قبل أن تنطلقا الى الطريق نبّهت عليها "فاطمة" قائلة "اسمعي يا رفيقة مرتا احكي بلطافة مع عباد الله، الدفاشة لا تزيد خير الاغاثة"! لم تقتنع مرتا وقالت بمرارة "وهل تنفع بعد اللطافة مع عالم صار غابة تحكمه الوحوش المفترسة!!". دخلتا وكان أبو الحسين البنّورة بيّاع الأراجيل والمعسّل منهمكا في "معركة" مع جاط فتّوش معرّم، طرحتا عليه السلام فأجابهما بالعزومة على الميسور، شكرتاه وتناولت مرتا الحديث قائلة "عم أبو حسين وانت تجاهد للقضاء على الفتّوش ألم يعبر في شريط خيالك، الأول من حزيران"! ذُهل وقال "على حد علمي هجّرونا من بلدنا في أول يوم نكبتنا وزوجتي خديجة الله يرحمها أخذ ربنا وداعتها في كوانين ليلة ما انسرقوا غنمات أبو العبّاس، وقتلوا الرئيس عرفات وسمموه في الخريف. اما أول حزيران فالظاهر أنه ليس من أقاربنا ولا من أنسبائنا"!! يقصف عمر أبو اللي حرمك من التعليم يا جاهل – قالت مرتا وتابعت، أول حزيران يوم الطفل العالمي، فقاطعها "أنا بيّاع أراجيل وأتعامل مع الشباب والكبار ولا أبيع المعسّل للأطفال". لسنا من عاملي الضريبة ولا من جهاز المخابرات شرحت فاطمة وتابعت، نحن في هذا اليوم نذّكر العالم أن أطفال شعبنا الفلسطيني مع الكثير من أطفال العالم يعيشون بدون طفولة، لا يذوقون طعم السعادة والبسمة، يعانون من الجوع والحرمان وشبح الموت المخيّم في رؤوسهم. ألم تسمع بمجازر المحتل الاسرائيلي ضد أطفال غزّة وحرمانهم من الحليب والغذاء والدواء ومن نسيم الحرية في وطنهم المستباح المحروم من السيادة كباقي شعوب المعمورة. فأنا ورفيقاتي نجوب بيوت أهلنا لجمع الاغاثة اعانة لأطفال شعبنا في المناطق المحتلة لانقاذهم من براثن حصار الموت الذي يفرض أيتام النازيين الجدد من قواريط بوش وساركوزي.
طفرت الدمعة من عين البنّورة، فتح جارور الطاولة، سحب النقد المتواجد وقال: هذا كل ما حوّشته من بيع الأراجيل والمعسّل، ليكن حلالا وصبّار بركة على أطفال شعبنا! شكرتاه وقالت فاطمة، ابعث يا عم أحفادك من الأطفال الساعة الخامسة بعد الظهر الى مفرق طرق "بيت الصداقة" بين كفر ياسيف وأبو سنان للمشاركة في مظاهرة الأطفال تضامنا مع أطفال غزّة والضفة وضد جرائم الاحتلال!
لم تنتظر أم طنّوس وجارتها أم محمود حتى تدخل مرتا وفاطمة بيتهما فقد شاع الخبر قبل وصولهما، أم طنّوس لا دخل لها الا ما تقبضه من مخصصات الشيخوخة، حملت بيدها قنينة ماء كبيرة و"صرّة" قالت لمرتا، هذا كل ما أملك بعد شراء دواء السكر، الصّرة فيها مئتا شاقل اشتروا ما ترونه مناسبا لأطفال شعبنا! أما أم محمود فقد عاركتها معارك زوجها المرحوم ضد جرائم وارهاب الحاكم العسكري، فقالت "يا مرتا وفاطمة السمكة بتعفّن من رأسها، ولكن في اسرائيل السمكة كلها فطيسة معفنة من رأسها حتى ذنبها، قال بدهم يطيحوا بالرئيس أولمرت قد ما عفّن من الفساد والرشى" ومَن البريء منهم، فجميعهم دون استثناء من وزراء ومسؤولين في حكومة الكوارث والاحتلال ارتكبوا جرائم أشد هولا وأكثر مأساوية من الفساد والرشى، ارتكبوا جرائم بحق الانسانية وأطفال فلسطين، جرائم تستحق محاكمة الجزّارين من أولمرت الى براك الى ليفني الى يشاي وخدّام سياستهم ليتعفّنوا في غياهب السجون. "لا أملك سوى جوز أساور ذهبية وعنزة حلابة، اختاروا وخذوا اغاثة لأطفال شعبنا احداهما" قالت أم محمود. يكفينا تضامنك المعنوي، قالت مرتا من بين دموعها.
أكثر ما أثار دهشة مرتا وفاطمة أنهما لم يخرجتا من أي بيت بأيد فارغة حتى البيت المعروف ببخله طلّق دينه بهذا اليوم، ومن اعتبروا أرانب سلطوية سجدوا لشعبهم هذا اليوم، وأمام دكّان "الأحموشي" في الحارة الشرقية وقفت جمهرة من الناس تقرأ اعلانا مزيّنا بالصور علّق لتوّه. ومضمونه أن كبار فنّاني وفنانات الشعب مثل محمد صالح بكري وأمل مرقس وريم بنّا ورنا نعرة وخليل أبو نقولا والشاعر الكبير سميح القاسم يحيون أمسية وطنية يخصص ريعها دعما لأطفال فلسطين. فحق فلسطين وشعبها وأطفالها لن يموت، ولن يبقى أطفال فلسطين بلا طفولة.
د. أحمد سعد
الأحد 1/6/2008