة طلبه وسمحت لاربعة من الطيبة بالنوم عنده احتراما لأهالي الطيبة الذين كانوا يهتمون بابنه في الطيبة حيث كان يعمل ضابط الشرطة في احدى الاماسي دعانا الاخ المضيف لوجبة عشاء في منزله، لكن قامت الشرطة بتفتيش منزل المضيف فقال قائد الشرطة للمضيف ممنوع للمنفيين الخروج من منزل المضيف ابو توفيق الكنج فإما ان يعودوا الى منزل المختار او نأخذهم الآن الى المركز وهكذا حرمنا من تناول وجبة العشاء، وبعدها قامت الشرطة بتغريمنا ماليا ومعاقبتنا واستدعتنا الى المحكمة في مدينة الناصرة بعد قرابة سنة من اطلاق سراحنا من المنفى.
ومن الجدير بالذكر ان رفاق منطقة الناصرة كانوا يزورننا في المنافي من المنفى الاول في كسرى ويانوح والثاني في بيت جن، واستقبل بنو معروف وخصوصا المختار ابو المحاسن الوفد الزائر باحترام كبير.. ومن الجدير بالذكر ان سكان بيت جن اثبتوا انهم أهل للضيافة حيث كانوا يتناوبون لتقديم العشاء والغداء وغيره.
ومن الجدير ذكره ايضا ان رفيقنا محمد نفاع كان من الذين يزوروننا ، ولا ننسى شفيق متري الصديق الصدوق للحزب وكنا نسير من بيت جن حتى البقيعة مشيا على الاقدام، وعندما نصل منزل الرفاق في البقيعة وبشكل خاص سكرتير الفرع، كان ينقلنا من البقيعة الى مركز بوليس ترشيحا يوميا حتى انتهاء مدة نفينا، اما في فترة نفينا الى كسرى فكنا نذهب الى مركز الشرطة مشيا على الاقدام لقلة المواصلات والطرق الوعرية.

محمد ابو اصبع *
الأثنين 2/6/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع