ضريبة الترف



لو كان بإمكان رئيس الحكومة أولمرت أن يعيد دولاب الزمن إلى الوراء، لقام بالسفر إلى أمريكا على ظهر جحش محرّن، بدل أبّهة الدرجة الممتازة في طائرة نفاثة، أبهة لم تجلب له سوى البهدلة وعلى الأغلب ستحطم مستقبله السياسي. ولو عاد هذا الدولاب إلى الوراء أكثر، لقضى أولمرت لياليه في خيمة، بدل أن تداعب جسده رغوة الصابون الفاخر في الجاكوزي الفاخر في الفندق الفاخر في واشنطن. ولو توغل الدولاب في الرجوع، لاستغنى عن الساعات الفاخرة التي تزين معصمه والأقلام الفاخرة التي تضج بها مكاتبه، وشذا السيجار الفاخر في مكاتبه.
لا نعرف ماذا كان موقف زوجته، عليزا، التي ظهرت نقيضًا للثقافة التي جلبتها سابقتها، سارة نتنياهو، مما يجري مع زوجها. ولكن حتى لو أخذنا أنها ليست من رواد حياة الترف، فالسؤال المطروح هو هل فعلت شيئًا في هذا الصدد، مثلا، أن تقول لزوجها: "شو هالنتانة.. تذهب لمشاركة تلانسكي في حفل "بار متسفا" لحفيده، وتطلب منه ثلاثة آلاف دولار؟".
(على كل حال هنالك مما يمكن أن نتعلمه من إشراقة أولمرت هذه.. فإذا كان على صاحب الفرح أن يدفع لكل واحد من المعازيم ثلاثة دولارات، وليس ثلاثة آلاف، لتوقفت حفلات الأفراح منذ زمن، ولاقتصر حفل العرس على العروسين، ولتمت مراسيم الزواج من خلال الإيميل أو الهاتف. ولعل هذه المبادرة، أي أن يتحمل صاحب العرس مصروفات المعازيم ستكون الحل لهذه الجلجقة غير المشهودة في أي مجتمع آخر في حضور الأفراح).
رئيس الحكومة، أو الوزير أو عضو الكنيست، يحصل في نهاية الأمر على معاش محدود، وحتى لو كان هذا المعاش من المعاشات الجيدة، فيبقى تعريفه بأنه معاش ليس إلا. وهنالك شروط للعيش في ظل المعاش. هذا المعاش، يكفي لحياة متوسطة في أحسن الأحوال. هذا المعاش لا يكفي لشراء دور بملايين الدولارات. هذا المعاش لا يكفي لسفرات في الدرجة الممتازة، ولا ارتياد فنادق الدرجة الممتازة، ولا شراء ساعات بآلاف وعشرات آلاف الدولارات.. هنالك في قمة السلطة، وليس في قمة السلطة فقط، من يريد أن يمسك الثور بقرنيه، أن يحظى بحياة الملياردير، وأن يكون زعيما جماهيريا.. بمعاش! كيف؟

 

*تهديدات فارغة*

يمكن القول، بعد الظهور الدرامي (ولكنه الفارغ من المضمون لأن المطلوب، لو كان القصد جديا، هو الخروج الفوري من حكومة أولمرت)، أن براك تعلم الدرس جيدا. في حينه، بعد صدور التقرير النهائي للجنة فينوغراد، حدث ذلك العبث الذي تجده فقط في خيال كاتب متمرس، فقد توجهت كل النيران نحو براك ليفعل شيئا ما للإطاحة بأولمرت. بدل أن يتظاهروا أمام مكتب أولمرت، مطالبين باستقالته بسبب دوره في حرب لبنان، أقام جنود الاحتياط خيمة احتجاج أمام بيت براك، الذي لم يكن موجودا، أصلا، في البلاد خلال هذه الحرب. بعد أربعة أيام على صدور التقرير النهائي، وبعد أن ظهر واضحا صمود حكومة أولمرت، أعلن براك موقفه، في لقاء عابر وباهت في أحد أروقة الكنيست مع الصحافة.
هذه المرة، ومنذ اللحظة الأولى، خرج براك ليعلن موقفه، والهدف هو إلقاء الكرة في ملعب "كاديما".. هو يقول أنه يريد أن يكشف جوهر "كاديما"، أنه ليس حزبا، وكأن هنالك من لا يعرف ذلك. يظهر أن براك موهوب في عمليات "إماطة اللثام"، في حينه حرق الأخضر واليابس من أجل "إماطة اللثام عن عرفات".
مشكلة براك، هي أنه يقود حزبا يعلن تعهده للعملية السلمية وفي الوقت نفسه يعمل كل شيء للسير بالاتجاه المعاكس. عندما يقول أفراييم سنيه، الشخص "الأمني"، أن براك يتجاوز أولمرت من اليمين، ندرك تماما أن هذه الشخص الذي لبس ثوب حمامة سلام، يوما ما، كم هو بعيد عن هذا الدور، آنذاك.. والآن.
على كل حال، قريبا ستعود الكرة التي دحرجها باتجاه كاديما، إلى ملعبه. فهنالك، في كاديما، لن يجد من يتصدى لمهمة إقالة أولمرت، وسيطالبه الرأي العام بتنفيذ وعده. في أوساط حزب العمل يقولون، حسب أوري مسجاف، في يديعوت احرونوت، أمس "لن تكون هنالك سدوت يام أخرى"، في إشارة لما صرح به في "سدوت يام" قبل سنة بشأن إقالة أولمرت بسبب تقرير فينوغراد.. كل الدلائل تشير أن هذه المرة، أيضا، "سيلحس" هذا التهديد، الذي لم يهدده هذه المرة أصلا.. لأنه غير مستعد للانتخابات، فالليكود سيبقى الأصل في التطرف والعداء للعرب.. وبحق قال كثيرون: "من يريد إنهاء عمل هذه الحكومة لا يهدد، بل يستقيل، ويضع الجميع أمام الوقائع الناجزة".

 

*"تلانسكي بتاعه"*

لماذا يصمت نتنياهو، وهو الذي لا يضيع فرصة واحدة للهجوم على أولمرت؟
يظهر أن هذا الموضوع، الفساد والغرق في حياة الترف، ليست الموضوع المفضل للحديث عنه لدى نتنياهو. ماذا سيقول لجمهوره الذي يعرف أن حساب مصفف الشعر لزوجته سارة وحساب غسل ثيابهما في فندق في لندن، يعادل ما قيمته متوسط معاش في إسرائيل؟
الموضوع الذي قد يقود إلى الانتخابات هو موضوع غير مريح، بتعبير مخفف، للنجوم الثلاثة في الحلبة السياسية في إسرائيل، نتنياهو وبراك وأولمرت. وإذا استعرنا المصطلحات العسكرية في هذا السياق فتصريحات، أو تهديدات، طال زلبرشطاين، في هذا الصدد هي "زخة" النار الأولى. طال زلبرشتاين، المستشار الإعلامي لأولمرت، الذي كان يشغل منصب المستشار الإعلامي لبراك، أيام قضية "جمعيات براك"، ينصح براك أن لا يحشر أنفه في هذا المعمان، "لأنه، أي براك، الشخص الأخير الذي بإمكانه الحديث عن ثقافة مغلفات الدولارات"..
هذا تهديد سافر.. والخير لقدام! والرسالة واضحة تماما: أولمرت لن يسقط وحده. وقال زلبرشتاين، في إشارة سمينة أخرى، أن لعدد من السياسيين هنالك لكل منهم "تلانسكي بتاعه". وهذا تهديد سافر آخر، ويظهر أن براك فهم الرسالة جيدا، فقد كان جدول أعمال أولمرت المكتظ هو المسوغ للمطالبة باستقالته، وليس نظافة اليد.
ولذلك إذا كانت هنالك احتمالات لاستمرار أولمرت في البقاء في الحكم، بعكس كل التقديرات، فستكون هذه النقطة، أن أهم قائدين في المعركة السياسية هم "من نفس الحي" الذي يسكنه أولمرت، من حيث السعي لملذات السلطة.

عودة بشارات
السبت 31/5/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع