ساركوزي بائع متجول لدى العرب: النفط مقابل المفاعلات النووية!
كلما صافح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يدا عربية، عرض على صاحبها مفاعلا نوويا. وهذه حاله منذ عام. من ليبيا معمر القذافي، إلى مغرب محمد السادس، فتونس زين العابدين بن علي، وجزائر عبد العزيز بوتفليقة، فسعودية عبد الله بن عبد العزيز، ومصر حسني مبارك، وإمارات خليفة بن زايد. ولم تخل وجبة محادثات مع من التقاهم الرئيس الفرنسي، سواء في قصر الأليزيه، أو الذين استقبلوه في قصورهم، من طبق «التعاون في ميدان الطاقة» الخجول، وهو البند الدبلوماسي المتداول، لصفقات المفاعلات النووية الفرنسية، التي تصنعها شركة «آريفا» الفرنسية، ويعد ساركوزي أفضل بائعيها المتجولين. وآخر صفقات التعاون في المجال النووي المدني، تلك التي وقعها وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير ونظيره الاردني صلاح الدين البشير في عمان أمس. أسباب كثيرة تدفع الرئيس الفرنسي إلى تجاوز كل ريبة بالعرب، وخلوهم من كل عارض إيراني يدعوهم إلى تطوير برامج عسكرية نووية، برغم أن قرارات «مجلس التعاون الخليجي» تدعو إلى خيار نووي مدني وتطوير المفاعلات العربية، في مواجهة البرنامج النووي الإيراني «العسكري»، لكنها في باريس لا تزال بعيدة عن تفسير ذلك ببدايات سباق نووي عربي إيراني على ضفتي الخليج، وإنما بفرص تنفتح لصفقات وعقود. لذا يضع ساركوزي بكل ثقة المفاعلات النووية الفرنسية على طاولة كل محادثات تجمعه مع العرب، وقد نجح حتى الآن في بيع مفاعلين نووين إلى الإمارات، التي لن تتسلمهما قبل عشرة أعوام على الأقل. فمن خصال «نووية العرب» على يد فرنسا (أي جعلهم قوة نووية مدنية)، الوقاية من صدام الحضارات، بل وتدعيم الحوار بين الغرب والشرق. وقال ساركوزي ذلك في آب الماضي، أمام 180 سفيرا فرنسيا، مطلقاً الحملة لبيع المفاعلات النووية الفرنسية، في منطقة در فيها النفط العام الماضي على بائعيه العرب أكثر من 350 مليار دولار. وهي كتلة نقدية، يساهم كل مفاعل يباع، باستعادة ثلاثة مليارات منها إلى الصناديق الفرنسية. وثمة الخشية من مساءلة الغد، كما حذر ساركوزي سفراءه «من منا سيكون قادراً أن يبرر لمليار مسلم أن لا حق لهم، هم المسلمون، بالطاقة النووية، وتكنولوجيا الغد، فقط لانهم مسلمون، وخصوصا عندما يشح النفط والغاز. إن هذا الحرمان النووي يؤسس للبؤس والتخلف، ولانفجار الإرهاب». ويستهل الفرنسيون مرحلة جديدة لتحويل العرب، من أفضل زبائن أسلحتهم، التي أنفق عليها العرب عشرة مليارات يورو العام الماضي، إلى أفضل أسواق مفاعلاتهم النووية. لكن أثر صفقات الأسلحة، في استتباع فرنسا للعرب، سيكون طفيفا بالمقارنة مع التبعية الخطيرة التي ستقيدهم بأغلالها المفاعلات النووية الفرنسية، إذا ما تمت من دون نقل كامل للتكنولوجيا، ومن دون امتلاك عملي لدورة تخصيب اليورانيوم وتقنياتها المعقدة لإعداد هذا الوقود الذي ينتج الطاقة في قلب المفاعلات، وهو عقدة الصراع، التي تجعل الإيرانيين اليوم يقفون أمام مفترق إستراتيجي في الدفاع عن سيادتهم في توليد طاقة المستقبل، والاستقلال بها، والحفاظ على برنامجهم النووي، ومواصلة عمليات التخصيب، برغم العقوبات الدولية. كما أن شراء مفاعلات فرنسية عالية التقنية، من دون إعداد للكادرات الوطنية، التي لا تتواجد لدى العرب، إلا في بلدان تملك بعض الخبرات في هذا المجال كالجزائر والمغرب ومصر، سيجعل دول الخليج مجرد مستهلك تابع. ويقول خبراء فرنسيون إن صفقات المفاعلات النووية مع العرب ستتيح لباريس هامشا من التوازن في تبعيتها النفطية لهم. النفط في مقابل الذرة. ويطمح ساركوزي إلى بيع الدول العربية النفطية، التي ستخصص النفط لصناعتها وبيعه فقط، وتحتاج لتشغيل محطات تحلية المياه بشكل أساسي، ستقوم المفاعلات بتشغيلها. ويود الإماراتيون الحصول على مفاعلين فرنسيين خلال العقد المقبل، فيما أعلن مبارك عن إطلاق برنامج لبناء أربعة مفاعلات لإنتاج الطاقة الكهربائية. ووقعت بالحروف الأولى اتفاقات تعاون نووية مع الجزائر والمغرب. وكانت ليبيا منذ تموز الماضي، على رأس لائحة زبائن «آريفا» لشراء مفاعل واحد على الأقل. وتتميز هذه المفاعلات بتقنيات وطنية فرنسية، تجعل من الصعب على المشتري تشغيلها مع صانع آخر. وأمضى الروس سنوات طويلة، لإعادة تشغيل مفاعل بوشهر الإيراني، بعدما توقفت شركة «سيمنز» الألمانية عن بنائه، لأن معايير كل «ماركة» وقطع غيارها تختلف عن الأخرى، وهو قيد إضافي في لائحة القيود الإستراتيجية، التي تجعل فرنسا مشرفا لثلاثين عاما على الأقل على كل مفاعل تبيعه في المستقبل إلى العرب.