شيخ تكمن الاحتمالات كلها على بابه
المفتوح كعقله.
أدار حديثه بما يتناسب مع زائر غير متوقّع
في وجهه كلام كثير.
وضع الزائر كتابا بين يدي الشيخ واستأذن.
قرأ الشيخ المفتوح على الدنيا
الإهداء في أعلى الصفحة الأولى.
استعصى عليه الحرف.
وزلّ في أكثر رخاوة.
تعكّر صفو عقله،
وقرّر من لحظتها أن يُغلق باب البيت.
لملم بعض الأوراق.
تراءى لنفسه خلف المنبر.
ارتاح لهيئته ولنبرة صوته.
اختار ثلاث قصائد، أطلقها نيازك في
جوّ الصالة.
فقد الحضورُ الذاكرة وسها.
أعقبه زميل في الاسم.
قرأ نصوصا طائشةً
يُمكن أن تُقرأ بالمقلوب
أو من أية زاوية فيها دون أن يشعر أحد.
عادت ذاكرة الناس مهرولة.
أعطى الأول أوراقه للتقنيّ
وتوارى في الكرسيّ.
لو أنك أغفلت الأسماء ليلَتها
لحسبتك في حضرة بشّار .
لو أنك لا تعرف أحدا ممن حضروا
لحسبت أن الوقت سوق عكاظ،
وأن المقهى دار المأمون على رابية في الكوفة
شعراء يستمنون قصائدهم.
والطبّالون على نص مهترئ القسمات
يمحون الاسم المارق فيه
ويزفون الاسم الطارئ بالوردْ
فتصلّي أن تدنو السماء
ويُوضع للمشهد حدّْ.
يمشي وجلا يتقمّز فوق بُقع الحبر.
يتلافى كلمات النقد.
يتذاكى ألاّ يصادفها نظرات الناقد
في ردهات النصّ.
حاول أن يتجاوز جرفا فتحته النظرات.
خذلته رطانته اللغوية.
خانته لياقته الأدبية.
فسقط في الجرف.
التفت الناقد ناحية الشعر.
أومأ، ثُُّم أهال عليه الحرف.
شعرُه وزن،
فاعلاتن "تاركات" فاعلاتن
وتاج قصيدته العصماء قافية تتراص
مثل السمك المسموم على الشاطئ
ولسانه لا يرتد إلى حلقه.
تنظير عن بحر أبدعه للتوّ
لم يعرفه الأحمد.
قاطعه أحدهم مقترحا نصًّا لا سمك مسموم فيه
لا وزن مبتذل النغمات
رسم الصورَ تباعا
أعاد المعنى للأبيات.
فقد صاحبنا الوزنَ من أثر السحر
واعترف أن الشعر ضباب يوحي
لا حشد مهدور للكلمات.
يتسلّق قلم زميل كي يُحسب
أو يستعطف حبر الكتّابين ليُكتب
والأدب قصيّ!
يتملّق نصا منشورا
يلعقه مثل الترياق
يمجّد أخطاء في النحو
وفي الصرف
وفي الشعر
كي يحظَى بما أجزى
واللغة نفاق.
ذاك الممتد متاهات ملحية يحسب
أنه واحة
وهذا المنتشر في الشبكات طحالب منسية
يحسب أن العبث ببياض الأوراق فصاحة.
يا عزرائيل تعال ولا تجزع
نعدك، بعد مقاولة الموسم،
أن نمنحك الراحة.
أصغيت لما قرأ،
نصيْن في نص،
وقافية ومطلع.
وفي كل منعطف مشاعل كبرياء
وكرامة وإشادة بالأوفياء.
من لهيب حماسه الموروث
شبّت حرائق التاريخ في كتبي
وحسبت أنها استعصت على الإطفاء
ولدهشتي انطفأ الحماس ووهجه في برهة
وسمعت همسا خافتا:
"يا سيدي ، من بعد إذنك والسماح سماحك،
هذي نصوصي لملء فراغ قد يطرأ
في جسد جريدتك الغراء"
فاندفعتْ في البال كلمة
تبدأ بالشين المشؤومة، تتلوها الراء
لم أغر، وكدتُ.
واخترت لصاحبنا جذرا مصدره "رياء".
فتح باب النص الأول
وأغلقه من عطب في الجذر،
اقترب من نص ثان لا هيئة له.
قلّب ما أرسله إليه أحدهم،
لا معنى له.
عالج بالحبر السائل
ما نشرته الصحف.
في الليل فاجأه الطرْق على الباب
خيّره صوت معروف بين كتابة ما فكّر
وبين وصيته.
فتحسّس سترته الواقية!
مرزوق الحلبي
السبت 31/5/2008